
باتت محافظة العلا واحدة من أبرز الوجهات السياحية في المملكة التي يحرص على زيارتها العديد من السياح والزوار، حيث اكتسبت شهرة خاصة لدى السائحين القادمين من أوروبا وأمريكا وشرق آسيا بفضل المميزات الفريدة التي حباها الله إياها، سواء في المدينة القديمة للعلا أو في منطقة الحجر، وكذلك بسبب طبيعة الجبال المميزة والتكوينات الصخرية. ونجحت العلا خلال السنوات الأخيرة في أن تصبح وجهة رائدة في السياحة الفلكية بفضل ما تتمتع به من سماء صافية ومواقع طبيعية بعيدة عن مصادر التلوث الضوئي، مما جعلها وجهة مثالية لمراقبة النجوم والكواكب، ومقصداً محبباً لعشّاق الفلك والمصورين والباحثين عن لحظات تأمل استثنائية. وتوفر العُلا لزوارها تجارب فريدة لاستكشاف السماء ليلاً، تشمل رصد النجوم والكواكب ومجرة “درب التبانة” باستخدام التلسكوبات أو بالعين المجردة، وذلك في أجواء صحراوية هادئة تبعث على التأمل، تتخللها قصص فلكية مستوحاة من ذاكرة الزمن القديم. ويُعد اعتماد كل من “منارة العُلا “ومحمية “الغراميل” كأول مواقع للسماء المظلمة في المملكة والخليج العربي من قبل منظمة Dark Sky International، خطوة نوعية تعكس التزام الهيئة الملكية لمحافظة العُلا بالحفاظ على البيئة الفلكية الطبيعية وتعزيز السياحة الفلكية، وتُعنى المنظمة بالحد من التلوث الضوئي في المناطق الحضرية والريفية، ما يعكس التوجه العالمي نحو الحفاظ على سماء نقية تسمح بالتأمل والاكتشاف. وتُعد محميتا الغراميل وشرعان من أبرز مواقع الرصد الفلكي في العلا لما تتمتعان به من صفاء بصري وتكوينات صخرية مذهلة تعزز من عمق التجربة، وتليها مواقع أخرى مثل “صخرة القوس “وغيرها من المواقع التي تجمع بين الجمال الطبيعي والانفتاح على السماء ما يجعل من العُلا مسرحاً مفتوحاً للتأمل الكوني. وشهدت السياحة الفلكية في العُلا نمواً ملحوظاً خلال السنوات الماضية بفضل جهود الجهات المعنية في تنظيم الفعاليات والأنشطة الفلكية التي تستقطب الزوار من داخل المملكة وخارجها، ومن أبرزها مهرجان “سماء العُلا “الذي يُقام سنوياً ويقدم مجموعة متنوعة من الفعاليات والمعارض وورش العمل وجلسات الرصد بمشاركة نخبة من الخبراء والمرشدين الفلكيين المحترفين. علاقة تعود لقرون تعود العلاقة بين سكان العُلا والفلك إلى قرون طويلة، إذ كانت المحافظة ممراً رئيساً للقوافل التجارية ونقطة التقاء للقبائل العربية التي كانت تستدل بالنجوم لتحديد الاتجاهات، وقد اعتمد السكان قديماً على النجوم في معرفة مواعيد الزراعة ومواسم الأمطار ومنها تحديد بداية المربعانية ورؤية الأهلة، مما يعكس ارتباط الأهالي بالفلك ودورهم الكبير في دعم نجاح هذا النوع من السياحة. وتشهد العُلا في الوقت الراهن تنفيذ عدد من المشاريع والمبادرات الرائدة في هذا المجال والتي من شأنها عند اكتمالها أن تُعزّز مكانة العُلا مركزاً إقليمياً بارزاً لعلوم الفلك وأن تسهم في جذب الباحثين والمهتمين بهذا المجال من مختلف أنحاء العالم. ويُعد مرصد “منارة العُلا” من أبرز المشاريع المستقبلية في مجال السياحة الفلكية، ويجري العمل عليه ليكون وجهة رائدة للاكتشافات العلمية والأبحاث المبتكرة، ويهدف المشروع إلى أن يكون معلماً وطنياً بارزاً يستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم للاستمتاع بتجارب فريدة في رصد النجوم والتعرف على الاكتشافات الفلكية، القديمة منها والحديثة ضمن بيئة مستدامة تعزز جودة التجربة السياحية وتلهم الزائرين. وتسهم هذه المشاريع والمبادرات في دعم توجه المملكة نحو السياحة المستدامة من خلال الحد من التلوث الضوئي والحفاظ على البيئة الطبيعية وتقديم تجارب تثقيفية تفتح آفاقاً جديدة لفهم الكون. وتواصل العُلا في ظل رؤية المملكة 2030، تعزيز مكانتها وجهة عالمية تمزج بين الجمال الطبيعي والإرث الثقافي والابتكار في تجارب السياحة الفلكية ضمن رؤية طموحة تجعل منها واحدة من أوائل المدن السعودية الخالية من التلوث الضوئي. تجارب فلكية وسياحية في مهرجان سماء العلا شهد شهر ابريل الماضي إقامة مهرجان “سماء العلا” خلال الفترة من 18 إلى 27 من الشهر الماضي، حيث عاد المهرجان في نسخة هذا العام بمجموعة من التجارب الجديدة والفريدة، مستعرضةً السماء الصافية الخالية من التلوث الضوئي، وعلاقة العُلا العميقة والموغلة في القدم بعالم الفلك، وبوصفها موطناً لموقعي الغراميل ومنارة العُلا، أولى الوجهات المعتمدة كـ”مواقع للسماء المظلمة” في الشرق الأوسط من قبل منظمة دارك سكاي الدولية. وقدّم المهرجان للزوار فرصة استثنائية لمراقبة النجوم في بيئة طبيعية خالية من التلوث الضوئي، وفي قلب متنزه شرعان الوطني تحولت تجربة رصد النجوم إلى رحلة غامرة في الزمان والمكان، بين تضاريس صحراوية وتكوينات جبلية ساحرة، واستحضر الزوار تقاليد الأجداد الذين استرشدوا بالنجوم في أسفارهم الصحراوية. ويقدّم منتجع “أور هابيتاس العُلا “ الواقع وسط وادي عشار تجارب فلكية حصرية على مدار العام، تتضمن جلسات مراقبة خاصة باستخدام التلسكوبات، وسرداً للقصص السماوية في أجواء صحراوية هادئة، أما فندق “شيدي الحِجر” فيُقدّم تجربة مميزة تشمل عشاءً على ضوء الشموع، بالإضافة إلى جلسة رصد نجوم وسط أجواء دافئة وتلسكوبات مجهزة إضافة إلى أمسيات جماعية مستوحاة من أجواء البادية الأصيلة. وأتاح المهرجان للزوار التوجه إلى محمية الغراميل لمشاهدة مجرة درب التبانة بالعين المجردة، في واحدة من أنقى بيئات السماء في المنطقة، كما تتضمن التجربة جولات مشي ليلية وجلسات تخييم وعشاء مشوي حول نيران المخيم. وتتنوّع الفعاليات المصاحبة لتشمل عروض المناطيد المضيئة، ورحلات المنطاد الحر والمربوط فوق أبرز معالم العُلا، إضافة إلى حفلات فنية تجمع بين الثقافة والاستكشاف والمتعة. منارة العُلا تقدم تجارب سماوية قدمت “منارة العُلا”، الوجهة الجديدة التي تهدف إلى إثارة فضول الزوار حول الفضاء والفلك، أنشطة وفعاليات فريدة في مهرجان “سماء العلا” لهذا العام. ومن أبرز التجارب التي قدمت في المهرجان، تظهر تجربتيً “دار النجوم” و”ميناء سماء العُلا”، اللتان تهدفان لجذب عشاق الفلك والمبتدئين على حد سواء. وتعد تجربة “دار النجوم” بمثابة تجربة تفاعلية تتضمن العروض الديناميكية والمعروضات الفنية لتكشف أسرار الأبراج وتروي حكاياتها المدهشة، وهي عبارة عن قبة فلكية في قلب البلدة القديمة مع إطلالات بانورامية بزاوية 360 درجة لتأخذ الزوار في رحلة استكشافية بين الكواكب والأبراج في الفضاء الواسع. وحظي الزوار بفرصة المشاركة في المعارض العلمية والعمل على التلسكوبات المتطورة والمشاركة في ورش العمل الفلكية، والتي تقدم بيئة تفاعلية تتيح للزوار فرصة أعمق لفهم الكون بينما هم محاطون بجمال المناظر الصحراوية في العُلا. كما قدم مهرجان سماء العُلا أيضاً رحلات يومية بالمناطيد الهوائية، استمتع فيها الزوار والسياح بمشاهد جوية خلابة لمحافظة العُلا وذلك من خلال رحلات المناطيد المربوطة في البلدة القديمة وجبل الفيل، حيث توفر مناظر بانورامية لهذه المواقع الشهيرة بالعُلا. وزينت العروض الليلية للمناطيد “صخرة الفيل” بالمناطيد المضيئة والعروض الجوية والموسيقى المتناغمة، لتخلق جواً خلاباً، كما وفر المهرجان جلسات “التواصل مع طاقة الأرض” و”يوغالايتس” لعشاق الاسترخاء والاستمتاع. سينما تحت النجوم استمتع السياح وزوار مهرجان “سماء العلا” بتجربة سينمائية فريدة أطلق عليها اسم “السينما تحت النجوم” وذلك في منتجع شادن، ولتعميق العلاقة مع سماء الليل، انضم عشاق الليل إلى جلسات مشاهدة النجوم التي يقودها خبراء في أكثر من موقع في العُلا، إضافةً لبعض الفعاليات الموسيقية. كما حظي الزوار بفرصة مشاهدة سماء العُلا المظلمة وتجربة عجائب الكون بطريقة تعيد إحياء تاريخ المدينة كمفترق طرق للرحالة. وتُعد منارة العُلا هي وجهة لعلوم الفلك تربط بين المعرفة السماوية القديمة والاستكشافات العلمية الحديثة، حيث تتيح هذه الوجهة للزوار فرصة الانطلاق في رحلة عبر الكون من خلال التلسكوبات المتطورة والمعارض التفاعلية وورش العمل، وتوفر منارة العُلا مساحة فريدة للبحث والتعليم ومراقبة النجوم. مرصد “منارة العلا” مرصد “منارة العلا” الفلكي هو معلم سياحي وعلمي في محافظة العلا بالمملكة العربية السعودية. يهدف إلى أن يكون مركزًا عالميًا للابتكار والتميز في علوم الفلك والفضاء، ووجهة للسياحة الفلكية. يقع المرصد بالقرب من منطقة الغراميل، المعروفة بسماءها الصافية والمظلمة، مما يجعله موقعًا مثاليًا للرصد الفلكي وكما جاء على وكالة “واس” فقد أعلنت الهيئة الملكية لمحافظة العلا, عن توقيع اتفاقية تعاون مع معهد “سيتي” للدعم في تطوير مرصد “منارة العلا” ليكون مركزًا عالميًا رائدًا في الابتكار والتميز في علوم الفضاء والفلك. وتهدف الاتفاقية المبرمة إلى تعزيز مكانة محافظة العلا كوجهة عالمية رائدة في سياحة استكشاف النجوم والفلك. كما سيعزز هذا التعاون تمكين “منارة العلا” كمركز للتقدم العلمي عبر مجموعة من المشاريع البحثية المشتركة، ومبادرات للسياحة الفلكية المتنامية في العلا، كما يوفّر فرصًا تعليمية لتنمية المهارات بما يتماشى مع الأعمال المستهدف تنفيذها في المرصد, حيث تتضمن مشاريعها دعم برامج البحث والتطوير في المرصد بأحدث الأنظمة والمعدات التي تُمكّن العلماء من إجراء عمليات مسح شاملة للفضاء، وتحليل البيانات لتحديد النجوم والكواكب والمذنبات الجديدة. من جانبه، أفاد المشرف على برنامج منارة العلا المهندس نايف المالك بأن هذا التعاون يعزز دور العلا كمركز حيوي لتبادل العلوم والمعرفة، عادًّا معهد “سيتي” من المنظمات الرائدة عالميًا في مجال البحوث والاستكشافات العلمية، وممكنة بعقود من الخبرة الفنية في التقنية والمعرفة في مجال الفضاء والفلك. وأشار إلى أن المعهد سيدعم تطوير أنظمة تحليل البيانات لمجموعة من التلسكوبات المخطط تطويرها في المرصد، وستُعزِّز مراكز التعليم التابعة له القدرات المحلية في علوم الفضاء باستخدام أدوات الواقع الافتراضي, بالإضافة إلى ذلك، سيتيح مركز التوعية الفرصة لإشراك زوار المرصد في علوم الفلك، بما يتماشى مع رؤية الهيئة لتكون العلا مركزًا عالميًا للبحث والابتكار ومشاركة المعرفة. من جانبه أوضح الرئيس التنفيذي للمعهد بيل دايموند, أن رسالة المعهد تتمثل في أهمية مشاركة البحوث مع العالم، مبيناً أن التعاون مع الهيئة الملكية لمحافظة العلا، يفتح أفاقاً نحو تقديم علوم الفضاء والتعليم والمشاركة في تطوير التقنية. فيما قال كبير علماء الفلك ومدير العلوم المواطنة في المعهد فرانك مارشيس: “نتصور مرصد منارة العلا كمنارة للاكتشاف، مزود بتلسكوبات متطورة وحديثة للكشف عن كواكب ونجوم جديدة، ودفع البحوث الفلكية إلى آفاق أبعد”, وستدعو مبادرتنا في العلوم الفلكية المجتمع والسياح إلى مشاهدة النجوم، واستكشاف التراث العلمي الغني للعلا، وتعزيز التعاون الدولي، وإحياء ارتباط البشرية العميق بالكون”. وتتمثل ركائز معهد “سيتي” في استكشاف أصول الحياة والذكاء في الكواكب والنجوم، ومشاركة هذه المعرفة مع العالم، حيث يستخدم العلماء والباحثون مرصد المعهد الخاص “تليسكوب ألن” المعزز بأدوات الرصد المتطورة الأرضية والفضائية. كما يقوم المعهد باستقطاب وتحليل بيانات من المراصد الفضائية الرائدة؛ مثل: تلسكوب “جيمس ويب”، والأجهزة الموجودة في المدارات أو على المريخ، بما في ذلك مركبات الهبوط “بيرسفيرانس” و”كيوريوسيتي”. ومن المقرر افتتاح مرصد “منارة العلا” على عدة مراحل خلال السنوات المقبلة، مع الجهود البحثية والتعاون المتواصل، والمبادرات التعليمية الجاري تنفيذها. يذكر أن مرصد “منارة العلا”، الجاري تطويره، والقريب من منطقة الغراميل في العلا، والتي تتميز بكونها ضمن أفضل 10% من المناطق العالمية ذات السماء الصافية والمظلمة، وسيلهم المرصد أهالي العلا للعمل في وظائف متنوعة في مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات، مما يدعم النمو والتنوع الاقتصادي وبما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030. رحلات المناطيد تحليق بين الطبيعة والتراث نظمت ضمن فعاليات مهرجان “سماء العلا” العديد من رحلات المناطيد اليومية حيث تُحلّق فوق المواقع الأثرية والطبيعية في مشهد بانورامي مذهل يأسر الزوار من مختلف أنحاء العالم. وتُعد هذه الرحلات من أبرز التجارب التي يقدمها المهرجان، حيث تتيح للزوار فرصة التحليق في أجواء العُلا الهادئة، والاستمتاع بمشهد خلاب يجمع بين تضاريسها الجبلية، وواحاتها الخضراء، ومعالمها التاريخية مثل: الحِجر، أول موقع سعودي يُدرج ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. وتنظم هذه التجربة ضمن تقويم فعاليات “لحظات العُلا”، حيث يحرص القائمون على مهرجان “سماء العُلا” على تقديم مزيج من المغامرة والهدوء والتأمل، بما يعكس علاقة الإنسان بالسماء والكون، وهو المفهوم المحوري للمهرجان.