المعلم والمعلمة في عامهم الأول ..

صناعة وطن لا اختبار تجربة .

مع بداية كل عام دراسي تعود بي الذاكرة إلى تلك اللحظة التي وقفتُ فيها لأول مرة أمام سبورة بيضاء ووجوه تترقب. كنتُ حينها شابًا متحمسًا أحمل من الطموح ما يكفي لسنوات، ومن الأسئلة ما يكفي لارتباك البدايات. ظننت أنني مستعد، فإذا بالواقع مختلف عن كل ما توقّعت. لا أحد يُخبرك أن البداية ليست اختبار كفاءة، وإنما اختبار صبر وتحمّل. لا أحد يُعلّمك أن المهم ليس أن تعرف كل شيء، بل أن تصمد حين لا تعرف، وأن تتعلم بهدوء دون أن تُرهق نفسك بالتوقعات العالية. اليوم وبعد سنوات من الميدان، أقولها لكل معلم ومعلمة يدخلان فصلهما الأول: لستما وحدكما، فكل معلم مرّ بهذا الطريق. الارتباك في الأسابيع الأولى لا يعني أنك ضعيف، بل يعني أنك بدأت تُدرك عمق الرسالة التي تحملها. المشكلة ليست في المعلم الجديد، وإنما في طريقة استقبالنا له. فحين يُكلَّف منذ يومه الأول بنصابٍ مكتمل، دون مصاحبة حقيقية، ودون مساحة للتعلّم التدريجي، فإننا نخسر فرصة ثمينة لصقل مهارة نادرة، ونطفئ حماسًا قد يصعب إشعاله من جديد.ما يحتاجه المعلم في عامه الأول ليس مزيدًا من التوجيهات، وإنما رفيقًا في الميدان، يسمعه، يشاركه، ويطمئنه أن التدرج جزء من النضج، وأن التعثر ليس إخفاقًا، بل خطوة نحو الثبات. ولعل من أهم ما يجب أن تُراعيه المنظومة التربوية حاليًا: • توفير مرشد تربوي داخل المدرسة، لا يُقيّم بل يُصغي، يرافق المعلم الشاب لا يراقبه. • تخفيف النصاب في الفصل الدراسي الأول، بما يُتيح التفرغ للفهم، والتفاعل، وبناء العلاقة مع الطلاب. • عقد مجتمعات تعلّم صغيرة داخل المدرسة، تتيح تبادل التجارب، وتبني الثقة الجماعية. • إنشاء بيئة تقدر التعبير عن التحديات كعلامة على النمو. • تكامل بين الإدارة والمشرف والزملاء في احتضان البدايات. أيها المعلم الطموح، أيتها المعلمة المبدعة.. أنتم لا تُختبرون في كفاءتكم، بل تُصاغون كأعمدة لهذا الوطن.. *معلم وباحث دكتوراه