العساف يُنصف الشبيلي.
تكرم الأستاذ أحمد بن عبدالمحسن العساف بإهدائي نسخة من كتابه (عبدالرحمن الصالح الشبيلي.. سيرة أخرى) الصادر عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي ط1، 1445هـ 02024م). والأستاذ أحمد المؤرخ والباحث والمدون، أشتهر بالكتابة عن الآخرين بمدونته (سيرة غيرية) منذ سنوات وما زال في نشاط متواصل، وبدأ مؤخراً المشاركة في القناة الثقافية الجديدة ببرنامج (تلك شهادتي) رأيت له مشاركات منها عن المستشرق محمد أسد، ورئيس كوريا الجنوبية الذي بدأ كنَّاساً في البلد وارتقى حتى وصل إلى أعلى وظيفة في الدولة. وللدكتور عمر فروخ. استمتعت بتتبع مسيرة الدكتور عبدالرحمن الشبيلي في ثمانية عشر عنواناً بدءاً من: الجرأة أولاً، والشبيلي والمكان والأسرة، والدراسة، والإعلام والعمل الأكاديمي، ومجلس الشورى، والمكتبة والقراءة، والتأليف، والرياضة والمشي، والتطوع، والسياحة، والنبل، والوطنية، والوزارة، والإخلاص، وبعد رحيله رحمه الله، الثناء، وعلاقته بزوجته زكية أولاً وأخيراً، والإجماع على محبته. خلال يومين وأنا أتتبع خطوات الشبيلي من خلال نسج جميل وإبداع يمتاز به الراوي، وكأني أقرأ الشبيلي من جديد، وأستعيد ذكريات مرت سواءً في السفر إلى عنيزة مرات ومرافقته مع اللجنة العلمية لمركز حمد الجاسر الثقافي إلى لبنان عام 2009م. والشبيلي في كتابه الذي ودعنا به قبيل رحيله (مشيناها) كتب عن غيره ولم يكتب عن نفسه، ولهذا جاء عمل العساف وكأنه يستنطق الصمت، حرص على أن: «.. يحتوي الكتاب على قدر من المعلومات لم تكن قبل هذا الكتاب معلنة مشتهرة، وفيه جوانب من التحليل غير مسبوقة، إضافة إلى جمع ما تفرق، وإكمال ما لم يتوسع فيه الشبيلي عبر سيرته، بناء على شخصيته التي تهضم الذات كثيراً..». ولا ينسى شكر من ساعده وتعاون معه بدءاً من ابنتي الشبيلي رشا وشادن، وأحفاده وأسباطه وغيرهم.. وأخيراً لم ينس أن يثني على مركز عبدالرحمن السديري الثقافي الذي كرم الشبيلي حياً ميتاً، وخص منهم الدكاترة زياد بن عبدالرحمن السديري وعبدالواحد الحميد ومحمد صوانة. يبدأ الكتاب بعنيزة أولاً وزيارة الرحالة العرب والغربيين ولم يذكر من بينهم (جون فلبي) الذي زار عنيزة عام 1917م مرافقاً للسلطان عبدالعزيز آل سعود وذهب معه إلى بريدة، عاد فلبي برفقة عبدالله الدلموجي إلى عنيزة والبقاء بها لأكثر من 20 يوماً منتظراً عودة ابن سعود من حائل، وعلى ذكر إرسال «.. أحد كبار تجار عنيزة بحمولة ضخمة من الكتب عن طريق البحرين..». ص22. ألا يجدر ذكر اسم هذا التاجر وهو من المشهورين وقتها مقبل العبدالرحمن الذكير والذي يسمى بالبحرين (فخر التجار)، وكما يروي عبدالرحمن البطحي أن وصول هذه الكتب إلى عنيزة – وكان ابن سعود في زيارتها – عرف باختلافهم على قبول الكتب خوفاً من أن يكون فيها شيء يفسد العقيدة، وحسماً للخلاف طلب السلطان عبدالعزيز نقل الكتب إلى الرياض. وقال إنه سمع بافتتاح مكتبة في (منفوحة) بتلك الكتب. تطرق الكتاب إلى بره بوالديه بل بجميع أفراد الأسرة الكبيرة، وعلاقته بأحفاده التي تحولت إلى وشائج لا يشبهها شيء، وما يرويه لهم ورسائله لهم، وحتى تغزله وممازحته لزوجته زكية، وكأنه يمنح للأحفاد درساً في التعامل الزوجي..». وعن بدايته مع الكتابة الصحفية ذكر أنه كتب في جريدة (أخبار الظهران) عام 1376هـ 1956م مستبشراً بعودة أخبار الظهران للصدور بعد توقف. ولكن أول مقال نشر للشبيلي فهو في جريدة (اليمامة) العدد 246 بتاريخ 10/5/1380هـ 30/10/1960م مطالباً بتسوير مقابر عنيزة وصيانتها وعدم الوطء عليها. ولا ينسى حرصه الشديد على معادلة الشهادات الخارجية عندما انتقل عمله من وزارة الإعلام إلى وزارة التعليم العالي. وقال نقلاً عن سلطان البازعي: الشهادات المزورة « تشبه الأوبئة التي يجب أن تكافح». ص132. ولكون الشبيلي متمرساً في الإعلام ممارساً، ودارساً، وإدارياً، ومدرساً، ومؤرخاً، ومنظماً، وناقداً، فقد تساءل كثيرون عن سبب انتقاله عنها، فقال الملك فهد (رحمه الله): «إذا كنا خسرنا الشبيلي في الإعلام فلا بد أن نكسبه في موقع آخر». ص140. لمن لا يعرف الشبيلي عن قرب فنجد العساف يقربه له بصفاته ومنها: أدبه الجم الذي يدفعه إلى تجنب الجدل والسجال مع الحرص على ألا يحرج مشاعر الآخرين، ولو تلميحاً. وعن عمله الإعلامي الرسمي الذي أوجد لديه الحس الرقابي، بحيث أصبح التحفظ سمة في أعماله المكتوبة، إضافة لأمور كثيرة ذكر منها: رصانة الأسلوب وأناقة العبارة، واستخدام ضمير الغائب بدلاً من ضمير المتكلم (أنا) عندما يتعلق الأمر به شخصياً. ولهذا قال الدكتور أحمد الضبيب مدير جامعة الملك سعود: أن غياب الشبيلي عن المشهد الثقافي يمثل خسارة فادحة لحقل الإعلام والثقافة... فقد جمع بين الناحيتين العلمية (الأكاديمية) والاحترافية (المهنية). ويقول الدكتور عبدالرحمن الجعفري عن الشبيلي مؤلفاً ومتحدثاً بأنه يتأنى ويتأنق في الكلام والكتابة. وعندما تحدث عن سيرته قال: « تجاوز عن كثير من الأشياء التي قد تؤذي غيره، فلم يذكرها في سيرته». ويؤيد الدكتور إبراهيم التركي ذلك بقوله: «.. لم يكشف في سيرته كل ما فيها، وقد رفض قصة خروجه من وزارة الإعلام، ولم يكتبها إلا مختصرة جداً في سيرته (مشيناها) «. ص219. وقال الدكتور عبدالعزيز بن سلمه عنه: «.. دبلوماسي يعشق المعرفة.. أقول ذلك كله رغم أن الرجل كان مشروعاً دبلوماسياً بارزاً رفيع المستوى، لو قدر له أن يقبل ما عُرض عليه في فترات مضت. وقال المهندس ثامر الزير أنه يهضم نفسه أمام الآخرين كثيراً.. ويسطر حروفه بتواضع حتى إخفاء ضمير المتحدث. ومن تواضعه قال محمد السليمان الشبيلي أنه لا يباهي بما أنجزه أبداً. وعندما اقترح الملحق الثقافي السعودي بالقاهرة على هامش معرض الكتاب الدولي عام 2019م تكريمه اقترح استبدال الحديث عنه بإلقائه محاضرة عن الشيخ حافظ وهبة – أحد مستشاري الملك عبدالعزيز - . لا ننسى اهتمامه بالأعمال التطوعية والخدمة الاجتماعية بدءاً بأسرته، وبعضوية مركز عبدالرحمن السديري الثقافي، ومركز حمد الجاسر الثقافي، وعمله في مجلس إدارة صحيفتي الجزيرة والشرق الأوسط. والكل يعرف مدى تواضعه ورفض جميع محاولات تكريمه، ويشهد بذلك من يعرفه، فالدكتور عبدالواحد الحميد يقول عن هذا: « أنه يرفض التكريم بل ويرشح أشخاصاً آخرين للتكريم بدلاً منه..». «.. وحتى الجوائز التي نالها تبرع بمبالغها لأعمال خيرية دون أن يعلم أحد عن أكثرها لحرصه على كتمانها رجاء أن يتقبلها الله منه». ص256. وفي (الشبيلي راحلاً) توضيح لأسباب وفاته رحمه الله وسقوط قاعدة الشرفة وسقوطه منها بسبب فقده لتوازنه مما عرضه لضربة في الوجه والرأس. نقل للمستشفى بباريس ثم بالإخلاء الطبي للرياض، وفي مساء الثلاثاء 27/11/1440هـ الموافق 30/7/2019م نعاه الناعي. اختتم الكتاب بعلاقته الفريدة بزوجته زكية العبدالله أبا الخيل والتي لحقت به بعد عامين رحمهما الله. ويختتم العساف كتابه بذكر ما تركه الشبيلي من أثر طيب.. «.. فهو الذي دفع بأناس كثر إلى منصة التكريم والإبراز والتوقير، فكان الجزاء له من جنس العمل، إذ اجتمعت كلمة الناس على تكريمه وتوقيره حياً وميتاً، بل ورأى جمهرة من البصراء أن الرجل الذي نأى عن التصدر، وقدم غيره على نفسه، أحق بأن تفرد عنه الصفحات. وتزهو به المنصات، وقد كان ما كان في محياه وبعد مماته رحمه الله». ص348. وقال: «.. إن فضائل الدكتور الشبيلي قد فاضت واستفاضت وعمت حتى غطت ببهائها النظر، وعطرها الزكي، وحضورها الألق، على أي شيء من لوازم الانتماء البشري، وقد خلق الله الإنسان وهو به أعلم، وإن ربنا لغفور رحيم». ص149. وختاماً لم أذكر أو أشير إلى كثير مما عمله أو ألفه أو أشرف عليه أو قدم له من أعمال آخرين استحق عليه شهادات قالت بعض ما يستحق وأجمعت على محبته ونقائه وصدقه ووفائه، وكل الصفات الحميدة، فرحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.