
تسعى المؤسسات الإعلامية والثقافية جاهدةً للاحتفاء هذه الأيام بثمانينية الكاتب القدير والأديب الرفيع والإعلامي المتميز الأستاذ محمد سلماوي. إن بلوغ الثمانين ليست مجرد مناسبة للاحتفال، بل هو فرصة للتأمل في مسيرة حافلة بالعطاء والإبداع، حيث يظل إلهام سلماوي متجددًا، ويعكس التأثير العميق الذي يتركه في عالم الأدب والفكر والثقافة عامةً. لقد تابعتُ العديد من الاحتفاليات، بدأت بمؤسسة الأهرام، ثم تلتها احتفالية وزارة الثقافة، وتوالت بعدها الاحتفالات في أماكن ومراكز ثقافية أخرى في مصر. توقفتُ مليًا أمام هذا الاحتفاء بالقيمة الأدبية النادرة، والقامة الفكرية البارزة، والهامة الإعلامية المميزة دائمًا في كل المجالات التي تولاها منذ شبابه وحتى ثمانيناته الأولى. لكن ما استوقفني حقًا هو السؤال عن سر، أو ربما أسرار، إبداع هذه الشخصية الفذة والرائعة، العابرة لكل الأزمنة والأماكن والأزمات والفرص بكل إباء وشمم وعزة وكرامة، دون حتى هنات قد تُحسب له لا عليه. تساءلتُ مليًا: ما السر وراء هذا الإبداع المتنامي بوتيرة واثقة منذ الصغر حتى يومنا هذا، وربما يستمر لسنوات عديدة أخرى من المجد الإبداعي والثراء التأثيري؟ إلى أن استمعتُ واستمتعتُ بكلمته السردية المميزة، وهي حديثه الواعي مع النفس الأبية عشية احتفال وزارة الثقافة، تلك النفس الراضية بصفاء ذهن، والتي تتلقفها الأرواح وثابة بكل شفافية وحميمية، بكل تسامح مع مستويات أعلى من الإبداع. وكررتُ السؤال مرة أخرى: ما سر هذا الإبداع المتميز؟ هل هو الأصل الطيب الممتد إلى جزيرة العرب، أم التنشئة الراقية في أحضان مصر وريفها الزاهي، أم التعليم المتميز في أرقى المدارس والجامعات، أم ملازمة ومحاورة قمم الثقافة العربية مثل نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ورشاد رشدي وغيرهم؟ أم المناصب القيادية في الثقافة والأدب والفكر والإعلام التي تبوأها وبرز في كل منها إلى أعلى المراتب؟ أم كل ما تقدم مجتمعًا يترك بصمة «سلماوية» الأثر والتأثير في كل مكان تولى فيه زمام القيادة بحنكة إدارية وحكمة قيادية لا ينكرها أحد؟ في رأيي المتواضع، قد يكمن سر إبداع سلماوي، رغم كل ما تقدم، في خاصية أو صفة تميزه عن غيره من أنداده، وهي الترفع والرقي والسمو عن النواقص والنواقض. أو ربما هي منهجيته في الترفع دائمًا عن التفاصيل دون تعالٍ، برحابة عقل وسعة قلب وطيب وجدان، يتسع ويركز على الكليات دون الجزئيات أو الأساسيات دون الأمور الفرعية. ومن هذا المنطلق، يرتفع بفكره وعقله ونظرته إلى أسمى القيم الحميدة وأرفع المبادئ الأساسية، دون أن تنال منه التفاصيل أو الصغائر أو بالطبع فسافس الأمور. ولعله بهذا كله وربما بغيره لم ولن يسقط أبدًا في ثنائية قطبية بغيضة متطرفة بين الخير والشر، أو الحق والباطل، أو الأصالة والتجديد، أو الملكية والجمهورية، أو الاستقرار والتمرد، أو حتى الحركة والسكون، في كل ما قد يتصدى له سواء في الماضي، أو يتصدى له في الحاضر، وسيتصدى له في المستقبل. أطال الله في عمر الأستاذ محمد سلماوي ومده بالصحة والعافية، فهو مثال حي للإبداع الدائم الذي لا يعرف حدودًا للثقافة أو سقفًا للإبداع. إن بصيرته النافذة استراتيجيًا وأخلاقه النبيلة تكتيكيًا تظل مصدر إلهام مستدام للجميع، ونتمنى له المزيد من النجاحات في مسيرته. إن ثمانينية الأستاذ محمد سلماوي ليست سوى محطةٍ في مسيرةٍ زاخرةٍ بالإنجازات، فقد أثبت أن الإبداع لا يعترف بالحدود، وأن الأثر الطيب يدوم إلى الأبد. ومع كل عام يمر، تتعمق بصمته في المشهد الثقافي والإعلامي، ونتطلع بشغفٍ إلى المزيد من عطاءاته التي ستظل مصدر إلهام لنا وللأجيال القادمة.