
كنت أرى وجوههن الحبيبة وابتساماتهن العذبة، وهن يُقدّمن لي بطاقات الدعوة لمشاريع تخرجهن. تأمّلتُهُن بإعجاب وتقدير، فقد خضن معركة طاحنة من القلق والاجتهاد والجهد المضاعف، وسهر الليالي منذ أيام قليلة فائتة لاجتياز الاختبار التحصيلي الذي يُحتسب عليه ٤٠٪ من نسبتهن الموزونة، والتي يُحدَّد على أساسها قبولهن أو رفضهن في الجامعات. والحقيقة أن هذا الجيل يُظهر صبرًا، وتحملًا، وإبداعًا ملحوظًا في مواجهة المستجدات التي تعصف بالساحة التعليمية. وأستغرب ممن يُردِّد أن نواتج التعلّم لدينا سيئة! والحديث عن نواتج التعلّم يطول ويتشعّب، وربما نُفرِد له في الأيام القادمة بحثًا علميًا شاملًا يعالج مختلف جوانبه. لكن الآن، دعوني أنقل لكم لوحة من التميّز والأفكار الإبداعية في مشاريع التخرّج للمرحلة الثانوية. أخذت من طالباتي بطاقات الدعوة، وحاولت تنسيق جدولي لأتمكّن من حضور أكبر عدد ممكن من المشاريع، حبًّا وتقديرًا لجميلاتي. كانت المدرسة كخلية نحل: حركة ونشاط، ونظام وانتظام في الحضور والعطاء. كنت أراقب الطالبات وهن يُعدن قاعات النقاش في الفصول، وبعضهن في غرفة المصادر، وأخريات في حجرة الملتقى. أما المعلمات الزميلات المسؤولات ، ومعلمة مادة التنمية المستدامة، ووكيلة شؤون الطالبات، ومديرة المدرسة، فكلهن على قدم وساق في التوجيه والمتابعة. الجميع مستعد لحضور قاعات النقاش. أما أنا، فكانت هذه المرة الأولى التي أحضر فيها. والحق أن ما شاهدته من أفكار إبداعية أثار إعجابي، بل وحرّك قلمي ككاتبة! كانت المشاريع مبهرة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وتناولت أفكارًا لتطبيقات متميّزة. منها ما تناول استخدام الطاقة الحيوية والطاقة التقنية وفق خوارزميات دقيقة لابتكار نظام تقني متطوّر، وبحث شيق يحمل عنوان الاعلام الجديد وتأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل وتطبيق آخر – لو اطّلع عليه المسؤولون في وزارة الرياضة – لانبهروا وسعوا لتنفيذه قبل استضافة المملكة لكأس العالم 2034. كما كان هناك تطبيق يخدم وزارة الزراعة، بل ويسهم في دعم مشروع “الرياض الخضراء”. وبلغ الإبداع ذروته مع تطبيق “اسمعني”، المدعوم بالذكاء الاصطناعي، لخدمة ذوي الإعاقة. وغيرها الكثير من البحوث العلمية التي لا يمكن عرض أفكارها هنا؛ حفظًا لحقوق الملكية الفكرية لطالباتي. ما أعجبني أكثر أن هذا الجيل متوافق تمامًا مع رؤية سمو ولي العهد – حفظه الله – بكل حبٍّ وإبداع منقطع النظير. كل مشروع وبحث كان ينبض بالإيمان برؤية المملكة 2030، ومواكبًا لطموح ولي العهد في تحقيق إنجاز وطني عظيم، والسعي لبلوغ المراكز المتقدمة لهذا الوطن الحبيب. كل شيء في مشاريع التخرّج كان على نسق من الإبداع والتميّز: من طريقة العرض، إلى إعداد البحوث، إلى وضوح الأهداف… كلها أمور ملأت عينيّ فخرًا واعتزازًا بطالباتي، ومدرستي، ووطني، وقيادتنا الطموحة. لكن هناك سؤالًا هو ما دفعني لكتابة هذا المقال: ما مصير هذه الأفكار الإبداعية، والتطبيقات، والتصاميم، والبحوث المتميّزة؟ كيف ترى النور؟ إلى من تتوجّه؟ ومن المخاطَب بها؟ المشكلة أن الروتين الإداري والتسلسل الهرمي يجعلها حبيسة الأدراج، وهذا يتناقض مع ما تسعى إليه وزارة التعليم في مرحلتها الحالية. لكن لا يزال العمل بالآلية القديمة، من تعاميم ومساءلة مديرة المدرسة عند تجاوز السلم الإداري، يشكّل عائقًا أمام هذا الإبداع. لا بد من إيجاد قنوات مباشرة للتواصل مع الوزارات المعنية، مثل وزارة الاعلام وزارة الزراعة، ووزارة الرياضة، ووزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وغيرها. لذا، إلى طالبات الثانوية الثامنة والخمسين بعد المائة في مدينة الرياض: تواصَلْنَ مع هذه الوزارات، فأنا على ثقة بأن في كل وزارة من يحرص على تقدم هذا الوطن، ويسعى للاستفادة من إنجازات أبنائه وبناته المبدعين. أتمنى أن تحمل الأيام القادمة أخبارًا مفرحة عن تبنّي تلك التطبيقات والبحوث، وأن ترى النور وتُطبّق على أرض الواقع.