معايير السؤال عن الخاطب.

واحدة من المفاهيم التي أوقعت الناس في مآسٍ لا حصر لها مسألة السؤال عن الخاطب، وتأتي هذه العادة كملمح من ملامح ثقافة الفصل بين الجنسين الممتدة لعقود، وحتى لو كان الزوجان قد اختارا بعضهما بأي شكل من الأشكال المعاصرة، فإن هذه العادة ستكون موجودة في مسألة السؤال عن الخاطب، أو المخطوبة، بنفس الطريقة. وهنا سنرى كيف أن هذه العادة من أسوأ العادات المجتمعية التي لا تزال تمارس كمعيار من معايير بناء الأسرة وتقرير مصيرها. حين يتم السؤال عن الخاطب، فسوف تقفز مجموعة من المعايير المجتمعية التي يضعها أي مجتمع بناء على محدداته الثقافية الدارجة، والسائدة في مرحلة زمنية ما، وخلال رحلة التطور الثقافي لأي مجتمع يحصل أن تتبدلّ وتتغير هذه المعايير، أو تتطور، أو تتراجع، كل ذلك بحسب تضاريس التراكم الثقافي لأي مجتمع. ثم يحصل أن تتم تزكية (فلان) الذي يتم السؤال عنه، بناءً على مداومته على أداء الصلوات في المسجد مثلاً، أو بناء على هدوئه العام في الحي، أو لمعايير أخرى قد تتعلق بمعرفته كيفية صب القهوة في الفنجان، وبالتالي إجادته لتلك المعايير المجتمعية بنجاح. وقد يحصل العكس، بحيث لا يحظى بالثقة المكتسبة من خلال السلوك العام أمام الناس، وبالتالي لن يحصل على التزكية المطلوبة لإتمام الزواج. وفي الحالتين معاً، في حالة الحصول على الشهادة العامة في المعايير المجتمعية، وكذلك في حالة عدم الحصول على تلك الشهادة.. في كلا الحالتين، فإن هذه الطريقة ليست بالطريقة الكافية، ولا الصحيحة، لتقرير مصير اثنين عاقلين بالغين. فمن قال إن تلك المعايير المجتمعية كافية للحصول على زوج صالح محب، أو أب صالح للأبوة؟ ومن قال إن الشاب الذي لا يحظى بتلك الشهادة في معايير المجتمع أنه لن يكون صالحاً سواءً للزواج أو الأبوة؟ من الممكن جداً أن شخصاً ما، يكون محبوباً من المجتمع والناس والمحيطين به، لكنه لا يكون بالضرورة إنساناً صالحاً لمفهوم الأسرة، ورأينا الكثير من الأمثلة على ذلك. أيضاً من الممكن جداً أن شخصاً ما، لا يكون محبوباً أو مقبولاً بما يكفي من المجتمع والناس المحيطين به، لكنه يكون في غاية اللطف والمحبة والرقيّ والرقة مع زوجته وأطفاله، وأكثر نجاحاً في صلاحيته لتكوين أسرة، وقد رأيناً أمثلة أخرى أيضاً على ذلك. المعايير المجتمعية تتجاوز أهم معيار في اختيار إنسانين لبعضهما، وهو معيار القبول والمحبة والرضا والانشراح الذي يأتي بين اثنين بلا أي تفسيرات أو حسابات أو معايير إضافية مرهقة. المحبة التي تنبت فجأة كزهرة من بين صخرتين، والتي تضيء فجأة كلحظة شروق الشمس، والانجذاب الذي لا تفسير له، ولا عقل له، والقلبان اللذان اختارا بعضهما، والبيت الصغير الذي سيضم جسدين بداخله، ثم تتكاثر الأجساد بعد ذلك، كل ذلك لا علاقة له من قريب أو بعيد بما يقرره الناس فيما بينهم من معايير الرجل المناسب أو الفتاة المناسبة، فإن كل تلك المعايير (فعلياً) لا تفيد أو تؤثر مثقال ذرة في قرار قلبين، كل منهما وجد في الآخر صورة عنه. لكني سأكون أكثر واقعية لأقول: إن الطريقتين معاً، طريقة زواج (البطيخة) كما تسمى، وتعني الاختيار العشوائي بين اثنين وفق معايير القرابة أو معايير مجتمعية أخرى، أو الطريقة الأخرى، وهي طريقة الاختيار المباشر والحر بين اثنين معنيين بهذا الزواج، فإن كلا الطريقتين غير آمنتين من المآسي، والمصير المؤسف، ولكن تبقى طريقة الاختيار المباشر أفضل بدرجة؛ وذلك لأن الولد أو البنت إذا تزوجا بهذه الطريقة التي يكون الواحد بها حراً في اختياره، ثم يحصل أن ينهار ويفشل الزواج، فسيقول كل منهما: (أنا تزوجت، ثم اخترت الانفصال). أما إذا تزوجا بالطريقة العشوائية، فسيقول كل منهما: زوجني أهلي، وهذا اختيارهم لي. ثم يبقى يحمل نُدبة في قلبه تجاه أهله وتجاه الحياة. أخيراً.. فإن الحل العملي والناجح، والذي سيتناسب أيضاً مع منظومة العادات والثقافة في مجتمعنا، ويصلح لشرائح اجتماعية عديدة، فيكون من خلال إطالة وقت الخطبة بما يكفي ليتعرف كل من الخاطب والمخطوبة على بعضهما من خلال التواصل المتاح والمباح بينهما كقلبين مقبلين على الحياة، وبإشراف الأهل إذا كان الموضوع مسبباً للتوتر، وهكذا يتعرفان على بعضهما، فيقررا مبكراً إن كانا يصلحان لبعضهما أم يفترقان قبل أن يتعرض كل منهما للألم.