في رواية «مسفر وسارة» لسونيا مالكي..

بين السرد الإبداعي والتوثيق التاريخي.

« جذبتها أيضًا أحاديث والدها عن تاريخ السعودية التليد، منذ عهد التوحيد وتطورها السريع، فعشقت صحراءها وجبالها ووديانها وبحارها ونخلها وعطرها وعسلها وتمرها، وهي بعيدة عنها آلاف الأميال، وتمنت العودة إلى أحضانها». صفحة 38. بهذا الاعتراف على شخصية البطلة، كشفت الروائية سونيا مالكي، طبيبة بشرية ومديرة إدارة الصحة المدرسية بتعليم جدة سابقًا في روايتها « مسفر وسارة « عن نوع عملها الأدبي، فوجدته تاريخًا يتضمن بعض السرد العاطفي. تدور الأحداث في أروقة جامعة كاليفورنيا، حين التقى طالب الدكتوراة مسفر الغامدي، من قرية الفرشة التابعة لمدينة بلجرشي - جنوب السعودية بسارة ابنة عبدالله الدوسري، أحد موظفي شركة الزيت العربية السعودية ( أرامكو)، وعلى إثر الحب من أول نظرة، بدأ التواصل، الذي أرادته المؤلفة أن يكون تواصل عُشاق، بينما وجدته كقارئة تواصل معلوماتي تاريخي، أُشير له في الصفحة الأولى: « هذه الرواية من وحي خيال المؤلف، وأي تشابه في الأحداث أو الشخصيات أو الأسماء بينها وبين الواقع، هو من قبيل المصادفة البحتة لا أكثر، أما المعلومات التراثية والتاريخية والمكانية التي وردت فهي حقيقية وواقعية «. ليظهر السؤال كيف حبكت المؤلفة الحدث التاريخي في سرديتها؟ عصب الحوار بين مسفر وسارة يعتمد بشدة على المعلومة التاريخية، إبتداءً من الحديث عن شركة أرامكو بالمنطقة الشرقية، وملامح الحياة اليومية لسُكانها في ( الكامب )، مرورًا بحوارات حول الأنساب كقبيلة « غامد « التي ينتسب إليها مسفر، وحرب الخليج، والعلاقات السعودية الأمريكية في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، وكثير من الموضوعات المتداعية من التاريخ السعودي، فتروي أحد المقاطع عن سارة في حديثها لمسفر: « روت له أن الملك عبدالعزيز وصل من جدة على متن المدمرة الأمريكية ( يو. إس.إس.مورفي) وكان الرئيس روزفلت عاد لتوه من مؤتمر مالطا. شرحت سارة لمسفر كيف أقنع الملك عبدالعزيز نظيره الأمريكي بعدالة القضية الفلسطينية وحصوله على وعد منه بعدم البت في هذه المسألة إلا بعد الرجوع إلى جلالته، بالرغم من أن روزفلت الذي اشتهر بقدرته الفائقة على الإقناع فقد سعى من أجل الحصول على موافقة الملك عبدالعزيز على دخول (10) آلاف يهودي إلى فلسطين. لكن رد الملك عبدالعزيز كان حازمًا: «يجب أن يعود اليهود للعيش في الأراضي التي طردوا منها» ورد روزفلت بأن قلة من الناجين من الهولوكوست يريدون العيش في ألمانيا» هذا اقتباس بسيط، وهناك بقية كثيرة بين الصفحات. فكيف وجدها القارئ؟ كقارئة، أراني قرأت مادة تاريخية متنوعة، تتسلل بينها غراميات مغتربين، جربوا الحب بوصفه دهشة اللحظة الأولى، ركبوا موجة الارتباط والزواج بعجالة، تعكس عجلة الإنسان وتفاعله المندفع تجاه الجمال الظاهري، فكأن الحب يشتعل من الدهشة الأولى، غير أن رهان الحب الحقيقي هو البقاء في الدهشة، واتساعها مع مرور الوقت وتكثف العلاقة، الأمر الذي لم يصمد في هذه القصة، فبمجرد عودة الزوجين إلى القرية، تبدل الحال وانكشفت الفجوة الثقافية، مما أدى إلى انهيار الحب الذي بُني على دهشة الميل لأحاديث التاريخ، فعادت سارة لأمريكا لترتبط مُجددًا - بتروي هذه المرة - ببيتر الذي انسجم فكريًا وثقافيًا معها. ختامًا، يمكنني القول بأن الرواية التاريخية المُنجزة بجدارة من أكثر الروايات نجاحًا وأشدها تأثيرًا على المتلقي، كذلك فرصتها عالية للبقاء حية على أرفف المكتبات، وهذا ما نلمسه في أدب رضوى عاشور، وعبدالرحمن المنيف وغيرهم، بينما هذا الجنس الأدبي بحاجة لمهارة فنية سردية حاذقة ومتمرسة لاتقل أهمية عن المعلومة التاريخية التي يجدر أن تُحبك بانسيابية في العمل، وهذا ما تحتاجه الرواية لكي تنضج أكثر وتبقى، وكما يعلم القارئ والكاتب أن التجربة الكتابية تنمو بالقراءة والكتابة معًا، والقراءة لنفس الجنس تُعزز القدرة لدى المبدع وتفتحه على أساليب كتابية فريدة في المكتبة التاريخية، فيحدث النمو على مستوى المعرفة والإبداع السردي، وقد لفتني توجه المؤلفة وتكريسها لموضوع التاريخ السعودي في إصدارات عديدة، ولعل المتبقي أن تُحدد الجنس الأدبي الأكثر مناسبة لنوع كتابتها؛ وقد يكون السيرة الذاتية، أو الرواية التاريخية.