عبدالله العوهلي..

رائد صناعة النشر في العاصمة.

عرفت الأستاذ عبدالله بن ناصر بن حمود العوهلي في بداياتي مع الكتابة عام 1419هـ 2000م، كنت قبلها أزور مكتبته (دار العلوم) بين وقت وآخر، وبعد معرفتي بالدكتور إبراهيم التركي مدير التحرير الثقافي بجريدة الجزيرة، وجدته في المكتبة فعرفني بصاحبها الذي أخذني لمكتبه في الدور الأول من مباني الشركة العقارية الأولى بشارع الستين، فوجدت شريكه أبا خالد محمد القاضي بالمكتب، فعرفته وتكررت زياراتي للأستاذ عبدالله الذي أنست به وآنس بي، فأجد عنده أحياناً الدكتور عبدالله العثيمين أو التركي، وغيرهم. وبعد صلاة المغرب أنصرف، ولفت نظري اسم (فارس عبدالله فلبي) متخصص بالزراعة، مكتوب على الباب المقابل لمكتب دار العلوم. فوجئت بقفل المكتبة، وكتب على بابها أن القفل مؤقت للجرد، فطال القفل، فذهبت إلى المكتب وسألت أبا راكان عن السبب فذكر لي جزءاً من الحقيقة واستوضحت من غيره، فعرفت أن الثقة بالمسؤول عن البيع، وهو من أخوتنا العرب، والذي أمضى سنوات طويلة وتوثقت العلاقة به، وبعد ثلاث أو أربع سنوات جرى الجرد ومعرفة الداخل والمنصرف ففوجئوا بالخسارة الفادحة أو ضياع الملايين بدون ما يثبت ذلك، وكان من أسباب الثقة المطلقة حرص مسؤول البيع على قفل المكتبة مع الأذان والتواجد بالمسجد قبل غيره مما جعلهم يطمئنون إليه، فما كان من أبي راكان إلا السماح للمتهم بالسفر. أنقطع عن الناس أبو راكان وقفل المكتبة والمكتب وفقدنا ابتسامته وطلاقة وجهه وترحيبه، واعتكف بمنزله، وطلبت من صديقه الدكتور التركي زيارته ولكنه اعتذر بسبب مرضه وعدم رغبته، وبعد سنوات علمت بوفاته رحمه الله. كتب عنه الشيخ محمد الناصر العبودي بـ(معجم أسر عنيزة) ط1، ج11، معرفاً به ضمن أسرة العوهلي قائلاً:” ولد الأستاذ عبدالله الناصر العوهلي في مدينة عنيزة عام 1358هـ الموافق 1940م، وقد أنهي تعليمه الابتدائي والمتوسط والثانوي في مدينة عنيزة. وبعد ذلك وفي عام 1960م تم ابتعاثه لدراسة الطب في إيطاليا، وقد التحق بجامعة بيروجيا لمدة سنة، ومن ثم انتقل لجامعة بولونيا الشهيرة في الطب، وقد أنهى السنوات الست الأولى من دراسة الطب، وقبل تخرجه بعدة أشهر اضطر للعودة للوطن في عام 1966م لبعض الظروف الخاصة التي تطلبت وجوده في الرياض، التحق بمعهد الإدارة العامة وعمل هناك لعدة سنوات (...) وفي عام 1391هـ 1971م قاده نهمه وحبه للكتب والأدب واستشعاره للمسؤولية إلى الاستقالة من المعهد وتأسيس دار العلوم للطباعة والنشر والتوزيع، وفي عام 1400هـ 1980م انتقل مقر الدار إلى مجمع الشركة العقارية.. وقد افتتح ذلك المقر علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر بحضور الوزراء الدكاترة: محمد عبده يماني، وغازي القصيبي، وعبدالعزيز خوجة، وعدد كبير من أصحاب المعالي والسعادة وأساتذة الجامعات والأدباء... زادت إصدارات دار العلوم عن 500 كتاب ونالت عديداً من الجوائز والدروع التكريمية... اختير الأستاذ عبدالله العوهلي من قبل وزارة الثقافة والإعلام كأحد رواد النشر في المملكة، وقامت بتكريمه في عام 2011م، كما اختيرت دار العلوم من ضمن الدور الخمس الرائدة في المملكة..”. ص380-383. غطت الصحافة المحلية مناسبة افتتاح دار العلوم، إذ كتب عبدالله نور بجريدة المدينة في العدد 4854 في 25/4/1400هـ تحت عنوان: هنيئاً.. أستاذي الجاسر. وفي جريدة الرياض كتب محمد رضا نصرالله في العدد 4391 في 10/1/1400هـ تحت عنوان: الجاسر يقص الشريط، كما كتب عبدالله نور في مجلة اليمامة 27/4/1400هـ 14/3/1980م تحت عنوان: أفضل عقاب للذين يحبون حمد الجاسر، وكتبت خيرية السقاف بجريدة الرياض في 12/5/1999م من الخاطر. وكذا جريدة الجزيرة. وكتبت مجلة اليمامة (الجاسر يقص شريط مكتبة دار العلوم) “ وكما أشار الزميل محمد رضا نصرالله في زاويته (أصوات) منذ أسابيع استطاع الأستاذ عبدالله العوهلي صاحب مكتبة دار العلوم أن يبتدع طريقة جديدة في تكريم علامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر حينما دعا مجموعة من الأدباء إلى حضور افتتاح المكتبة برعاية الشيخ حمد الجاسر حينما كان يلتف حوله الدكتور غازي القصيبي والدكتور محمد عبده يماني والدكتور سليمان السليم والأستاذ فهد الدغيثر.. والدكاترة أحمد الضبيب، منصور الحازمي، محمد الشامخ، عبدالعزيز خوجة، الناقد العراقي يوسف عز الدين، حسن الشماع، ومجموعة أخرى من الأدباء شيوخاً وشباباً. العوهلي يبشر بوجود مجموعة كبيرة من العناوين الجديدة وقريباً سيقدم بعض الهدايا للزوار المداومين على دار العلوم. محمد القاضي شريك العوهلي يبدو في حالة من الارتياح والسعادة بعد فتح الدار وكان يوم الافتتاح وزميله كمن كانا في يوم عرس.. وأخيراً هل نهنئ الصديقين أم نهنئ أنفسنا بطموحهما.. وبروعتهما الوطنية..”. وكتب الدكتور إبراهيم التركي بجريدة الجزيرة في العدد 17613 بتاريخ 5/6/2021م تحت عنوان (ذاكرة دار العلوم) ومنها قوله:” أبو راكان عبدالله بن ناصر العوهلي من مواليد نهاية الثلاثينيات الميلادية لا عن توثيق بل عبر مقارنته بأصدقائه الخُلّص ومنهم أستاذنا الكبير عبدالرحمن البطحي (1357-1427هـ).. غاب عن المشهد بإقفال مكتبته عام 2009م ومكتبه عام 2011م وأصابته وعكة أبعدته عن عشقه المهني وعلائقه الحيوية وبقي حبه للناس ودعاء الناس له... لم يسكن الشوق عن لقائه، ولن يسكت الأمل في الجامعات ودور النشر من أجل الالتفات إلى ما بقي من إصدارات الدار الثرية وما لم ينشر لها، ولعل ابنه المتميز راكان المحاضر في جامعة الملك فهد للبترول ووالدته وأخواته يلتفتون لأرشيفه ويوثقون سيرته ومسيرة دار العلوم من خلاله مؤسساً، ومع شريكه ورفيق دربه الأستاذ محمد السليمان القاضي رحمه الله، وسيظل صدى مجلسه متقداً في ذهن صاحبكم الذي عرفه متأخراً فصار من أقرب أصفيائه. رصيد المرء تعامله لا عمولته”. زودني ابنه راكان بنبذة مختصرة عن دار العلوم للطباعة والنشر والتوزيع، أذكر منها:”.. وقد دأبت منذ تأسيسها عام 1391هـ 1971م على نشر وتوزيع وطباعة الكتب الثقافية والعلمية الهادفة كما أنها لم تأل جهداً في سبيل الارتقاء بالمستوى الفكري للمجتمع السعودي واعتبرت ذلك مهمة وطنية مناطة على عاتقها.. (...) كما أن لدار العلوم جهودها الكبيرة طيلة أكثر من 40 سنة في دعم الكتاب والمؤلف السعودي ونشر وتوزيع عدد كبير من الأعمال الثقافية والعلمية الهامة والتي قام بتأليفها نخبة من المختصين وأساتذة الجامعات، وعملت خلال تلك السنوات على تحري المواضيع ذات الصبغة الفكرية الهادفة.. إذ أصدرت عديداً من المواضيع التي تلامس اهتمام المواطن والمواطنة فمن آفة المخدرات إلى الفحص قبل الزواج ومن الحمل والولادة إلى تربية الطفل ومن الصحة العامة إلى الرياضة. وقامت بإصدار مواضيع أخرى تغذي نهم المثقفين وذوي الاختصاص... ومنذ افتتاحها نالت دار العلوم عديداً من الجوائز ابتداءً من جائزة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية لكتاب اليرموك، والدرع التكريمي من معرض الرياض الدولي للكتاب، كما كرمت من مؤسسة عبدالرحمن السديري، كما قامت وزارة الثقافة والإعلام باختيار دار العلوم كأحد دور النشر الرائدة في المملكة عام 2011م”. وفي الختام أذكر أنه قال لي عند انتقال المكتبة للمقر الجديد عام 1980م أنه عرض فكرة تقديم مجموعة من الكتب لمكتبة جامعة الملك سعود هدية منه فطلب منه عميد المكتبات بالجامعة عرضها على الرقابة بوزارة الإعلام وأخذ فسح بها وإلا لن يقبلها.. فيقول رحمه الله اكتفيت من الغنيمة بالإياب. انتقل إلى رحمة الله عصر يوم السبت 3 شوال 1442هـ الموافق 15 مايو 2021م بالرياض.