في ديوان« وقوفاً على الذاكرة» للشاعر محمد العطوي ..

قراءة أدبية من منظور نفسي.

في ديوان: وقوفًا على الذاكرة الصادر عام 2021م عن النادي الأدبي الثقافي بجدة للشاعر: محمد العطوي يمكننا فهم الكيفية التي تتطور بها الأهواء و الرغبات وأشكال القلق نتيجة العملية الاجتماعية من خلال الذاكرة التي تمثل نظامًا ديناميكيًا يستقبل المعلومات و يفسرها وينظمها و يخزنها و من ثم يسترجعها؛ ولأن الذاكرة من العمليات العقلية الهامة، حظيت باهتمام كبير من قبل علماء النفس، وتم تصنيفها إلى: ذاكرة الأحداث: حيث يتم تخزين المعلومات وفق تسلسل زمني، ويمكننا اعتبارها المفكرة الشخصية للإنسان، تهتم بخبراته وتُخزن معلوماته على هيئة صور فوتوغرافية، وتُشكل الإثارة الحسية المباشرة المصدر الرئيسي فيها، وذاكرة المعاني(الدلالية) التي تشتمل على المعرفة العامة للعالم والقواعد اللغوية، وتُخزن المعلومات فيها وفق تنظيم مفاهيمي لا يرتبط بالزمن، والذاكرة الإجرائية المختصة بكيفية أداء المهام، و التي يصعب وصفها لفظيًا. معنى ذلك أن الزمن النفسي في القصائد مُرتبط بشخصية الشاعر عبر ذاكرته التي تجعلنا ندرك أن الماضي هو العنصر الجمالى الحقيقى، وأن هناك علاقة وطيدة بين التصور الذهني والذاكرة الدلالية لديه، يمكننا الآن تناول قصائد الديوان من خلال المحاور التالية: أولًا: الذاكرة الدلالية وميكانيزمات الدفاع إدراك الشاعر لا يقوم إلا على التذكر والإنتباه والتفكير، والذاكرة الدلالية هى ذاكرة المعاني التي تُخزن فيها الذكريات على شكل صور ذهنية، معنى ذلك أن ذاكرة الشاعر الدلالية موسوعة عقلية تعتمد على التصور الذهني الذي يعتبر شكل من أشكال تمثيل المعلومات واسترجاعها بشكل أسرع، مثال لذلك قصيدة: طعم الصمت التصور الذهني هُنا- كأحد جوانب الوظائف المعرفية العليا مثل التفكير_ تجلى في قدرة الشاعر على ربط المُدركات بعضها ببعض من خلال مخزون ذاكرته. هذا ويُستخدم التصور الذهني تحت مسميات عدة منها: التخيل العقلي، باعتباره عملية ديناميكية يتم من خلالها إعادة بناء و تشكيل الخبرات الحسية، و تدوير المعلومات السابق تخزينها في الذاكرة، ولا يقتصر التصور الذهني على مجرد استدعاء هذه الخبرات، إنما يعمل على إنشاء خبرات جديدة من خلالها، مثال لذلك قصيدة: وجوه في مهب النسيان ولأن الشعرية الحديثة تنظر في توظيفها للصمت إلى ما استقر في الذاكرة، ارتكز الشاعر على مفردة: الصمت بمعناه الحقيقي المدرك في عدد من القصائد، وبمعناه كتصور ذهني في قصائد أخرى، يمكننا توضيح ذلك من خلال الجداول التالية: إسم القصيدة الصمت بمعناه المدرك هادىء كحِسمي “أتيت أبادل الصحراء صمتي وقد يستعذب الصمت الجميل” رثاء جبل “وأنه لا يتقي ظنون حاسديه ويزدري_صمتًا_حديث عاذليه” لا تجرح الصمت “لا تجرح الصمت المهيب فإنه أمر الحروف فغادرته مودعه” أوسمة رديئة “إذا كان اندفاع الريح صمتًا فعاتبني على الصمت الجرىء” بكاء الاتجاهات “تفجر كالصمت الذي في حلوقنا وأفشى” قهوتي “أبرر هذا الصمت بيني وبينها فما لحظات الحب إلا رحيقها” وتران على ضفتي شوق “ظمأ وإصغاء وصمت فاخر توحي به العينان والعينان” عهد النوارس “لما عبرتِ جدار الصمت هامسة لليلِ أفسح لآهات الجوى الطرقا” لغة الورد “قلت والأحرف الكسالى رسول يا أخ الصمت إنما البوح أليق” صمت مرتل “حتى غدا للصمت في أشيائه عزف” طعم الصمت “تبرعم الصمت في ألحاظه لغة” ضحايا الذكريات “عشقنا الصمت حتى صار صوتًا” همزة وصل “من همزة الوصل التي سنحت له في صمته” كي نسمعك “وقف الصمت معي كي نسمعك الصمت بمعناه الحقيقي المدرك إسم القصيدة التصور الذهني للصمت تلويحة في المنحنى “لم يعد في الحقل صوت هاتف لهزار الحقل إلا سجنا” وجوه في مهب النسيان “فإن تجرد صوتي من لظى لغتي وساعدتني على التعبير نظراتي” في حضرة الوداع “فكأنما أبدى السكوت تعمدًا حتى يرى معناه في خديها” التصور الذهني للصمت ربما لذلك لاحظنا انتقال الشاعر من مركزية الدال”بنية الذات” إلى دال آخر”رمزي أو مثالي” مرتكزًا على ميكانيزم”الإسقاط” من خلال إزالة الإحساس المزعج من الذات وإسناده إلى الآخر”المثالي” في الحاضر. ثانيًا: استراتيجيات التصور الذهني والزمن النفسي الزمن النفسي في قصائد الديوان يرتبط بشخصية الشاعر عبر ذاكرته التي تجعلنا ندرك أن المكبوت لديه هو العنصر الجمالى الحقيقى، وإذا نظرنا إلى خصائص التصور الذهني في القصائد لوجدنا أنه يشتمل على: الشكل والمعنى؛ يشتمل أيضًا على الوظيفة الترابطية الخاصة وإيجاد العلاقات بين الكلمات، في الجدول التالي نوضح استراتيجيات التصور الذهني التي ارتكز عليها الشاعر في قصائد الديوان: اسم القصيدة استراتيجة التصور الذهني _ سارية السمو _ مناجاة حاج _ كورونا وسوانح الشوق _على أنقاض حلب استراتيجية الكلمات المفتاحية _ تلويحة في المنحنى _ أرتل حزني _ هادىء كحِسمي _ هاك انكسارك _ كي نسمعك استراتيجية التصورات العقلية : من خلال ربط البيت الشعري بالصور الذهنية عبر الوسائط الحسية _ رثاء جبل _ أوسمة رديئة _ أقسى المنافي _ طعم الصمت _ هند والأسئلة _ بلا ماض استراتيجية التصور المنفصل: من خلال تحويل الكلمة إلى عدة صور منفصلة في ذهن الشاعر واستحضارها عند الحاجة إليها _ بكاء الاتجاهات _ أقسى من الألم _ صمت مرتل _ وداع مختلف _ رحلة النهر _ أثر القصيدة استراتيجية التصور التفاعلي: من خلال بناء عدد من العلاقات بين عناصر الخبرة (تحويل الحروف أو الكلمات إلى صور متفاعلة في ذهن المتلقي) _ عهد النوارس _ لغة الورد _ عيناكِ مسافة لا تُقاس _ ضحايا الذكريات هى والقصيدة _ لغة العطر _ شظى الكلمات استراتيجية الصور المادية الملموسة _ نقطتان _ قهوتي _ وتران على ضفتي شوق _ وجوه في مهب النسيان _ لعلها تتجلى _ في حضرة الوداع _ همزة وصل استراتيجية التوليف الشعري: تعتمد على ربط الشاعر بين الكلمات والمفاهيم التي يتم استرجاعها بحيث يؤلف منها قصائد ذات معنى استراتيجيات التصور الذهني خاتمة: _ في الديوان الحالي استراتيجيات التصور الذهني عملت على زيادة كفاءة أداء ذاكرة الشاعر الدلالية اعتمادًا على التشفير اللفظي و التشفير غير اللفظي. _ يسعى الشاعر إلى تحرير الذات من أوهامها عبر الشك وصولًا إلى حقيقة دوافعه ، علمًا بأنه ينبغي الالتفات إلى كتابته ذات الطابع التفسيري الذي تجلى في اشتغاله على حقول السياسة، و حب الأوطان. _ التجربة الروحية في القصائد هى باب الرؤية الذي يشمل المنزلة المعرفية والاجتماعية للشاعر. _ ترجع أهمية التصور الذهني في القصائد إلى الوظيفة الاسترجاعية و الوظيفة الابتكارية التي تجلت في القدرة على إنتاج صور جديدة عناصرها مستمدة أصلًا من الواقع.