جمعية الأدب المهنية..

دورة تنتهي وأخرى تبدأ.

 تعلن جمعية الأدب المهنية مطلع هذا الأسبوع، أسماء الزملاء والزميلات المترشحين لانتخابات مجلس إدارتها في دورتها الجديدة، والبالغ عددهم سبعة عشر مترشحاً ومترشحة. ومع هذه اللحظة الانتقالية، أغادر عضويتي في المجلس، بعد أربع سنوات قضيتها ضمنه، رئيسًا له، كانت فرصةً لي لخدمة القطاع الأدبي من هذا الموقع، وللتعلّم من تجارب الزملاء واتجاهاتهم المختلفة. لقد بدأتُ من نقطة زمنية تسبق هذه السنوات الأربع، حين كانت فكرة التأسيس للجمعية تلوح في الأفق، ضمن كوكبة من الجمعيات المهنية الأخرى، وِفق إرادة طموحة من وزارة الثقافة، أرادت بها الارتقاء بكيفية النظر إلى الثقافة، وتفعيل الاهتمام المؤسسي بحقولها المتنوعة في الوعي الفكري والاجتماعي، بما يواكب التحوّلات المحلية والعالمية. كانت الفكرة في بدايتها غائمة، ثم أخذت تتضح وتتبلور وتكتسب تماسكًا وفاعلية. وتوالت ثُلّة من الأسماء المتميزة لتنخرط في مشروع التأسيس، وتنضم إلى عضويتها، بحماسٍ نابع من الإيمان برسالتها، والقناعة بأهدافها، والتفاعل مع رؤيتها. وانطلقت الجمعية بحفل افتتاحها الشهير في حائل، الذي شهد أجواءً من البهجة والمباركة، برعاية صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعد بن عبدالعزيز، أمير منطقة حائل، وسمو نائبه الأمير فيصل بن فهد بن مقرن وحضورهما الكريم، إلى جانب مسؤولين من وزارة الثقافة، ونخبة من كبار مفكرينا وأدبائنا، والأعضاء المؤسسين، والإدارة التنفيذية. وبطبيعة الحال، لم تكن المسيرة خالية من العوائق والإخفاقات، ولكن طموح مجلس الإدارة وأعضاء الجمعية، والإرادة التي ترسّخت في كيانها، التقيا مع تجاوب نبيل من وزارة الثقافة، وتعاطف غامر من رموز الفكر والأدب، بل ومن بعض رجال الأعمال الذين يمتلكون وعيًا مستنيرًا تجاه الأدب والثقافة وقيمتهما في الحياة. وحين نلتفت، الآن، إلى الوراء، لا نرى جمعية كبُرت فحسب، بل نرى مؤسسةً تنمو وتنتعش وتتنوّع فعالياتها، وتحظى بحماسٍ صادق من أعضائها وسفرائها، وتجد في المشهد الأدبي موقعًا يزداد رسوخًا واتساعًا. غير أن هذا النمو المستمر لا ينبغي أن يُنسينا ما يتحيّن الفرصة للفتك بهذه الجمعية؛ وأخطر تلك التهديدات أولئك الأنانيون والنفعيون الذين يتظاهرون بالانتماء إلى مجالات عمل الجمعية، وهم في الحقيقة يسعون إلى تحويلها إلى مطيّة لأهوائهم أو منصة لنقمتهم. ولا يقلّ خطرًا عن هؤلاء أولئك الأدباء والنقاد الذين يظنون أن الجمعية لا تعنيهم، وأن أعمالهم الأدبية والنقدية لا تنتفع من ازدهار الجمعية وقوّتها، ولا تتأثر بضعفها أو أفولها. ولو أدرك هؤلاء أن قوة الجمعية هي قوة لهم، وأن رسوخها على قدمٍ ثابتة يُنتج فعاليات ووعيًا نقديًا وثقافيًا يعيد لأعمالهم قيمتها ويحيطها بما تستحقه من الحفاوة، لتبدّل موقفهم وتضاعف تفاعلهم معها. وليست الانتخابات المقبلة لمجلس إدارة الجمعية مجرد استحقاق تنظيمي، بل هي لحظة تأسيس جديدة تتجدد فيها الثقة، وتتأكد فيها معاني المسؤولية والمشاركة. ونجاح الجمعية في هذه المرحلة يعتمد على وعي أعضائها بحقوقهم وواجباتهم، وحسن اختيارهم لمن يمثلهم، ويصون أهداف الجمعية، ويعمل على تطويرها بروح التعاون والتجرد والاتزان. وأجد في نفسي، وأنا أغادر عضوية مجلس الإدارة، بعد أن أمضيت فيه أربع سنوات رئيسًا، امتنانًا لكل من ساند الجمعية، وشارك في تأسيسها وبنائها، وساهم في تحويل الفكرة إلى واقع. وليست مغادرتي للمجلس، عزوفًا عن الشأن الثقافي، ولا انصرافًا عن الجمعية، بل إيمانًا بأهمية التداول، وتوسيع دائرة المشاركة، وفسح المجال لدماء جديدة تحمل المشعل وتكمل الطريق. أتمنى من القلب التوفيق للزملاء والزميلات المترشحين، وأن تأتي هذه الدورة الجديدة حافلةً بالعطاء، وعميقةً في أثرها، وحرةً في رؤيتها، ومخلصةً في خدمتها للأدب والمثقفين، ومؤمنةً برسالة الجمعية في ترسيخ الوعي الأدبي، وبناء مشهد ثقافي يليق بالمملكة وتاريخها ومستقبلها، في ظل ما تحظى به الثقافة من دعم كريم ورعاية مستمرة من حكومتنا الرشيدة، التي جعلت من الثقافة ركيزة أساسية في مشروعها الوطني الطموح.