عن (النادي الأدبي الثقافي) بالطائف وبالاشتراك مع (مؤسسة الانتشار العربي) ببيروت صدر هذا العام كتاب بعنوان (سرد البداوة) بطبعته الأولى 2023م لمؤلفه الدكتور/ شتيوي الغيثي. ويأتي العنوان الفرعي للكتاب (تمثلات الذاكرة في الخطاب الروائي) تحت عنوانه الرئيس مباشرة على غلافه الخارجي، ليكون مفسرا له، أو بمثابة (عتبة) قد تكشف لنا شيئا مما وراء العنوان، والمقصود به. وقد عرف عن الدكتور الغيثي من خلال ما نشره في السنوات الأخيرة من كتب وبحوث ودراسات اهتمامه بـ (سرد الصحراء) و(رواية البادية) تحديدا، أي تركيزه – كباحث- على ذلك النوع من الرواية العربية التي جعلت من البيئة الصحراوية والبدوية فضاء لها، زمانا ومكانا، وما تقتضيه عناصرها المعروفة من فنيات أخرى، داخله في البناء السردي ككل، كالسرد والحوار والشخصيات والتحليل الوصفي والنفسي...الخ. ومن النقاط الهامة في موضوع الكتاب، التي ينبغي علينا التوقف عندها هي ما كنا نعتقده وكما روج له نقاد الرواية أو السرد من مقولة تم تعميمها وتداولها خلال عقود طويلة من الزمن منذ ظهور (فن الرواية)في أدبنا العربي كجنس أدبي حديث استحوذ على اهتمام كثير من قرائه ومحبيه على اختلاف فئاتهم العمرية وتفاوت مستوياتهم العلمية والاجتماعية، لدرجة أنها أصبحت فنا أدبيا راقيا مع مرور الوقت قد ينافس (الشعر) الذي لا يزال البعض منا يعتقد أنه (ديوان العرب) وربما يفوقه في عدد المهتمين والمتابعين في بعض الحالات. وهذه المقولة تفيد بأن (الرواية هي بنت المدينة) . وعند هذه النقطة نكون قد أمسكنا بأول خيوط كتاب (سرد البداوة) المؤدية الى محتواه، حيث يأخذنا مؤلفه معه عبر صفحاته وفصولها وتقسيماتها، ليثبت لنا عدم صلاحية هذه المقولة في الوقت الحاضر، وأن الرواية العربية في عصرها الراهن وحضورها الطاغي (ليست بنت المدينة فحسب) كما عرفناه أو فهمناه من قبل، وانما هي أيضا (بنت البادية)، أو بمعنى أوسع دلالة: هي بنت بيئتها: بادية، حاضرة، قرية، مدينة، واحات، مناطق ريفية، أو مناطق جبلية أو ساحلية أو بحرية ...الخ وليست قصرا على بيئة معينة دون أخرى. وجدير بنا أيضا أن نتوقف عند نقطة هامة أشار اليها د.الغيثي في كتابه هذا، ألا وهي أن حضور( البداوة) في الرواية العربية في عهودها المبكرة، كان حضورا باهتا، أو هامشيا لانشغال كتابها بـ (المدينة) حين جعلوها مرتكزا لفضاءاتهم السردية، متجاوزين(الصحراء والبادية) بخلاف ما أصبح عليه حال الرواية في عصرها الحالي، اذ انعكس الوضع ليحتل السرد البدوي أو الصحراوي الصدارة من حيث الأهمية لدى الروائيين العرب- خاصة الخليجيين منهم أو السعوديين تحديدا - في كثير من الأعمال الروائية الصادرة في الآونة الأخيرة. وفي (مقدمة ) الكتاب يؤكد المؤلف/الباحث على ضرورة التفريق بين ما يعرف بـ (رواية الصحراء) – كمصطلح لدى نقاد السرد- وبين (الرواية البدوية) اذ يقول: « ولعلي أكون مضطرا هنا الى تأكيد الجانب البدوي في الرواية تفريقا لها عن رواية الصحراء التي انتشر مصطلحها عند نقاد الرواية العربية بنوع من التوسيع لسرد الصحراء ومكوناتها التي يمكن أن تضم تلك الواحات المستقرة أو المدن المنتشرة في الصحراء والتي شكلت جزءا من ثقافتها، في حين يخالف موضوع البداوة في الرواية هذا التوسيع بتحديد حالة البداوة في الانسان الذي كانت له الصحراء الفضاء المكاني الذي لا يستقر فيها بمكان محدد كما هي حالة ساكني القرى أو المدن التي بنيت في الصحراء، فالبداوة حالة ترحالية غير مستقرة وليس لها اطار سوى الفضاء الصحراوي الواسع، ولذلك ذهبت بعض الروايات المذكورة هنا الى ابراز الشخصيات البدوية أو سرد البداوة ووصفها وصفا كاملا وصارت موضوعا سرديا لها حتى لدى بعض الشخصيات البدوية التي اضطرتها الحياة الى الاستقرار، لكن بقيت الروح البدوية التي تنزع الى عدم الاستقرار هي الظاهرة في السرد...».