من هنا مرت القوافل..

آثار العرب في شوارع مومباي.

مازالت مومباي تتذكر تلك القوافل التجارية العربية التي مرت بمياهها، وأراضيها، وشوارعها. وتلمس شواهدها في مبانيها، ومكتباتها، وأحيائها، وطرقها حتى اليوم. فهي تنادينا، وتناشدنا؛ لحفظ تاريخ تلك القوافل، التي مازالت تسرد في الحكايات التي تروي مرورها ووجودها، وهذا الذي حفّزني على أن أزور مدينة مومباي، وذلك تلبية للدعوة التي وجهها إليّ رسمياً رئيس قسم اللغة الأردية بجامعة مومباي د. عبدالله امتياز أحمد، وزميله د. محمد تابش خان. واستقبلنا العديدُ من أصدقائنا، منهم بالأخص، السيد عبدالحسيب الجامعي، والشيخ جمال الإصلاحي، والسيد فيضي علي الإصلاحي ترحيباً حاراً، واستضافونا استضافة. ومكثنا في الفندق بمدينة مومباي، التي تُعتبر عاصمة تجاريّة، وماليّة، وترفيهيّة، وتقع فيها مكاتب معظم الشركات الهندية العملاقة، كما توجد فيها مقار معظم البنوك الرائدة الهندية. فمدينة مومباي واقعة على الساحل الغربي لبحر العرب من المحيط الهندي، وتعد من أكبر عشرة مراكز تجارية في العالم، من حيث التدفق المالي العالمي، إذ أنها تنتج 6.16% من الناتج المحلي الإجمالي للهند، وتمثل 25% من الناتج الصناعي، و70% من التجارة البحرية في الهند، إلى جانب عقد 70% من المعاملات الرأسمالية للاقتصاد الهندي. وتجذب الفرص التجارية في مومباي المهاجرين من جميع أنحاء الهند، كما تعد موطناً لصناعات السينما الهندية المعروفة بـ الباليوود، وكذلك موطناً لبعض المعاهد العلميّة والنووية الرائدة في الهند. وخلال الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865)، أصبحت مومباي سوقاً رئيساً لتجارة القطن في العالم، ممّا أدّى إلى ازدهار اقتصادها الذي عزّز لاحقاً مكانتها، وفضلاً عن ذلك، أدّى افتتاح قناة السويس عام 1869 إلى تحويل مومباي إلى أحد أكبر الموانئ البحرية على بحر العرب. كما اتخذها الاستعمار البريطاني مقراً لإدارته في الهند والخليج العربي، وأصبحت أكبر مدينة في جنوب آسيا بكونها مجتمعاً قديماً لصيد الأسماك، ومركزاً استعمارياً للتجارة. وساهمت الطوائف الزرادشتية، والغوجراتية، والمَيْمَنِيَّة، والبُوهْرِيَّة، من المسلمين في تطويرها ورقيها. ووصفها المؤرخون من الهند والبريطانيون بأنها أجمل مدينة في الشرق، وليست أقل شأناً من أي مدينة في الغرب، من حيث الجمال الخلّاب، وأهميتها الجغرافية والتجارية والثقافية، ووجود المعالم التاريخية الفريدة فيها، لذلك سميت بـ “بلاد العروس”. وزار السير سيد أحمد خان مومباي عند مغادرته إلى إنجلترا عام 1819، وقال عنها إن “مومباي مركز تجاري ضخم جداً، ولا يوجد في هذه المدينة ما ينتمي إلى مدينة هندية، فهي تبدو كمدينة إنجليزية”. كما ذكر العديد من الرحالة الهنود، الذين انطلقوا من مومباي إلى جدة أو الخليج العربي، مثل الأحساء، والشارقة، ودبي، وأبوظبي، ومسقط، في كتب رحلاتهم عن تجارة مومباي، وتجارها، وشعبها، من بينهم العرب. وازداد عدد سكان مومباي بسرعة منذ السبعينيات من القرن المنصرم. ونظراً لعدم وجود المساحة في شبه جزيرة مومباي، عُمّرت ضواحيها بسرعة، وأصبحت بعض مناطقها مثل: بَانْدَرَا وفَاسِيْ وغيرهما أكثر كثافة سكانية من المدينة. وتنتمي غالبية هؤلاء الأشخاص إلى ولايات أوتار براديش، وبيهار، وأندرا براديش، وتاميل نادو الهندية، والذين تركوا منازلهم، وهاجروا إليها بحثاً عن العمل، والفرص الوظائفية، واستوطنوا فيها. وتتكون منطقة “كوكن” من ثلاث مناطق في ولاية ماهاراشترا الهندية، وهي الساحلية، التي ارتادها التجار العرب، ليس فقط قبل وصول المسلمين إلى السند، ولكن أيضاً قبل ظهور الإسلام. وهؤلاء التجار، بصرف النظر عن هذه المناطق، كانوا يتاجرون أيضاً في بهاتكال، وكيرالا، وسارانديب (سريلانكا). وبالتالي، استقر العديد من هؤلاء التجار هنا، أو تزوجوا من السكان المحليين، فنظراً إلى ذلك، يُعْتَقَدُ في العديد من أفراد المجتمع الكوكني، بأنهم ينحدرون من نفس السلالة العربية، لذلك ستجد شعب بيواندي، وباتكال، وما يجاورهما من المناطق الأخرى المتاخمة، شديدي الحمر والأبيض، حيث يقولون بأنهم أحفاد الذين جاءوا من العراق والجزيرة العربية. كما استجاب العديد من السكان المحليين على دعوة الإسلام؛ لأجل الصدق في معاملاتهم التجارية، وسلوكهم الحسن. وكان تأثير هؤلاء العرب أن غالبية سكان المناطق الساحلية، سواءً كانوا ينتمون إلى كُوكن، أو بَهَاتْكَالْ، أو كِيرالا، يتبعون المذهب الشافعي. والكوكنيون يتحدثون باللغة الكوكنية (هذه اللغة مشتقة من اللغات المراثية والعربية والفارسية)، وأما الهندوس، فهم يتحدثون باللغة الماراثية. كانت مدينة مومباي محطة رئيسة؛ لنقل الحجاج من جميع أنحاء الهند إلى جدة، حينما كانت السفن وسيلة وحيدة لنقل الحجاج إلى جدة، كما يشهد تاريخ التجارة البحرية أيضاً على إبحار السفن التجارية، وإرسائها في مومباي، وكان فيها احتكار عربي، حتى دخلها البرتغاليون. وتضم مومباي أقدم سوق وأشهره “كروفورد ماركيت”، الذي بُني في عام 1869؛ ليكون سوقاً للجملة، وهذا السوق أصبح مقراً للبلدية، خلال أعوام 1864-1884، وهيكلته مصنوعة من الأحجار ذات الألوان البرتقالية الخشنة من نوع كُورْلَا مع الأحجار الحمراء من بَاسِينْ، مما يُعدُّ أفضل نموذج للعمارة الفيكتورية، وأهم المعالم التاريخية الحديثة في الهند. ويقع سوق بهندي بازار، خلف سوق كرافورد، والذي كان مقراً لبعض تجار الخيول العرب، وبنوا فيه اسطبلاتهم، وهو حالياً مقراً للتجارة بالجملة. وعاش التجار العرب لفترات طويلة فيه، وبعضهم حتى الممات، كما تشهد قبورهم في مومباي. ويقع قرب سوق كرافورد “مبنى بدري”، الذي كان مسكناً لبعض التجار النجديين، وأبرزهم “عائلة البسام”، ويوجد شارع عبد الرحمن أيضاً، والذي ينتسب إلى تاجر الخيول النجدي “عبد الرحمن المنيع”، فهو موضوع للبحث والتوثيق. ويقع قرب هذا الشارع “مطعم سنترال” في حي بهندي بازار، والذي كان معروفاً قبل استقلال الهند بمجلس التجار العرب ومقهاهم، وكان التجار العرب يرتادونه فيه، ويجلسون فيه، ويحتسون القهوة، ويتحدثون، ويسمرون فيه. وفيما يتعلق بشارع سوتر شاول، فهذا الشارع يُعدّ سوقاً شهيراً للقطن والأقمشة، وكان فيه بعض الدكاكين للتجار العرب أيضاً، وبجانبه “زاويري بازار”، الذي كان يعرف آنذاك، بـ “موتي بازار”، فهذا السوق كان مقراً لتجار اللؤلؤ والمجوهرات من الجزيرة العربية والخليج العربي. ونال هؤلاء التجار صيتاً طيباً بين سكان مومباي، وأسّس بعض التجار منهم شركة النقل البحري مقابل شركة النقل الإنجليزية أيضاً في مومباي. الفروسية في مومباي تاريخ الفروسيّة في مومباي مرتبط بتاريخ تجار الخيول العرب، ومن أبرزهم: عبد الرحمن المنيع، وعيسى القرطاس، والشيخ إبراهيم بن علي، وغيرهم في الهند، واحتلّوا مكانة مرموقة بين الأوساط التجارية. كما كان لهم نفوذ قوي بين التجار المحليين والأجانب تجاريّاً واقتصاديّاً. وقد أنشا عبد الرحمن المنيع مع التجار العرب أسطبلات للخيول في حي “بِهنْدِيْ بَازَارْ” بمدينة مومباي، وإذا ألقى الباحث نظرة دقيقة على صفحات تاريخ الفروسية في الهند، وجد أن تجار الخيول العرب قد شجّعوها، وعزّزوها، ثم اشتهرت هذه الفروسية في الهند والدول الأوروبية، ويشهد عليها تاريخ الألعاب الهندية والاستعمارية، وبدأ عشاقها يتدفقون إلى المشاركة فيها، فازدادت أهمية الخيول العربية في الهند، ولاسيّما في مومباي، وفازت الخيول النجدية فيها بكأس الفروسية مرات، وخُصص ميدان للفروسية في مومباي، والذي يعرف الآن بـ “ميدان مَهَالَاكْشِمِيْ”. وفي حوالي عام 1880م، نقل مسار السباق إلى هذا الميدان من “بَائيْ كُولَا”، التي كانت أشهر سوق للخيول العربية في مومباي. ومن أهم المؤيدين لها كانوا السادة العرب، وبعضهم كانوا يمتلكمون خيولاً فخمة للسباق، وقد يمكن مشاهدة خمس مئة وست مئة خيل تتدرب، وتعدو في هذا الميدان في ذلك الزمن، فأصبحت مومباي مقراً رئيسياً للسباق العربي، وقامت بلدية مومباي بإنشاء تمثال صخري للخيل الأسود باسم (كَالَا كُوْرَا) عند تقاطع الطريق في قلب مومباي رمزاً لثقافة الفروسية وذكراها. وقد نال الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله عند زيارته للهند استقبالاً حاراً في هذا الميدان بحضور الشخصيات الهندية والعربية؛ وأبرزها كبير وزراء ولاية مَاهَارَاشْتَرَا. زرتُ مسجد مومباي الجامع، الذي وُضع حجر أساسه في عام 1775م، على بركة القاضي حسين بلوكر، واستمرت عملية البناء، حتى عام 1802م، وسُمي هذا المسجد بـ “سفينة الآخرة”، وأنشئت أيضاً المدرسة الإسلاميّة فيه باسم “المدرسة المحمدية” على أساس فكرة الناخوذا محمد علي روكي، التي تعرف الآن بـ المدرسة المحمدية الثانوية في بهندي بازار، ثم أنشئت المكتبة ملاحقة بهذه المدرسة على الطابق الأعلى لهذا المسجد، فرأيتُها، واستفدتُ منها ما استفدتُ، ويبلغ فيها عدد المخطوطات 1000 مخطوط، وتُعدّ هذه الخزانة من الخزائن النفيسة، التي قلّما اطلع عليها أحد، ويخدمها الشيخ عبد المتين البستوي، بقيادة المفتي أشفاق القاضي وإشرافه، والذي يدير أيضاً مركز الإرشاد والتوجيه الأسري باسم “الأسرة أولاً” في هذا المسجد، وهو ذو خلق ودود ورفيع، وأخذني معه في جولة علميّة للمسجد، والمكتبة، ومركزه. كما زرتُ أرشيف مهاراشترا، الذي يقع في داخل كلية إلفينستون بجنوب مومباي. وأنشئ هذا الأرشيف في أغسطس 1821م؛ لتلقي وإيداع سجلات مكتب السكرتير، والمكاتب الأخرى في مدينة الرئاسة. وتجدر الإشارة هنا، أن السيد ويليام ويسنكرافت كان أول أمين للسجلات في هذا المكتب، ويرجع تاريخ هذه السجلات إلى الفترة من 1630 إلى 1955، والتي تحمل في طياتها كمية هائلة من الوقائع المهمة عن الحجاز، والجزيرة العربية، والخليج العربي، والبلاد المطلّة على البحر الأحمر، والمحيط الهندي، والملفات الوثائقية أيضاً. وتحوي بعض الملفات قصاصات من الصحف الهندية الصادرة باللغات المختلفة، وعلى رأسها “تايمز أوف إنديا”. وتوجد فيها معلومات قيّمة عن الجزيرة العربية، وشخصياتها، وتجارتها. لا يمكن الاستغناء عنه لأي بحث جديّ حول تاريخ الهند والجزيرة العربية، إذ أنه يعتبر مصدراً مهماً لا يقدر بثمن؛ للمؤرخين والباحثين من جنوب آسيا وعالم المحيط الهندي الأوسع. وهو مستودع كبير لتاريخ المحيط الهندي، تصفحتُ بعض الوثائق المهمّة، التي تتعلق بـ”تاريخ الجزيرة العربية”، ووجدت فيها ذكر محمد المشاري، ومقبل الذكير، والتجار العرب الآخرين، مع ذكر عناوين مكاتبهم، وأسماء البنوك، التي كانوا يتعاملون معها، إلى جانب أسماء شركاتهم، وأنواع تجارتهم، وغيرها. ولا شك في أن هذه المستودعات الأرشيفية تعدّ إرثاً مهماً وثروةً وطنيةً عظيمةً للماضي. مكتبة المجتمع الآسيوي في مومباي أسس المجتمعَ الآسيويَّ في مومباي السير جيمس ماكينتوس، الذي كان مسجلاً أو قاضياً لدى الملك البريطاني بمومباي، وهو مخزن للفنون الشرقية، والعلوم، والآداب، ويحتضن أيضاً أكثر من 3000 مخطوط باللغات السنسكريتية، والعربية، والفارسية، والأردية، والبراكريتية، التي جمعت من مختلف أنحاء الهند، ونيبال، وتتعلق المخطوطات باللغة وعلم اللغة، والطب، وعلم النجوم، وغيرها. كما توجد فيها الرسوم، ونماذج الخط العربي، وأكثر من 15000 كتاب نادر جداً، يتعلق بعلم الأنساب، والرحلات، والفنون والآداب المختلفة، و250 ألف كتاب، والصحف، والجرائد القديمة النادرة. مكتبة كريمي أنشأت مجموعة مختارة من المسلمين المنظمة الإسلامية التي تعرف بـ “أَنْجُمَنِ إِسْلَامْ” في عام 1874م، كما أُسست مكتبة تحت إشرافها باسم “مكتبة كريمي”، التي تحتضن أكثر من 50 ألفاً من الكتب النادرة باللغات العربية، والفارسية، والأردية، والسنسكريتية، والمليبارية، وعدد لا بأس به من المخطوطات. وكذلك توجد فيها نسخ الجرائد والصحف الصادرة باللغات المختلفة، التي كانت تصدر قبل استقلال الهند بشكل خاص. نزل سابو صديق قبل افتتاح نزل سابو صديق المعروف بـ “سابو صديق مُسافِرْخَانَةْ” رسمياً في عام 1912، كان الحجاج في شبه القارة الهندية - من دكا إلى دلهي - ينصبون خياماً بالقرب من ميناء مومباي، وينتظرون السفن التي ستقلهم إلى جدة ثم العودة منها. وهكذا فقد عانوا من مشاق كبيرة، إلى جانب كونهم عرضة للإصابة بالأمراض. فكان إنشاء نزل لائق حاجة الساعة، فتبرع محمد حاج سابو صديق بمبلغ 5 آلاف روبية، وكان مبلغاً كبيراً آنذاك، وقام الحاكم إذّاك جورج سيدنيهم كلارك بوضع حجر الأساس للمبنى، في عام 1909م. فمن الممكن القول، بأنه لا يمكن أن يكمل تاريخ مومباي دون ذكر نزل بابو صديق، الذي أنشئ قبل قرن؛ بصفته داراً للضيافة للحجاج الهنود، الذين كانوا يتوافدون إلى مدينة مومباي من مختلف أصقاع الهند. فعمل هذا النزل منزلاً لقاصدي الحج لمدة قرن. وله تاريخ مجيد، يستحق بأن يكتب عنه؛ لكي يبرز دوره في خدمة الحج والحجاج في الهند. وكان يطلق عليه ذات مرة “بوابة مكة”. لكن اليوم، الأجيال الناشئة تمر عبر البوابات القديمة المقوسة لهذا الهيكل التراثي في سوق كروفورد، لكنها لا تدرك تراثه وأهميته التاريخية. فقبل أن تفتح لجنة الحج أبوابها لقاصدي الحج في منتصف التسعينيات، استضاف هذا النزل المكون من أربعة طوابق، القاصدين من جميع أنحاء البلاد. ومرّ على هذا المبنى الشهير 114 عاماً من عمره، ويتألف من 89 غرفة، ومسجداً في الطابق الأرضي، ففي عصرنا الحاضر، ولاسيما منذ عام 1995، أوقفت الحكومة الهندية قوافل الحج بحراً من الهند كاملاً، فنظراً إلى ذلك، لم يعد يسافر أي حاج هندي بحراً، فتأثر منه هذا النزل حيث لم يعد موطئ أقدام الحجاج الذين كانوا يأتون إليه فرداً وجماعة، فأصبح الآن ملاذاً للمرضى، الذين يبحثون عن العلاج في مومباي، ولعدد قليل من قاصدي الحج والعمرة. وعلاوة عن ذلك، يُستخدم هذا المبنى إلى حد كبير كنزل، ومدرسة، ومركز للدورات المهنية. وخلال إقامتي في مومباي، ذهبتُ إلى مقر جمعية الخلافة الهندية، الذي يعرف بـ “خلافت هاؤس”، وكانت لمؤسسيها صلات قوية مع حكام الجزيرة العربية، وشخصياتها، وفيه مكتبة قديمة كانت مغلقة، ولكنني قد سمعتُ أنّها تخزن الوثائق، والرسائل، والكتابات المهمة، المعنية بالقادة العرب، وحُولتْ جميعة الخلافة إلى كليّة الخلافة التعليمية، كما رأيتُ مجمع الصباح، ومجمع الجبرية، اللذين كانا ملكاً لأسرة الكويت الحاكمة في طريق ميرين درايف الذي يعرف باسم “قلادة الملكة”، ويسير بمحاذاة ساحل بحر العرب، من نقطة ناريمان صعوداً إلى تل “مالابار”. الخاتمة زرت حاليّاً مدينة مومباي التي مازالت تحتضن فصلاً مهماً من تاريخ الجزيرة العربية الاقتصادي، فتجولتُ في شوارعها المتعددة، التي كانت مشهورة لمقار التجار العرب ومساكنها مثل: بهندي بازار، وشارع محمد علي، وشارع العرب، وشارع عبد الرحمن، وشارع ناغ ديفي، وغيرها. والتقطت بعض الصور لمساكنهم، ومكاتبهم، لكن بدأت الآن هذه المباني القديمة تتغير وتتحول إلى الأبراج السكنية الجديدة، ذات ٥٠ طابقاً، والتي تقوم بتطويرها شركة طائفة بوهرا، وتسميها بالأسماء العربية، مثل “برج السعادة”، و”برج النصر”، وغيرهما. وستقوم هذه الشركة ببناء 11 برجاً في سوق بهندي بازار، وما يجاورها من المناطق. فهناك حاجة ملحة لتوثيق تلك الأماكن، التي كانت في حوزة التجار العرب، قبل أن يتغير وضع المنطقة عمرانيّاً. فحان الوقت قبل أن يفوت الأوان، أن نفكّر في توثيق هذه المساكن والمقار، التي كانت في مِلك التجار العرب حيث أن وجودهم فصل مشرق في تاريخ الصلات الهندية – العربية، ولا يمكن ذكر تاريخ مومباي دون ذكرهم تجارياً واقتصادياً، وبالأخص في العهد الاستعماري البريطاني، حيث يجب علينا أن نتذكر دورهم الملحوظ في تعزيز الصلات بين الجانبين، حتى لا يصير تاريخهم في طي النسيان.