التطور الرقمي.. والتحديات المائية والبيئية.

أعلنت “هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية” أن حجم سوق الاتصالات وتقنية المعلومات في “المملكة العربية السعودية” قد بلغ في نهاية عام 2022 (154) مليار ريال، مشيرة إلى أنه بذلك الحجم يُعَد السوق السعودي من أكبر أسواق الاتصالات وتقنية المعلومات في المنطقة، لافتة إلى أن مجال التقنيات الناشئة، شهد انتعاشًا ضخمًا بوصول عدد اشتراكات إنترنت الأشياء “M2M” إلى أكثر من (11) مليون اشتراك، وذلك حسب ما نقلت “وكالة الأنباء السعودية -واس” وفي تصريح لافت لـ “معالي محافظ هيئة الاتصالات د. محمد بن سعود التميمي” أشار إلى أنه من المتوقع أن يتجاوز حجم تقنية المعلومات والتقنيات الناشئة في السوق المحلي (27) مليار دولار بحلول عام 2025، وأن المعدل السنوي المركب لحجم سوق إنترنت الأشياء في “المملكة” ينمو بنسبة (26%) حتى عام 2025. وفي سياق طُمُوح “المملكة العربية السعودية” لكي تصبح دولة رائدة في تطبيق وتطوير تقنيات وخدمات إنترنت الأشياء، فقد طورت العديد من المنصات الإلكترونية التي تقدم للمواطنين خدمات رائعة، وبكفاءة عالية من أبرزها “منصة أبشر” في القطاع الأمني، و”منصة ناجز” في قطاع العدل، و”منصة إحسان” في القطاع الخيري، و”منصة اعتماد” في القطاع المالي، و”منصة بلدي” في القطاع البلدي، و”منصة توكلنا” في القطاع العام، و”منصة سابر” في القطاع التجاري، و”منصة سكني” في القطاع السكني، و”منصة صحتي” في القطاع الصحي، و”منصة فسح” في قطاع النقل والخدمات اللوجستية، و”منصة قوى” في قطاع العمل، و “منصة مدرستي” في قطاع التعليم، وبحكم هذا التحول الرقمي واسع النطاق، تربعت “المملكة” على المرتبة الأولى في الشرق الأوسط وإفريقيا، والتاسعة بين “مجموعة العشرين” في مؤشر النضج التنظيمي، والنمو الرقمي، وعلى المرتبة الثانية في تخصيص الطيف الترددي بين “دول مجموعة العشرين” والتاسعة عالميًا في محو الأمية بالمهارات الرقمية، وبهذه النجاحات الباهرة صار السوق السعودي أسرع أسواق الخدمات السحابية نموًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هذا وتستهدف “المملكة” بحلول 2030 أن يمثل الإنفاق على الحوسبة السحابية نسبة (30%) من إجمالي الإنفاق على قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات. ومن المتوقع أن يزيد معدل النمو السنوي المركب لسوق الخدمات السحابية عن (20%) حتى عام 2025م. في خضم هذه النجاحات الرائعة، وفي ظل تلك الإنجازات المتميزة، التي تأتي في سياق “رؤية المملكة 203”ولكي نحيط بهذا المشروع الحضاري العظيم من كافة أبعاده، ومن أجل أن نكون واعين لكافة متطلباته واستحقاقاته لا بد أن نتوقف ولو لبرهة قصيرة لاستظهار شبق الحواسيب والخوادم – السيرفرات – للمياه، مثلها مثل الإنسان الذي يعمل عليها، حيث أن أنظمة الحوسبة واسعة النطاق مثل مراكز البيانات و أجهزة الكمبيوترات عالية الأداء تولد كميات كبيرة من الحرارة أثناء التشغيل. ولتفادي أخطار ارتفاع درجات الحرارة، تستخدم أنظمة الحوسبة آليات تبريد مختلفة، والطريقة الأكثر شيوعًا هي تبريد الهواء، والذي يتضمن استخدام المراوح لتبريد الحرارة الناتجة عن التشغيل. كما يتم - أيضًا - استخدام أنظمة تكييف الهواء وأنظمة التهوية للحفاظ على درجة حرارة التشغيل المناسبة داخل مراكز البيانات وغرف الكمبيوترات. أظهرت دراسة حديثة أن أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل روبوت ChatGPT الشهير، تستهلك نحو (1) لتر من الماء لكل (100) سؤال يطرحه المستخدمون. وقال الباحث “شاولي رين” من “جامعة كاليفورنيا” إن هذه الكمية قد لا تبدو نظريًا كبيرة، ولكن من الناحية العملية، ومع التوسع الكبير في الاستخدام العالمي لأنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي، فإن استهلاك المياه سيكون هائلًا. وأشارت تقارير سابقة إلى أن استهلاك مراكز بيانات “غوغل” في “الولايات المتحدة” وحدها في عام 2021 بلغ نحو (12.7) مليار لتر من المياه العذبة، وذلك للحفاظ على برودة الخوادم – السيرفرات. ولحاجة مراكز الخوادم – السيرفرات للمياه، فقد أقيم الكثير منها - لاسيما الكبيرة - على ضفاف الأنهار، كمركز سيرفرات “برديج” في “ولاية أوريغون” في “الولايات المتحدة” الذي يقع على ضفاف “نهر كولومبياز” ومركز سيرفرات “هامينغ” في “هولندا” الذي يقع على ضفاف “نهر الراين” والذي يُعد واحدًا من أكبر مراكز البيانات في العالم. ومركز سيرفرات “بينغي” في “الصين” الذي يقع على ضفاف “نهر اليانغتسي” والذي يعتبر – أيضًا - واحدًا من أكبر مراكز البيانات في العالم. قد يقول قائل (إننا في “المملكة” نستخدم المكيفات الكهربائية لتبريد الأجواء المحيطة بالخوادم ولا نحتاج المياه لتبريد هذه الأجهزة) ناسيًا أن نظام التكييف المستخدم يحتاج إلى طاقة كهربائية إضافية، تنتجها محطات التوليد المركزية، التي هي بدورها تحتاج إلى مياه لتبريدها. مما يحتم استهلاك المياه العذبة للتبريد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ومن الجدير بالإشادة أن “الشركة السعودية للكهرباء” وبفكرة إبداعية جميلة، قد بنت مصنعًا للثلج فوق خزانات التبريد في محطة التوليد بـ “منطقة القصيم” التي هي الأخرى تقع على ضفاف “وادي الرمة”. هذا من جانب المياه، ومن جانب آخر هناك الأثر البيئي المباشر وغير المباشر للتوسع الكبير والتطور المستمر في استخدام الأجهزة الإلكترونية، الذي يفرز كميات كبيرة من النفايات الصلبة، والتي تحتاج لطرق غير تقليدية لمعالجتها، والتخلص منها. إزاء هذه المتطلبات المائية والتحديات البيئية، المرتبطة بقطاع تقنية المعلومات، فإنني أتمنى أن تكون “وزارة البيئة والمياه والزراعة” بحكم مسؤوليتها المباشرة عن قطاعي المياه والبيئة، حاضرة، وشريكة رئيسة في صياغة أُطُر المشاريع الطموحة، التي تنفذها حكومتنا الرشيدة – بكل عزيمة واقتدار - في مجال النهضة الرقمية المباركة. كما أتمنى أن يكون لهذه “الوزارة” مقعدًا دائمًا في مجلس إدارة “هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية” لكي تكون على اطلاع مستمر، وعلم مسبق بتطورات قطاع التقنية، وجاهزة للوفاء بمتطلباته المائية، ومستعدة لمواجهة استحقاقاته البيئية.