
شجرة الأثل ليست مجرد نبات صحراوي بل كائن أصيل له جذور ممتدة في أعماق التاريخ والبيئة يكفي ذكر اسمها لتُستحضر في الذهن صورة من السكون والنقاء وثبات الأرض في وجه التغيّر تنمو الأثل في بيئات قاسية شديدة الحرارة وشحيحة المطر ومع ذلك تحافظ على خضرتها تقاوم الجفاف وتثبت أمام الرياح تتميز بأوراقها الدقيقة ولونها الرمادي المائل للخضرة وأغصانها الرفيعة التي تتمايل مع النسمات ما يمنحها طابعًا بصريًا فريدًا في مدينة الجبيل وتحديدًا في أحيائها القديمة ظلّت الأثل جزءًا من المشهد الطبيعي بل من ملامح المكان ذاته قد تمر بجانبها دون أن تلاحظها لكنها حاضرة بهدوء شاهدة على زمنٍ كانت فيه العلاقة بين الإنسان والطبيعة أكثر عمقًا وبساطة وما يميز هذه الشجرة إلى جانب جمالها هو عمرها الطويل إذ يمكن أن تعيش لمئات السنين، ومن بين أثل الجبيل توجد شجرة يُقدّر عمرها بأكثر من ٢٥٠ عامًا ما يجعلها سجلًا طبيعيًا حيًا لذاكرة المكان وواحدة من أقدم المعالم الحية في المنطقة ولم تقتصر قيمتها على الجانب الجمالي أو البيئي بل كانت عملية أيضًا فقد استخدمها البحّارة قديمًا كعلامات استدلال ترشد السفن إلى اليابسة خاصة على السواحل القريبة فكانت أشبه بمنارات طبيعية الأثل في الجبيل تمثل تراثًا طبيعيًا حيًا لا يُحفظ في المتاحف ولا يُعلّق على الجدران بل يعيش في أطراف المزارع بجوار البيوت القديمة وفي ذاكرة أهل المدينة وقد ارتبطت هذه الشجرة ارتباطًا وثيقًا بأبناء قبيلة السهول الذين سكنوا حولها واتخذوها موردًا طبيعيًا أساسيًا في حياتهم اليومية استخدموها حطبًا للبقاء، وخشبًا للبناء وساترًا من الرياح وبفضل هذه العلاقة العميقة والمستمرّة أصبحت تعرف في الذاكرة الشعبية باسم (أثلة السهول) في دلالة على التلاحم بين الإنسان والأرض، والانتماء للمكان اليوم لم تعد الأثل حاضرة كما كانت لكنها لا تزال تحمل رسائل من الماضي والحفاظ عليها لا يعني فقط صون شجرة، بل احترام هوية واستمرار لذاكرة بيئية وثقافية مشتركة تشهد على صمود الإنسان والنبات في وجه تحوّلات الزمن