الرئيس التنفيذي يتحدث عن مشاريع لإعادة العلاقة بين الثقافة والمجتمع..

د. عبدالرحمن العاصم: هيئة المكتبات ليست بنية تحتية فقط، بل رؤية ثقافية للمستقبل.

يعد الدكتور عبدالرحمن العاصم واحدًا من أبرز الشخصيات التي تقود العمل الثقافي في المملكة، وهو يحقق حاليًا نجاحات متتالية من خلال المشاريع المبتكرة التي تنهض بها هيئة المكتبات، التي يشغل منصب رئاستها التنفيذية منذ إنشائها في العام 2020. وقد عُرف العاصم في الساحة الثقافية بوصفه قامة أكاديمية وإدارية بارزة، جمع بين الخبرة العلمية والقيادية في مجالات إدارة المعلومات والثقافة. وقاد مبادرات ثقافية كبرى، وأشرف على معارض الكتاب الدولية، وأسهم في تطوير البنية المعرفية للمؤسسات التي عمل بها، مما جعله أحد الأسماء المؤثرة في المشهد الثقافي السعودي. في هذا الحوار الخاص مع اليمامة، يتحدث العاصم بعد افتتاح ثلاثة بيوت ثقافية جديدة في كل من الرياض وجازان ونجران، كاشفا عن شراكات واعدة مع وزارة التعليم، من أبرزها مشروع “نجم القراءة” الموجه لطلاب المرحلة الابتدائية، بهدف تعزيز العادات القرائية ورفع مستوى الفهم القرائي. ويؤكد أن المكتبة الرقمية الوطنية ستكون حاضرة ضمن المكتبات المدرسية، كاشفًا عن انطلاق تجربة أولية لتطويرها بمفهوم حديث في أربع مدارس بالرياض، تمهيدًا لتعميمها مستقبلًا. كما نتناول معه المكتبة الرقمية الوطنية التي دشّنتها الهيئة مؤخرًا بوصفها مشروعًا طموحًا يعيد تعريف الوصول إلى المعرفة، ونتوقف عند مشروع “بيوت الثقافة” الذي يُعوّل عليه كثيرون في إحداث حراك ثقافي نوعي خلال المرحلة المقبلة.  البيت الثقافي الرقمي *يبدو أن المكتبة الرقمية التي تم تدشينها في مؤتمر ومعرض ليب 2025 تُعد المشروع السعودي الأول من نوعه، إذ تتجاوز حدود المكتبة الرقمية الأكاديمية ذات التأثير المحدود لتستهدف كافة شرائح المجتمع. فكيف ترى تأثير هذا المشروع في إثراء التجربة الثقافية العامة؟   -عملنا على تطوير مفهوم المكتبات العامة التقليدي باعتبارها بيوتاً ثقافية تقدم خدمات إضافية، ونوعية تتماشى مع التطورات الجارية، وتطلعات المستفيدين. والمكتبة الرقمية تُعد المنصة الأولى على مستوى المملكة، وقد تكون الأولى كذلك على مستوى الشرق الأوسط التي تقدم خدمات نوعية تُلبي جميع احتياجات خدمات المكتبات، فمن مفهومنا في الهيئة ننظر إليها بوصفها بيتاً ثقافياً رقمي يمكن من خلالها الوصول إلى مصادر المعلومات الرقمية أو التقليدية، وإصدار العضويات. أيضاً، يمكن الوصول لمصادر التعلم، وحضور الفعاليات والبرامج وورش العمل بشكل الكترونياً. وباستخدام التقنيات الحديثة يمكن تخصيص واجهات المستخدمين بحسب الفئات العمرية. فيمكن تخصيصها للأطفال، وهذه نقطة مهمة جداً. حيث يمكن لرب الأسرة إنشاء حسابات لأطفاله ليستمتعوا بكتب الأطفال المتاحة، والخدمات بواجهات مصممة للأطفال. ومن المهم الإشارة إلى تكامل البيت الثقافي الرقمي مع بقية منتجات الهيئة الأخرى “كمسموع”، “ومناول”، و “رف”. وبيوت الثقافة. وبشكل عام، هو مشروع نوعي أطلقناه في مؤتمر ومعرض “ليب 25”، ونتطلع أن يكون له حضور قوي في المشهد الثقافي، والتعليمي، والاجتماعي السعودي.  افتتاح ثلاثة بيوت ثقافية جديدة *إذن، لن تكون المكتبة الرقمية مجرد وصول لمصادر المعلومات، بل ستركز على صناعة مجتمع تفاعلي يتكامل مع بيوت الثقافة؟ -نعم، هي ليست مجرد وصول للمعرفة، بل منصة ثقافية تفاعلية. والوصول لمصادر المعلومات الرقمية أو التقليدية أهم خدماتها بالتأكيد. وخلال الخمسة أشهر الماضية، تم افتتاح ستة بيوت ثقافية جديدة في الرياض وجيزان ونجران وحائل وبريدة وسكاكا ليصبح عدد البيوت الثقافية في المملكة ثمانية. حيث تم افتتاح أول بيتين ثقافية في عام 2023 في الدمام واحد رفيدة. والمكتبة الرقمية تتيح التسجيل في الفعاليات والانشطة والبرامج المُقدمة في البيوت الثقافية والحصول على شهادات الحضور والمشاركة، وحجز المساحات سواء للأفراد أو للمؤسسات. فهي منصة متكاملة، وكما ذكرت، هي مجتمع وبيت ثقافي رقمي.  *يبدو أن إطلاق المكتبة جاء قبل اكتمال محتواها وهويتها…  -مشاريع التحول الرقمي لخدمات المكتبات حاضرة منذ بداية تأسيس الهيئة وأحد مستهدفاتها، واجهتنا جائحة كورونا في البداية، لكنها كانت فرصة لإعادة ترتيب أولوياتنا ودراسة استراتيجية المكتبة الرقمية بشكل أعمق لتقديم خدمات مستدامة تحت أية ظروف، ومن ثم بدأنا في التنفيذ. وطبيعة المنتجات الرقمية انها في عملية تحسين وتطوير مستمرة. وكنظام المنصة مكتملة المحتوى والهوية سواء كموقع الكتروني أو تطبيق على متاجر التطبيقات الإلكترونية. أما بالنسبة لمصادر المعلومات فيتم تحديثها بشكل مستمر بناء على توجهات المستفيدين.  نتابع التفاصيل ولدينا احصائيات دقيقة *في الفترة القصيرة الماضية منذ إطلاق البيت الثقافي الرقمي، هل تعرفتم على توجهات المستفيدين؟ -نحن حالياً في مرحلة التعرف على توجهات المستفيدين وميولهم القرائيه وسلوكياتهم في البحث والتفاعل مع المعلومات. كما تعلم، أطلقناها مؤخراً. ومع ذلك، نستطيع أن نقول إن أكثر من 60% من الطلب على مصادر المعرفة في بيوت الثقافة لكتب الأدب والروايات. لدينا إحصائيات دقيقة حول عدد الزيارات، معدل تكرارها، الفئات العمرية، والبرامج التي يفضلها المستفيدون. لكن هذه الإحصائيات تم جمعها بعد سنة من عمل بيوت الثقافة. بالنسبة للمكتبة الرقمية، سيكون الأمر أسهل لأن العملية محوكمة ومؤتمتة، وسنحصل على تقارير ربعية ترصد الزيارات، والعضويات، وحركة التداول، وحضور الفعاليات، ومشاركة الفئات العمرية المختلفة.  مشروع “نجم القراءة” *دعنا نتحدث عن علاقتكم مع المؤسسات التعليمية. هل ستكون المكتبة الرقمية داعماً ومصدراً من مصادر التعلم في هذه المؤسسات؟ -بكل تأكيد. هذا أحد المشاريع التي عملنا عليها بالتعاون مع وزارة التعليم. لدينا عدة مشاريع مشتركة، أبرزها مشروع “نجم القراءة”، وهو منصة إلكترونية موجهة لطلاب المرحلة الابتدائية في المرحلة الأولى لتعزيز العادات القرائية، ورفع مستوى الفهم القرائي. المكتبة الرقمية ستكون حاضرة في المدارس، ونعمل حالياً مع وزارة التعليم على مشروع طموح لإعادة تأهيل وتطوير المكتبات المدرسية بالمفهوم الحديث، حيث سنبدأ بتجربة في أربع مكتبات مدرسية في مدينة الرياض لفهم أعمق للمتطلبات وآلية التنفيذ.  منظومة الثقافة تعمل بشكل متكامل *ماذا عن خطوط التلاقي بين المكتبة الرقمية وبرامج الهيئات الأخرى اللي تعمل بالتوازي مع هيئة المكتبات؟ -اليوم، منظومة الثقافة تحت قيادة سمو وزير الثقافة تعمل بشكل متكامل. فجميع الهيئات والكيانات الثقافية لديهم مشاريع توثيقية وحصر ودراسات وأبحاث، ويوجد مواءمات مع الجميع في مشاريعهم المعرفية كهيئة فنون الطهي حول موسوعة الأطباق السعودية، وهيئة الموسيقى حول أرشيف الفن السعودي، وهيئة المسرح والفنون الأدائية حول مشاريع الأرشفة. والمكتبة الرقمية ستكون حاضنة لهذه المصادر الثقافية، بالإضافة إلى التكامل مع المؤسسات المعلوماتية الأخرى في المملكة.  لا تجاوزات في الملكية الفكرية *كثير من مشاريع إتاحة المحتوى العربي التي أطلقتها مؤسسات أو أفراد لم تراعِ حقوق الملكية الفكرية، مما أثر سلباً على حقوق المؤلفين والناشرين. كيف تضمنون في المكتبة الرقمية الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية ضمن خططكم لإثراء المحتوى العربي؟ -تُعد المملكة العربية السعودية من أبرز الدول عالمياً في سعيها لحماية مختلف مجالات الملكية الفكرية، ويؤكد ذلك إنشاء هيئة مستقلة تعنى بهذا المجال، وهي “الهيئة السعودية للملكية الفكرية”، ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030. وفيما يتعلق بضمان خلو المصنفات المتداولة عبر المكتبة الرقمية من أي انتهاك لحقوق المؤلف، نؤكد إلى أن جميع المصنفات المعروضة مرخصة من أصحاب الحقوق، سواء كانوا الناشرين أو المؤلفين أنفسهم أو غيرهم من ذوي الصلة. كما تلتزم هيئة المكتبات، ومنظومة وزارة الثقافة بشكل عام، بكافة الأنظمة والتشريعات المعمول بها لحماية حقوق الملكية الفكرية.  مشاريع الهيئة مطلوبة عربيا *تحدثت يا دكتور عن التوجهات المحلية للمكتبة، فهل هناك خطط مستقبلية لتوسيع نطاقها لتصبح منصة تخدم العالم العربي؟ -من الأشياء التي نفخر بها في هيئة المكتبات اليوم أن مشاريع الهيئة أصبحت محل طلب لكثير من الدول. تصلنا اتصالات من كثير من الدول الشقيقة والصديقة لفهم أكبر لتجربتنا في هيئة المكتبات، وقدمنا ورش عمل وندوات في مؤتمرات دولية عن مبادرات ومشاريع الهيئة. وقد يكون آخر مؤتمر شاركت فيه الهيئة بدعوة كريمة من حكومة دبي، وهو مؤتمر دبي الدولي للمكتبات، حيث شاركنا في جلسة حوارية باستعراض تجارب هيئة المكتبات سواء مشروع بيوت الثقافة أو مشاريع المنتجات الرقمية. أيضاً، تصلنا طلبات من كثير من المؤسسات المهتمة بقطاع المكتبات بمشاركة بعض الملفات التي تم العمل عليها. هذا مؤشر بأننا نسير في الطريق الصحيح.  الحضور للبيت الثقافي عادة وليست موسمياً *فلننتقل إلى أحد المشاريع البارزة لهيئة المكتبات، وهو مشروع بيوت الثقافة. كيف تقيّمون حضور هذه البيوت في اطلالتها الأولى على الساحة الثقافية المحلية؟ -أعتقد أنها تجربة ملهمة في أكثر من جانب. إذا أخذناها بلغة الأرقام، فإن عدد زوار المكتبات العامة في المملكة مجتمعة، وعددها 84 مكتبة في عام 2017، بلغ خمسة وخمسين ألف زائر. بينما عدد زوار بيت الثقافة في الدمام وأحد رفيدة ومؤخراً في بريدة وحائل وسكاكا وجيزان والرياض ونجران بلغ أكثر من 300 ألفاً زائر. اليوم، نتكلم عن رقم كبير جداً، ونطمح هذه السنة أن نصل إلى المليون زائر مع افتتاح المزيد من البيوت الثقافية. هذا على مستوى الزيارات. أما فيما يتعلق بنسبة تكرار الزيارات، فقد وصلنا تقريباً إلى نسبة 48%. أي أن 48% من الذين يحضرون للبيت الثقافي هم أشخاص سبق لهم الحضور مرة أو مرتين أو ثلاث مرات. وهذا الأمر يُعد من ضمن أهم المؤشرات التي نسعى لتحقيقها، وهي أن يكون الحضور للبيت الثقافي عادة وليس زيارات موسمية. لا نهدف إلى أن تأتي للبيت الثقافي لحضور حفلة أو مناسبة أو فعالية معينة، ولكننا نطمح أن يكون البيت الثقافي مكاناً يزوره الناس بشكل مستمر للمتعة الثقافية والاجتماعية. وهذا، والحمد لله، يتحقق. وفي قطاع الفعاليات، فقد تم تنظيم أكثر من الفين وخمسمائة نشاط وفعالية داخل البيوت الثقافية، وهذه تتجاوز المتوسط العالمي لأفضل التجارب الدولية. حضر هذه الفعاليات أكثر من ثلاثين ألفا في فعاليات وأنشطة متنوعة، شملت: تنمية المهارات الثقافية، وفي التعليم وتنمية القدرات البشرية. بالإضافة إلى البرامج المتعلقة بالتوجهات الحديثة، كالأمن السيبراني، والذكاء الاصطناعي، وتطبيقات الحاسب الآلي، وتعزيز العادات القرائية، والبرامج والنشطة الموجهة للأطفال واليافعين. استفاد من هذه الانشطة والفعاليات أكثر من 28 ألفاً. وهناك نقطة مهمة جداً وهي أن بيوت الثقافة عززت من فرص العمل التطوعي. اليوم، يمكن أن نقول إنها من الجهات الثقافية الأولى التي أوجدت لها حساباً على منصة العمل التطوعي، وهي أتاحت الاستمتاع بتقديم تجربة تطوعية داخل بيوت الثقافة. وقد حققنا فيها أكثر من 71.600 ساعة عمل تطوعية. نعتقد أنها تجربة جميلة جداً، والطلب ما زال عالياً على التطوع. أيضاً، فيما يتعلق تعزيز الأثر أو تعظيم الأثر الاقتصادي والاجتماعي للبيوت الثقافية. اليوم، لدينا دراستين نقوم بإجرائهما في الدمام وفي أحد رفيدة. الدراسة الأولى معنية بالأثر الاجتماعي، خاصة فيما يتعلق بالتعليم، بالشراكة مع وزارة التعليم. لمعرفة مدى تأثير وجود البيت الثقافي على طلاب المرحلة الابتدائية في تعزيز وتنمية المهارات الثقافية، العادات القرائية ورفع مستوى الفهم القرائي. وفي نفس الوقت، نعمل على مشروع آخر يتعلق بالأثر الاقتصادي الخاص بدعم ريادة الأعمال. بمعنى، هل بيت الثقافة الموجود في أحد رفيدة والدمام، والموجود الآن في سكاكا وبريدة وحائل، ونجران وجيزان والرياض يساهم في ريادة الأعمال وتطوير المهارات لدى الأفراد، وبالتالي خلق فرص عمل؟ اليوم، لابد أن يكون هناك أثر اجتماعي، والأثر الاجتماعي ينصب على الأثر التعليمي وأثر جودة الحياة. وأثر اقتصادي، سواء كان مباشراً بخلق فرص العمل لدى الجهات التي تعمل معك في التوريد والإنشاء، أو الأثر الاقتصادي غير المباشر، كما في ريادة الأعمال وتطوير الأعمال. وهذا، طبعاً، دور حيوي للمكتبات وبيوت الثقافة. الدراسات في الولايات المتحدة الأمريكية تقول إنه تقريباً 56% من المؤسسات التي تم بحثها أشارت إلى أنها استفادت من المكتبات العامة في تطوير منتجاتهم، سواء كانت خدمة أو منتج. وفي دراسة حديثة في المملكة المتحدة، المكتبات العامة في إنجلترا منذ نهاية جائحة كورونا إلى نهاية 2023 قامت بدعم أكثر من 42,600 رائد أعمال. ونطمح إلى أن يكون لنا أثر في هذا الجانب.  البيت الثقافي أصبح لاعباً رئيسياً *يعول كثير من المثقفين على بيوت الثقافة بوصفها مشروعاً واعداً سيحدث تحولاً في المشهد الثقافي المحلي. كيف تنظرون إلى هذه التطلعات؟ -بثقة تامة بيوت الثقافة أحدثت تغييراً كبيراً على مستوى النشاط الثقافي، سواء في استضافة الشخصيات المهمة، أو في إقامة المعارض والانشطة والفعاليات. وإذا تكلمنا عن إثراء المشهد الثقافي، فلك أن تتخيل أننا أقمنا في أحد رفيدة معرض للمخطوطات والمسكوكات، وعُرض في المعرض عملة تاريخية مسكوكة في المنطقة الجنوبية في المملكة. فانظر إلى الامتداد التاريخي، وكونك من أبناء المنطقة وترى هذه العملة التي سُكت في منطقتك في أحد العصور الإسلامية، أعتقد أن هذا شيء جميل جداً. وعلى مستوى بقية المناطق، اليوم البيت الثقافي هناك أصبح لاعباً رئيسياً، ويعتبر من المرافق المهمة، وهو شريك في كثير من البرامج سواء مع أمارات المناطق أو الامانات وغيرها من المؤسسات الحكومية والخاصة والغير ربحية.  نتقاطع مع برامج الرؤية *هذا يعني أن بيوت الثقافة ستكون إحدى مهامه إبراز التراث المحلي وكتابة الذاكرة الثقافية للمنطقة… -تماماً، ونحن مهتمون بذلك. نحن نرصد ما يكتب عن بيوت الثقافة في منصات التواصل الاجتماعي، سواء كانت مقاطع فيديو أو كتابات نصية أو صوتية، وأيضاً ما يُدون في بعض التعليقات في بعض التطبيقات مثل خرائط جوجل وغيرها. ونسعد بمشاهدة ردود فعل ايجابية. في هيئة المكتبات نتقاطع مع برامج الرؤية في أهم برنامجين، وهما برنامج جودة الحياة وبرنامج تنمية القدرات البشرية. بيوت الثقافة تُساهم في تنمية القدرات البشرية بتوفير منصات تُمكن من الوصول إلى المعرفة ومشاركتها، وجودة الحياة بوجود منصات تشاركية تفاعلية تذهب لها الأسرة وتستمتع بالفعاليات والأنشطة. وكما ذكرت، فنحن لا نستهدف فقط الزيارات الموسمية. هدفنا أن تصبح زيارة البيت من ضمن الجدول اليومي. حاولنا أن نقدم في البيت الثقافي “تجربة زيارة”. لا نتكلم عن زيارة فقط، ولكن عن تجربة زيارة، بدءاً من التجهيزات، والتصاميم، والخدمات. جمعنا ما بين الخدمات التقليدية والخدمات الرقمية.  أشياء نوعية تتحقق الآن *مع حداثة تجربة بيوت الثقافة، ما هي رؤيتكم لمستقبلها في ظل الحملات الإعلامية والترويجية التي أطلقتها الهيئة، وما الذي يجعلها مؤهلة لتكون المنصة الأبرز للوصول إلى الجمهور؟ -البيت الثقافي الرقمي لم يمر على إطلاقه سوى وقت قصير، وبدأنا بالحملات الإعلامية والحملات التعريفية والترويجية للبيت الثقافي الرقمي. ونتوقع أن يكون البيت الثقافي الرقمي المنصة الأولى في الوصول للمعرفة والمشاركة الثقافية. نؤمن تماماً أن ثمة أشياء نوعية تتحقق الآن. أما بالنسبة للبيوت الثقافية فالأرقام تتحدث عن نجاح كبير. *كيف يمكن لبيوت الثقافة أن تترجم اهتمام القيادة بتكريس الهوية الثقافية وتساند الجهود المبذولة في هذا السياق؟ -سمو سيدي ولي العهد مهتم كثيراً بالثقافة، وبتعزيز الهوية الثقافية السعودية. في كل ظهور إعلامي لسمو ولي العهد، هناك ما يوحي بهذا الاهتمام، سواء في الأعمال الفنية الموجودة في مكتب سموه، أو حتى المراسم المرافقة لاستقبالات الضيوف. الثقافة السعودية حاضرة دائماً مع سموه، وهذا الأمر يشكل دعم كبير لنا في المؤسسات الثقافية للعمل بشكل مستمر لتحقيق هذه التطلعات وهذا الطموح الذي سيخدم أفراد المجتمع. والذي نسعى من خلاله أن يكون لنا في هيئة المكتبات ولمنظومة الثقافة بشكل عام أثر كبير. وأعتقد أن المنظومة الثقافية كلها نجحت في ذلك. يمكن أن أعطيك مثلاً بسيطاً لذلك. اليوم، نحن نتكلم عن الأكلات الشعبية السعودية، والتي أصبحت حاضرة في أغلب المناسبات. وكل هذا خلفه جهود هيئة فنون الطهي. اليوم، لو سألت عن أشهر الأكلات الشعبية في حائل، ستجد الإجابة. وهذا ينسحب على جميع الأكلات الشعبية في مناطق المملكة. وكل هذا يكرس الهوية الثقافية السعودية والارتباط بها، وإعادة إحياء هذا التراث العريض والممتد لمئات السنين. أعتقد أنه نجاح كبير لمنظومة الثقافة.  مشاريع توثيق الثقافة السعودية *وماذا عن إسهام بيوت الثقافة في تكامل جهود وزارة الثقافة لتوثيق التراث المحلي وحفظ الثقافة السعودية؟ -هناك مشاريع كثيرة تعمل عليها الوزارة تهدف في مجملها لتوثق الثقافة السعودية، وحفظ الأرشيف الثقافي السعودي، وتعزيز الهوية الوطنية. وهذه الجهود تشمل التشريعات والسياسات. كتواجد الأعمال السعودية، سواء كانت فنون بصرية أو حتى حرف يدوية، في الفنادق وفي المطارات والميادين العامة، أعتقد أن هذه جزء من الصورة التي تعمل الوزارة على رسمها. كلنا نستمتع اليوم برؤية الفنون في الأماكن العامة، حتى أنواع الخطوط نجدها في الشوارع والكباري والأنفاق. أيضاً، تفاعل المملكة مع الأيام العالمية أخذ طابعاً مختلفاً. اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، اليوم العالمي للحرف اليدوي، اليوم العالمي للأزياء. المملكة أصبحت بالفعل مساهمة في الثقافة العالمية. ولاننسى الأعوام الثقافية السعودية وما يصاحبها من تفعيلات وبرامج وأنشطة.  التراث الثقافي المحلي للمناطق *هل البيوت معنية بإبراز التراث الثقافي المحلي، خاصةً فيما يتعلق بالمؤلفين الذين لم ينالوا نصيباً من الاهتمام؟ -هذا الموضوع محل اهتمامنا بالفعل. اليوم، واحد ادوار بيوت الثقافة في المحافظة وابراز تاريخ وثقافة المجتمع. في بيوت الثقافة قسم خاص بمؤلفات أبناء المنطقة. وتقدم انشطة وبرامج عن تاريخ المجتمع سواء باستضافة الشخصيات الثقافية أو المؤثرين، وتقديم ورش وبرامج في الحرف اليدوية للمجتمع. وخلال الفترة الماضية ساهمت معنا عدد من الشخصيات في تفعيلات بيوت الثقافة، ونتطلع للمزيد بالشراكة مع المؤسسات والافراد في اثراء تجربة الزائر وتعظيم أثر بيوت الثقافة.  بيت الثقافة بحائل سينظم سبعمائة فعالية *ما هي رؤيتك لدور المجتمع المحلي ووسائل الإعلام في تعزيز نجاح بيوت الثقافة؟ -مشروع بيوت الثقافة هو مشروع الجميع والكل مساهم في نجاحه هيئة المكتبات، المؤسسات الحكومية والخاصة والغير ربحية والافراد. نجاح بيت الثقافة في حائل والمفتتح حديثاً في الربع الأول من 2025 يحقق نجاحات ملموسة حيث بلغ عدد زواره أكثر من 20 ألفا، وقدم فيه أكثر من 200 نشاط بحضور تجاوز السبعة الاف. ساهم في ادارة اعماله أكثر من 80 متطوع ومتطوعة بإجمالي عدد ساعات تطوع بلغت أكثر من 1500 ساعة عمل تطوعية. جميع هذه الانشطة والبرامج واتاحة الوصول للمعرفة سينعكس اقتصادياً واجتماعياً على المنطقة.