افتتاح معرض «شقاء الروح» في غاليري آرام للفنون الرياض..
التشكيلي أحمد فلمبان: وظيفة اللوحة تنبثق من نقل المعاناة الإنسانية.
كم من المدهش أن يتألق الفنان القدير أحمد فلمبان مع كلّ إنجازٍ فنّي ينجزه، اذ أنه فنان غنيّ عن التعريف وفيه من اللغز الكثير. يوثّق المشهد الفني في المملكة بصمته في التشكيل الذي امتد من إيطاليا وجاب العالم حتى بات موسوعة فنية يُحتذى بها، وتزيد هذه البصمة ثباتاً وعزماً يوماً بعد يوم. يزخر هذا الموسم في المملكة بالفعاليات الفنية والتشكيلية، هذا وقد أثبت الفنّ التشكيلي السعودي رؤيته وتصوراته الفنية إلى العالم، وعليه افتُتح هذا الأسبوع معرض فلمبان الرابع والعشرين الشخصي في غاليري آرام للفنون في الرياض كما جرى توقيع كتابه “حكاية أجيال”. استنبط فلمبان روحيّة العبر من الذات الإنسانية، واستطاع بأسلوبه التعبيري وضع النقاط على حساسية الإنسانية والمخاطر التي تحيطها وملامسة نتائجها. حين نتكلم عن فنّ أحمد فلمبان لا بدّ أن نستذكر روعة ريشته، هو فنان شامل بكل المعايير. “شقاء الروح” هو عنوان المعرض شارك فلمبان من خلاله 28 لوحة فنية بألوان الزيت، ومقاسات موحدة تتناسب مع فكرة المعرض العامة والتي الحالة التي يعكسها. بالتوازي مع أيام المعرض كان لـ”اليمامة” حديث خاص مع الفنان أحمد فلمبان ننقله إليكم فيما يلي. •لما اخترت هذه العنونة للمعرض؟ *هي إرهاصات فنية جالت في خاطري طرحته بمشاهد خيالية، تملك كل شروط المدرسة الفنية ومذاهبها، ولكنها تفتقد إلى تنظيراتها. ربما يجاور الرمزية التلقائية كأشكال وتكوينات وألوان، تتقاطع معها المضامين والمفردات، بخاصية الخيال الفضفاض، لتمنحها آفاقاً مفتوحة على كل الآماد، متخذاً معنى في العقل الباطني، ومرتبطا بما هو ذهني وإيحائي عن كل ما هو واقعي ومباشر، وتعبر عن رؤية تخيلية، وهو ما يسمى “بالرمز الفني” الذي لا يسمي الشيء باسمه، ويُستخدم كوسيلة من وسائل التعبير الفني للمعنى الجمالي. ويُعد إحدى صور التمثيل غير المباشر للحالات النفسية ومعاناتها. •بحسب رأيك، اختلال موازين الشرّ والخير، هي ما سببت هذه الحالات من لا إنسانية؟ *لا شك إن الفنّ التشكيلي ظاهرة إنسانية معقدة ومتشابكة ومتداخلة في أبعادها وخصائصها، وهناك جملة من العوامل التي تؤثر فيه ويتأثر بها ويخضع لها أو يُخضعها له، وهو جهد ذهني عصيب ونتاج فكري راقٍ نشأ ملازماً للإنسان منذ سعيه لكسب رزقه وانخراطه في الحياة العامة، وهو الأبقى والأرقى على مر العصور من أي فكر إنساني آخر؛ فلولا هذا الفن، لما عرفنا التاريخ من أصله، ولما وقفنا على أسرار الحضارة ومسيرة التطور في شتى مراحل الإنسان على هذا الكوكب، وبالنسبة لي، إن الفن ينبع من حياة الناس. “شقاء الروح” نتج عن ظاهرة التنازع والتناحر والاقتتال بين القوى المهيمنة خلال النصف الثاني من هذا القرن بشكل قاس وعنيف، أحدثت الفتنة والتَنابُذ والتمزيق والتقسيم والتشتيت والعداء، وأخضعت المجتمعات الإنسانية - بكل مكوّناتها. •بعد هذه المسيرة الطويلة، إلى ماذا يهدف أحمد فلمبان من لوحاته؟ *أهدف في لوحاتي طرح تلك الردّات والانفعالات مُحلقا في آفاق الفنّ المثيرة، والاستمتاع بالفنّ بكل تجلّياته، أرسم الموضوعات التي تروق لي وبالمقاسات التي تتوافق معها وتناسبها دون الدخول في مساومات المواضيع والمقاسات والأحجام، واللهاث نحو الموضة، أو استلهام مواضيع من زمن لم أعش فيه، ومن بيئة لست منها، أو طرح الأساليب الفنية التي لا تتوافق مع ذاتي ومشاعري، والتي تحد من حريتي، ولا أذعن لطلبات أذواق المتسلطين، أو المشاركة في فعاليات المجاملات وتنفيذ أعمال المقاولات، ولا أوظّف فني من أجل المال أو لإرضاء الأوصياء، أو استخدامه للتباهي، والسعي للألقاب الباذخة، فالذي يهمني في المشاهد، أن يعيش في أجواء اللوحة، ويستخلص منها لما هو خافِ وكامن، ويستنطق خصائصها ويترجم مفرداتها ويتأمل ألوانها، ويستبصر ملامح أبطالها ويستنتج معانيها، وهي صدى آماله وآلامه، ويذكره دائما بالحياة الإنسانية بتنوعاتها وتناقضاتها. •الحالة الإنسانية المعبّرة التي تعكسها لوحاتك من خلال رسمك الملامح، والألوان، والانعكاسات بارزة، كيف يكون التشكيل أداة بوجه كل العقبات التي تواجهنا؟ * باعتقادي أن من وظائف اللوحة، نقل هذه المعطيات الحسيّة والمظاهر المؤلمة ومعاناة الإنسان، لتكون نافذة للمتلقي، لتشعره بالتماثل مع أقسى المصائب التي تواجه الإنسان في الحياة، ويكون شريكاً مع الفنان لعملية الخلق الفنّي، كي يتفاعل الجميع لأجلهم، وليس هناك أبلغ من هذه المقولة “إذا أردت أن تعرف أمة، فإن عليك أن تُطالع آثارها ومتاحفها وفنونها التشكيلية على وجه الخصوص”. فالرسم هو التقاط الحياة العميقة في الطبيعة والهيئات الكامنة فيها والكشف عن إيجابيات وسلبيات هذه الطبيعة وتوجهاتها وآمالها وأحلامها ومعاناتها، فليس المهم ماذا يرسم الفنان، بل ماذا؟ ولماذا؟ •تبدو من لوحاتك متأثراً كثيراً بما يحدث حولنا من شرور وشرذمة، كيف استطعت أن توصل مشاعرك عن كثب عبر اللوحات؟ *هي ترجمة للصور الخيالية إلى حضور عاطفي، بطريقة توحي للمُشاهد - أنه يرى الجمال والرخاء - ولا يرى الشرذمة والشر وحالات البؤس والشقاء، رغم أنها مرسومة، لأن فكرتها رمزيّة، حيث تجتمع الوقائع المؤلمة، في بؤرة الوهج، بعقد الرابط بين المرئي واللامرئي، والمبالغة في الضيق والعوز في أقصى ارتعاشه، مع إسقاط الاهتمام بالناحية الموضوعية، فتصبح كُلّا، وأن البعد في اللوحة يأخذ امتداداً واحداً، بشكل عفويَ مبسط، بطروحات مشغولة بكثير من الانكسارات الضاجة بالحركة وصخب الألوان، والخطوط البارزة، والالتفاتات الحادة، التي تحقق - ملامح العوز والعسر والضنك - وقدرتها الرمزية على القدرة الواقعية في عمق دلالاتها المؤلمة. •هل يمكن أعتبار أن لوحات أحمد فلمبان لا تعبّر سوى عن الواقع؟ *لوحاتي هي الواقع ذاته، وخاصة عن الإنسان وهو الذي خلقه الله هلوعا، وفي ذات الوقت هو جميل (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) وهو عنصر الحياة وهو سبب الحياة !! لكنه يعيش في (معاناة)، وهذه المعاناة هي التي ترهقه وتقضي عليه وتقتله، وهذه الحالة تحفزني على التفاعل والانفعال معه. •كتابك “حكاية أجيال”، يضمّ مسيرة طويلة في التشكيل. أخبرنا عنه؟ *الكتاب رصد للحقب المتتالية للفن التشكيلي السعودي، وأهم الملامح لصفحات وامضة لتجربة فنية تجاوزت أكثر من ستين عاماً، وتصنيف الفنانين إلى أجيال فنية بمنهج تتبعي متسق مع واقع التشكيل السعودي من حيث تأسيسه وتركيبه، ولا شكّ ان الكتابة عن حقبة من الزمن، يتخلّلها الكثير من الأحداث والوقائع، وسيبقى الجدل والتقييم لوقت طويل، وستظل الكلمة الأخيرة بحقها لحكم التاريخ. •ماذا يضمّ الكتاب؟ والهدف منه؟ *يضم 607 من السير الفنية لفنانين مقسمين إلى خمسة أجيال فنية، وكل جيل عشر سنوات فنية مرتبين أبجدياً، وهدفه الخاص تصحيح الاجتهادات العاثرة، والتكهنات المغلوطة في التصنيف، والتعريف بهذه الأسماء، وتوثيق مسيرتها، وحفظها في الذاكرة؛ حتى لا تختفي مع زحام العصر وتندثر تحت ركام النسيان، في ظل غياب المعايير والطابع الرسمي المنظم، والاهتمام بالتوثيق، لأن الكثير من الأسماء التي وردت في هذا الكتاب وفي كتبي السابقة، لا يعرفهم الناس، ولن يعرفهم أحد، وسيطويهم النسيان ولن يتم ذكرهم في أي كتاب قادم، وهدفه العام، المساهمة في تزويد المكتبة الفنية السعودية والعربية بمصدر موثق ومعتمد عن فنانين الكتاب، ونواة للمهتمين والباحثين لتصنيف الفنانين للمستوى الفني ومكانتهم في خارطة التشكيل السعودي. • هل هناك كتاب جديد قادم لك؟ *كتابي المرتقب إن شاء الله “الفن التشكيلي السعودي في ذكرى التسعين” وهو استكمال لكتابي السابق “فن في نصف قرن” ورصد لأهم الأحداث والمنجزات والفترة الذهبية التي تعيشها الفنون البصرية في المملكة والتذكير بالأسطر المنسية للممارسة التشكيلية الأولى قبل تسعين سنة، وفهرس ب 16849 فناناً وأرقام ملفاتهم في الداتا بيز السعودي التي كوّنتها بمجهودي الشخصي لتوثيق مسيرتهم وحفظها في الذاكرة، والله ييسر ,,, - كلمة على هامش معرضك شقاء الروح. *أولا أشكر داعم الكتاب الدكتور عبدالله دحلان على تحمله طباعة الكتاب، وللدكتورة ندى الركف العرابة لهذه المجموعة من اللوحات والتي قدّمت لي العون في هذه الرحلة الفنية الجديدة والتي كانت تتابعها أولا بأول، وهي التي اقترحت العنوان “شقاء الروح”، وللأستاذ محمد السعوي مدير صالة آرام للفنون على جهده وتميزه في إعداد المعرض، والشكر موصول لمجلة اليمامة التي أتاحت لي هذه الاستضافة المميزة، وللأستاذ الشاعر الجميل عبدالله الصيخان على جهده المتميز في إدارة هذه المجلة وتحقيقه أعلى درجات الأستذة الإعلامية والحرفية المهنية، ومبادرة المجلة الفريدة بمتابعة أخبار وأنشطة الفنّ التشكيلي السعودي والعالمي.