عبد الرحمن السديري ... اليد التي لم ترتعش.

من “مدينة الغاط” تلكم المدينة -الوادعة - الواقعة بين “جبال طويق” و”تلال الثويرات” سنمتطي أسْنِمَة “البُختْ” مُسَنِّدين – حسب مصطلح العقيلات – باتجاه الشمال نحو “ منطقة الجوف” لنقتفي أثر شابً يافع توسم فيه “المؤسس الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه” صفات القيادة، فأولاه نياط “إمارة منطقة الجوف” وهو في سن مبكرة قبل أن يبلغ الخامس والعشرين عامًا من عمره. وبالفعل حقق – هذا الشاب الطموح - إنجازات، لو تم احتساب الفترة الزمنية التي استغرقها كل منجز من منجزاته الإدارية والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية، والأدبية، والإنسانية – على حدة - لتجاوزت (250) عامًا على أقل تقدير، جميعها تمت بِيَدٍ لم ترتعش، ولم تضعف، ولم تخور. فقد أنشأ “مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية” وهي مؤسسة وقفية عملت ولا تزال تنشط في بث الوعي المعرفي، ونشر الثقافة العامة، وخدمة التراث الشعبي. ومن أبرز ثمار هذه المؤسسة” دار الجوف للعلوم” وهي مكتبة حافلة بالكتب والمراجع في كافة حقول الآداب، والفنون، والمعرفة. وعلى صعيد التنمية الاقتصادية كان له باعًا طويلًا في هذا المضمار، حيث سعى لتطوير “شركة الجوف للتنمية الزراعية - شركة مساهمة عامة” تلكم الشركة التي جعلت “منطقة الجوف” في صدارة المناطق الزراعية في “المملكة” كما تبنى - رحمه الله - إقامة مسابقة سنوية مُحَكَّمّةً للمزارعين، في كافة حقول الزراعة. كان “الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري – رحمه الله” بفطرته السليمة، وبمعتقده الصافي يمتلك فهمًا عميقًا للثقافة بأبعادها الحضارية، ويتعامل بشكل متساوٍ ومتعاطف مع جميع الأفراد الذين هم من خلفيات مختلفة. يمتلك هذا “الأمير” صفات إنسانية سابغة، يأتي في صدارتها التعاطف والاهتمام بالآخرين، والقدرة على التواصل الفَعَّال. إنه شخص يعتني بصحة ورفاهية المجتمع، ويشجع على بناء علاقات جيدة ومتناغمة بين الأفراد. ويمتلك رؤية واضحة، وقدرة ناجزة على اتخاذ القرارات الصائبة في ظل التحديات المختلفة. وإلى جانب القيادة والثقافة والإنسانية، يتمتع “الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري” بباقة فوّاحة من الخلال الحميدة، التي كانت تعزز قدرته على التأثير والنجاح في البيئات المختلفة. كان – رحمه الله – يمتلك تصورًا – شديد الوضوح – نحو مستقبلٍ مُشْرِق، وفق أهداف استراتيجية محددة. كما كان جريئًا وقادرًا على حساب المخاطر برؤية ثاقبة، والتصرف في المواقف الصعبة بشجاعة كافية، واتخاذ القرارات الحكيمة بآلية متزنة، مستثمرًا تنوع وآراء الفريق المحيط به. كان – رحمه الله – يتمتع بموهبة نادرة على إلهام الآخرين، وتحفيزهم للعمل الجاد. يجيد التواصل مع الفريق على نحو فريد، وينقل عواطفه الجياشة بلا مبالغة ولا ابتذال. كان يتمتع بمهارات اجتماعية قوية، وقدرة عالية على بناء علاقات قوية وثقة متماسكة مع الآخرين. بحكم مركزه الإداري أميرًا “لمنطقة الجوف” التي كانت منطقة عبور – رئيسة – لقوافل “العقيلات” كان ظهيرًا قويًّا لتك الرحلات التجارية الطويلة؛ فلا تخلو أية سردية من حكايات هذه الحركة الاقتصادية من كلمة “السديري” حيث صور “الأديب أحمد اللهيب” حالة “منطقة الجوف” مع أميرها “عبدالرحمن بن أحمد السديري”: (إنها حالة فريدة من الألفة، والتآخي، وتبادل المساجلات المليئة بالود والمشاعر النبيلة من الطرفين، في وضع استطاع من خلاله أن ينتقل من قصر الإمارة، ومن لغة السطوة، إلى عطف الأبوة وشفقتها) فلم يكن – رحمه الله – مجرد مسؤول إداري، بل كان شخصية تنموية وثقافية من طراز فريد، فمن مؤلفاته الأدبية “كتاب الجوف وادي النفاخ” تحدث فيه “ عن منطقة الجوف” مستعرضًا إرثها التاريخي العريق، وعمقها الإنساني البعيد، عبر تاريخها الطويل. بالرغم أنه – رحمه الله - لم يكن يقدم نفسه بين الجموع شاعرًا، إلا أن قريحته المُرْهَفَة قد فاضت بأعذب القصائد وأجزلها، وجدناها كالريم الثاوية في مخادعها، أو كالسجاد العجمي المنسوج بخيوط الحرير، والمطرزة بالوطنيات، وبالوجدانيات، والغزل، والرثائيات. سار أبناؤه – البررة – من بعده على خطاه المتوثبة، مستحضرين روحه المبدعة، فأسسوا “مركز عبد الرحمن السديري الثقافي” ليكون نافذةً للعلم والثقافة، ومركزًا للبحث العلمي والأدبي، ومساهمًا في خدمة المجتمع، من خلال البرامج الثقافية، والمعرفية، بذراعيه الطويلتين: “دار الرحمانية” التي أصبحت وجهة ثقافية متميزة لطلاب وطالبات العلم والمعرفة. و”منتدى الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية” الذي يعد واحدًا من أبرز الفعاليات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، على مستوى “المملكة العربية السعودية” والذي يُنَظَّم سنويًا بالتعاقب بين “مدينة سكاكا” في “منطقة الجوف” و “مدينة الغاط” في منطقة الرياض” وقد صدقت العامة في مثلها الشعبي (من أرَّثَ ما مات). عندما تسترجع سيرة “الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري” - تجدك متسمرًا بهيبة وإجلال أمام شخصية من الرعيل الأول صاحبة مبادئ سامية، ومتحلية بقيم عالية. غَسَّلَ الله روحه المطمئنة بِسِدْر المغفرة، وأسبغ على ضريحه الطاهر شآبيب الرحمة.