في مسرحية « ضوء » ..

مجهولان يبحثان عن الذات عبر الضوء.

شهد مهرجان الرياض للمسرح في دورته الأولى في اليوم الرابع 17/12/2023 عرض مسرحية “ضوء” من تأليف فهد بن ردة الحارثي، وإخراج أحمد الأحمري، بمشاركة فرقة الطائف ضمن مسرحيات الفرق المتأهلة في مسابقة المهرجان، والقادمة من ثمان مدن. وتدور فكرة المسرحية حول شخصين مجهولين (س / ص) يخرجان بحثاً عن الذات ومكان يشع بالضوء ليشاهدا ما بداخلهما. ليصل أحدهما قبل الآخر إلى ذلك المكان خلال رحلة بحثه عن ذاته ولكنه يفقد مصادر بحثه، في حين يصل الشخص الآخر فيما بعد ممتلئاً بمصادر الإضاءة، ليشعل في الشخص الأول حالة من مواصلة البحث. وتتواصل أحداث المسرحية بانطلاق الشخصين للبحث عن مصادر للضوء إلا أن تلك المصادر تبدأ في الانكماش وتقل تدريجياً في حالة الحكي دون عمل أو حركة ليقررا العودة لحالة السكون في انتظار من يشعل لديهما حالة البحث من جديد! الكاتب الأستاذ فهد ردة الحارثي كاتب ومخرج مسرحي من رواد المسرح بدأ اهتمامه بالمسرح من باب النقد المسرحي في الصحافة والإشراف على أول صفحة عن المسرح السعودي في جريدة البلاد، وصدرت أعماله المسرحية الكاملة عن نادي الطائف الأدبي عام 2021. وفي لقاء لليمامة مع مؤلف المسرحية الأستاذ فهد رده الحارثي وسؤاله عن العمل وتفاصيل شغفه بالمسرح الذي تجاوز ثلاثة عقود قال: منذ أول عمل لي “يارايح الوادي” تحولت للمسرح بالكلية، تركت الصحفي والقاص والشاعر ووظفتهم لخدمة المسرحي الذي كان في حاجة ماسه منذ ذلك الوقت، المسرح عالم من التكوينات المختلفة الجاذبة الطاردة، المكونة والمتكونة، يعيش بين حلم وحقيقة، بين رغبة ولذة وتذوق للمسرح دوما طعم وذوق ورائحة. وجوابا على ما الجديد في مسرحية “ضوء” عن أعمالك السابقة؟ وما دور الإخراج والممثلين برأيك؟ قال الأستاذ فهد: لا جديد خارج سياق ما أكتب، أعمل وفق سياقات نصية، كل سياق له تجربته الخاصة وغالبا ما أستمر في تجربة مشروعي الكتابي المسرحي لعدة نصوص أخرج منها بخلاصة تجربة تقدم خلاصة فنية كتابية منذ مشروع مسرح الحركة وحركة المسرح، وحتى مشروع إيجاد علاقة بين لغة السرد في القصة ولغة الحوار في المسرح، ووصولا لمسرح اليوميات وتجرية ذهنية وشاعرية النص. ولا شك أن للمخرج دورا كبيرا في تجربتي، والكل قدم لي باقات تحايا مهمة لكن تجربتي الأهم كانت ولازالت مع أحمد الأحمري كمبدع متجدد وافر العطاء والرؤية، وسامي الزهراني كتجارب ممتعة لها خصوصية فكرنا. وجوابا على سؤال عن شخصيتي المسرحية ضوء س وعتمة ص، ونشر الغسيل بينهما والأكاذيب قال: بينهما ظل رقيق يحاول نشر الصدق وكشف أكاذيب الليل والنهار وبقاء مساحات للبحث وسط أكوام المتناقضات ليل ونهار، نوم وصحو، كذب وحقيقة، سرعة وبطء، وأحاديث مختلفة تحاول أن تصل لمحاورة وحوار المتلقي. وختمت بسؤال عن المسرح اليوم، وكيف يراه؟ فقال: المسرح في بلدي قدم فيما مضى الكثير وها هو الآن يقدم الأكثر وفي ظل رؤية شاملة لكل جوانب الحياة ومنها المسرح سنرى الأجمل والأروع. انتهى الحوار وقد اثارت المسرحية عددا من القراءات النقدية التي قدمها د. حسن يوسفي، وكان رأيه وصف الكتابة المسرحية بأنها كتابة مكثفة، وأن المؤلف اختار شخصيتين لا أسماء لهما، ولا هوية ولا ملامح، ويمكن أن نستشف هويتهما من خلال ما يبوحان به، ويحكيان عن حياتهما بشكل مكثف؛ ونحن أمام مسرح مواقف وليس مسرح أحداث فلا شيء يقع. وأننا أمام نص يتمثل البنية الدرامية التي نجدها في نصوص اللا معقول وهي الدائرة المفرغة نبدأ من حيث ننتهي، والضوء يتخذ درجات وربما ينتصر الكاتب لهذا الضوء البسيط بداخلنا. الناقد د. فهد اليحيا قال: من جانب نفسي يتحدث يونج عن وجود الشخص وظله، يهرب من ظله ولكنه يصل إلى التفرد والفردانية ويحقق ذاته ويتخلص من أوهامه عندما يتحد مع هذا الظل ولا يخاف منه، وهذا ما حدث عندما التحمت الشخصيتان في نهاية المسرحية. أ.عزيز الخيون أثنى على الحضور الضخم للقراءة النقدية، وشكر الحاضرين مؤكدا أهمية وجودهم لإنتاج حالة مسرحية تليق بنا جميعا. وقال: تجربة الليلة اتخذت مسارا مختلفا كما قدم لهذا د. حسن يوسفي، لسنا في أبراج منعزلة عن العالم، فالمسرح فن لا وطن له، المسرح فن منطقته العالم، نحن كأمة لنا الشرف أن نساهم في هذا العالم من خلال تجلياتنا الفكرية وتجربتنا الخاصة. النص يرتقي منعرجا آخرا في اللغة، والفكرة، وفي التمثيل الحركي. هناك ثلاثة نصوص؛ نص الأستاذ فهد، ونص الأحمري، ونص التمثيل، ثلاثة نصوص تتحرك مع بعضها البعض لإنتاج حالة مسرحية تميزت اليوم. وتوالت التعليقات والقراءات بمشاركة الحضور من المسرحيين. بعد انتهاء القراءة بدأت المسرحية التونسية “مايراوش” وهي مسرحية عن مجموعة من العميان يفقدون قائدهم وتتوالى الأحداث والبحث عن كيف يهتدون دون قائد. المسرحية مأخوذة عن مسرحية “العميان” للكاتب البلجيكي موريس ماترلينك. وكان مهرجان الرياض للمسرح يوم السبت، قد عرض مسرحية (بحر) من اعداد وإخراج سلطان النوه، وسينوغرافيا فيصل العبيد ضمن مسرحيات الفرق المتأهلة في مسابقة المهرجان، والقادمة من ثماني مدن. وتدور فكرة المسرحية المستوحاة عن نص (النهام بحر) للكاتب المسرحي الراحل عبدالرحمن المريخي؛ حيث تنشأ علاقة حب وود ما بين (النهام بحر) و(نورة) بنت النوخذة (صقر)؛ لتبرز ملامح الطبقية واختلافاتها ومشاهد ما بين الرفض تارةً والقبول تارة أخرى، ترافقها استغلالية (النهام بحر) لغرض استمرارية عمل النوخذة والبحارة. ويتواصل سيناريو المسرحية بعد اكتشاف (بحر)، في مراحل متقدمة، كمية الخداع والاستغلال الذي تعرَّض له، خاصة بعد حصوله على (نورة) والزواج منها وعلاقتهما المتوترة بعد الزواج المختلفة تماماً عن السابق، مما أفقده أقوى ما يملكه (صوته) كنهام و(إحساسه) كشاعر. كما استضاف مهرجان الرياض بعد عرض المسرحية الناقد المسرحي الدكتور يوسف البحري؛ للتعليق في قراءة نقدية على مسرحية (بحر) حيث أكد أن قراءته للمسرحية تناولها من الزاوية الدراماتورجية المتعلقة بالصراع الدرامي والمسرح الموسيقي. وأشار إلى أن المسرحية تعود إلى فترة اقتصاد اللؤلؤ؛ وهي الفترة التي لم تعرف التقسيم الزمني اليومي إلى حصة عمل ثم وقت للراحة على النمط الحديث؛ حيث كان العمل والترفيه شيئاً واحداً مندمجين دون حدود بينهما، مشيراً إلى أن فن (النهمة) نموذج لذلك، فهو موجود أثناء العمل في سفينة صيد اللؤلؤ؛ حيث يصاحب غناء النهام وشعره عمل البحارة أثناء رحلة الصيد الطويلة. ولفت البحري إلى أن إحكام التعامل مع العقدة الدرامية عاملٌ حاسمٌ في القدرة على بناء الأحداث ضمن التحولات التي تسمح بتطوير أحداث المسرحية من داخلها؛ حيث تم استعمال 12 عقدة درامية تشير إلى معلومات وأحداث دفعت بالحدث الدرامي قُدماً داخل البيئة الدرامية، وجعلت الصراع ينمو ليكون أكثر تعقيداً وثراءً لضمان التشويق. ويستضيف المهرجان؛ الذي يستمر حتى 24 ديسمبر الجاري، في مركز المؤتمرات بجامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن بمدينة الرياض؛ دولة تونس كضيف شرف هذا العام، لتنشر معها عبق الثقافة التونسية العربية وفنّها المسرحي الإبداعي الأصيل.