القبول بلا قبول.

ليس من العدل أن يختزل مستقبل الطالب الجامعي في ضغطة زر، ولا أن تدار أحلامه الأكاديمية من خلف شاشة لا ترى مشاكله، ولا تسمع صوته، ولا تضع في الحسبان ظروفه أو واقعه الاجتماعي والجغرافي. لقد أصبح الاعتماد على التقنية في كل كبيرة وصغيرة من شؤون التعليم سبباً مباشراً في كثير من الأزمات، حتى صارت الأخطاء الإلكترونية تهدد مستقبل آلاف الطلبة وتربك قراراتهم. ولا نبالغ إذا قلنا إن الحال ينطبق عليه ما جاء في قوله تعالى: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا”. فكما أن للخمر والميسر بعض المنافع لكنها لا تبرر الإبقاء عليهما، فإن التقنية، رغم ما تقدمه من تسهيلات، قد تتحول إلى عبء حين تستخدم بطريقة تؤدي إلى ضرر أكبر من نفعها. منصة القبول الموحد التي أُنشئت لتيسير إجراءات التسجيل في الجامعات، صارت مصدراً للقلق عند كثير من الطلبة وأولياء الأمور. فقد تم قبول بعض الطلاب في جامعات تبعد أكثر من ألف كيلومتر عن مدنهم، دون أن يترك لهم خيار أقرب، وتم إلغاء قبولات نهائية بعد تأكيدها، مما ترك أصحابها في حيرة من أمرهم، كما رفضت طلبات عدد من الطلاب بسبب ما قيل إنه طي قيد سابق، رغم أنهم لم يسبق لهم أن التحقوا بأي جامعة من قبل. هذه الأخطاء ليست مجرد خلل تقني عابر، بل نتيجة لطريقة عمل المنصة نفسها، حيث أصبحت هي المتحكمة الوحيدة في القبول، وأُقصي دور الجامعات التي كانت في السابق تدرس الطلبات حسب ظروفها وبرامجها ومقاعدها. وهو ما كان يمنح الطلاب فرصة للتواصل المباشر، وتقديم اعتراضاتهم، وإعادة النظر في أوضاعهم. التقنية وسيلة مساعدة، لا بديل عن الإنسان، ولا ينبغي أن تعطى صلاحية التحكم الكامل في مستقبل الطلبة. ما نراه اليوم هو نموذج صارخ على ما يحدث حين تدار الأمور بالآت دون تدخل بشري مدرك لخصوصية الحالات. فالرجوع إلى النظام السابق، حيث كانت كل جامعة تدير قبولها بنفسها، هو الأفضل والأقرب إلى العدالة والواقعية. ويمكن استخدام التقنية حينها كوسيلة إرشاد وتوجيه فقط، لا كأداة إلزام وتحكم. ليس من الخطأ أن نعيد النظر في تجربة لم تؤت ثمارها، بل الخطأ هو الإصرار عليها رغم وضوح آثارها السلبية. ومن الواجب أن نُنصف أبناءنا الطلاب ونهيئ لهم بيئة قبول عادلة، مرنة، إنسانية، تراعي ظروفهم، وتضع مصلحتهم في المقام الأول.