منذ بداية العهد السعودي الميمون، أولت المملكة العربية السعودية الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة أقصى اهتمامها، بدءًا من عهد الملك المؤسس عبدالعزيز يرحمه الله، مرورًا بأبنائه البررة الذين تشرفوا بخدمة ضيوف الرحمن وأطهر بقاع الأرض ومهوى أفئدة المسلمين، وصولًا إلى عهد الملك سلمان يحفظه الله، والرؤية المباركة 2030 التي كان عرابها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث يلمس المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها في مواسم الحج والعمرة من كل عام، الجهود الجبارة التي تبذلها حكومتنا الرشيدة أيدها الله، من أجل خدمة ضيوف الرحمن، ويشاهدون المشاريع العملاقة التي أقامتها المملكة لتوسعة الحرمين الشريفين وتطوير المشاعر المقدسة، ومنها جسر الجمرات وقطار المشاعر، والتي تتناغم مع رؤية المملكة 2030، وتتيح الفرصة لزيادة أعداد قاصدي الحج والعمرة ليؤدوا مناسكهم بكل يسر وراحة وأمن وأمان. ثلاث توسعات لبيت الله الحرام كانت التوسعة السعودية الأولى في عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله، فلم يمض وقت يسير على توليه الحكم ودخوله مكة المكرمة عام 1343هـ حتى أعلن البدء في ترميمات الحرمين الشريفين وبذل كل غال ونفيس في سبيلهما، ففي سنة 1344هـ أمر بترميم المسجد الحرام ترميمًا كاملًا، وإصلاح كل ما يقتضي إصلاحه، وكذلك ترخيم عموم المسجد، وفي السنة التالية لما كثر عدد الحجاج كثرة هائلة أمر بوضع السرادقات في صحن المسجد لتقي المصلين حر الشمس، وفي سنة 1346هـ أمر بإصلاح آخر للمسجد الحرام، شمل الترميم والطلاء، كما أصلح مظلة إبراهيم وقبة زمزم وشاذروان الكعبة، وأنفق على ذلك ما يربو على ألفي جنيه ذهبًا. وفي نفس السنة أمر بعمل مظلات قوية ثابتة على حاشية صحن المطاف ليستظل تحتها المصلون، ثم عملت بعد ذلك مظلات ثابتة في أطراف الصحن مثبتة بالأروقة، تنشر وتلف عند الحاجة، وبقيت سنوات عديدة، يجري تجديدها باستمرار. وفي نفس السنة أمر بتأسيس أول مصنع لكسوة الكعبة المشرفة، كما أمر بتبليط المسعى بالحجر الصوان المربع وأن يبنى بالنورة، وكان ذلك أول مرة في التاريخ يرصف فيها هذا الطريق منذ فرض الله تعالى الحج على المسلمين؛ مما كان سببًا في راحة الساعين من الغبار والأتربة، كما أمر بإزالة نواتئ الدكاكين التي ضيقت المسعى، ليغدو في غاية الاستقامة وحسن المنظر، كما أمر بعمل سبيلين لماء زمزم مع تجديد السبيل القديم. وفي سنة 1354هـ أمر بإصلاح الحجر المفروش على مدار المطاف، وإصلاح أرض الأروقة، وترميم وترخيم عموم المسجد، وتجديد الألوان، وإزالة كل ما به تلف، كما تم إزالة الحصباء القديمة واستبدالها بأخرى جديدة. وفي سنة 1366هـ أمر بتجديد سقف المسعى بطريقة فنية محكمة، كما أمر بعمل باب جديد للكعبة مغطى بصفائح من الفضة الخالصة، محلاة بآيات قرآنية نقشت بأحرف من الذهب الخالص، وأمر بإصلاح عضادتي باب الكعبة بالفضة الخالصة الموشاة بالذهب. وفي سنة 1370هـ أمر رحمه الله بترخيم الواجهات المطلة على المسجد الحرام ورحباته ترخيمًا كاملًا. وفي عهد الملك سعود بن عبد العزيز أمر رحمه الله بفتح شارع وراء الصفا، وصرف مرور الناس والسيارات عن شارع المسعى، وفي سنة 1373هـ أمر بتركيب مضخة لرفع مياه زمزم، وفي سنة 1374هـ أنشأ بناية لسقيا زمزم أمام بئر زمزم. وفي سنة 1375هـ تم استبدال الشمعدانات الست بحجر إسماعيل عليه السلام بخمس نحاسية تضاء بالكهرباء، كما أمر رحمه الله بتبليط أرض المسعى بالأسمنت. وفي الخامس من ربيع الأول سنة 1375هـ ألقى جلالة الملك سعود رحمه الله خطابه التاريخي بالشروع في توسعة المسجد الحرام التي أمر بها والده الملك عبد العزيز رحمه الله، وبدئ العمل في 4 ربيع الثاني عام 1375هـ، وذلك بنزع ملكيات الدور والعقارات الواقعة في أرض التوسعة بعد تقدير أثمانها وتعويض أصحابها، وتضمنت هذه التوسعة بناء ثلاثة طوابق: الأقبية والطابق الأرضي والطابق الأول، مع بناء المسعى بطابقيه وتوسعة المطاف، وصار بئر زمزم في القبو، وقد زود قبو زمزم بصنابير الماء ومجرى للماء المستعمل. كما شملت التوسعة إزالة مبان كانت تضيق على المصلين والطائفين في صحن المطاف، مثل مظلة زمزم وباب بني شيبة والمقامات الأربعة، وشملت أيضًا تحويل مجرى مياه الأمطار بين جبل الصفا والمبنى العثماني، وتم إحداث الميادين والشوارع ومواقف للسيارات ودورات للمياه ومواضع للوضوء قريبة من المسجد الحرام في جميع جهاته على أحدث نظام في ذلك الوقت. وفي سنة 1376هـ أمر رحمه الله بعمل سلم متحرك للكعبة المشرفة، وكان مغلفًا بالفضة ومنقوشًا بالذهب. وفي عام 1377هـ أمر بترميم الكعبة المشرفة، واستبدال سقفها الأعلى القديم بسقف جديد، وأبقى على السقف السفلي بعد ترميمه وتغيير الأخشاب التالفة فيه. وفي عهد الملك فيصل رحمه الله أمر بإزالة البناء القائم على مقام إبراهيم توسعة للطائفين، ووضع المقام في غطاء بلوري وذلك عام 1387هـ. وفي عام 1391هـ أمر رحمه الله ببناء مبنى لمكتبة الحرم المكي الشريف، وفي عام 1392هـ أمر ببناء مصنع كسوة الكعبة المشرفة في موقعه الجديد في أم الجود، وتوسيع أعماله. وجاء عهد الملك خالد رحمه الله الذي أمر بإتمام ما تبقى من عمارة وتوسعة المسجد الحرام، كما تم في عهده أيضًا افتتاح مصنع الكسوة بعد تمام البناء والتأثيث، وذلك عام 1397هـ. ومن الأعمال المهمة في عهده توسيع المطاف سنة 1398هـ في شكله الحالي، وفرش أرضيته برخام مقاوم للحرارة جلب من اليونان مما زاد من راحة المصلين والطائفين في الظهيرة. وشملت توسعة المطاف نقل المنبر والمكبرية، وتوسيع قبو زمزم وجُعل مدخله قريبًا من حافة المسجد القديم في جهة المسعى، وجعل فيه قسمان: قسم للرجال وآخر للنساء، وركبت صنابير لشرب الماء البارد، وجعل للبئر حاجز زجاجي. كما أمر رحمه الله بصنع باب الكعبة المشرفة في عام 1399هـ بشكل بديع وبنفقات عظيمة، كما تم صنع باب للسلم الداخلي للكعبة الموصل إلى سطحها، وفي تلك السنة تم إزالة باب بني شيبة والمنبر الرخامي من المطاف، كما تم تبليط المطاف كاملًا بالرخام الأبيض، وفي عام 1400هـ تم التنظيف الشامل لبئر زمزم بعد القيام بأول عملية استكشافية للبئر. وأصبح للحرم مع نهاية التوسعة السعودية الأولى (64) بابًا موزعة على مختلف جهاته، وأكبرها: باب الملك عبد العزيز ويقع في الجهة الجنوبية للمسجد في اتجاه أجياد، وباب العمرة ويقع في الجهة الغربية من المسجد الحرام، وباب السلام ويوجد في الجهة الشمالية من المسجد الحرام، كما أنشئت في هذه التوسعة سبع منارات ارتفاع كل منها (89) مترًا، وتُبرز المنارات السبع أبعاد المسجد الحرام وترتفع شامخة بطرازها الفريد، والمنارات السبع موزعة على أبواب الصفا، وباب الملك عبد العزيز، وباب العمرة، وباب السلام. وبناء على ما تم من توسعات عمرانية في المسجد الحرام فقد أصبحت مساحته بعد التوسعة الأولى (160.168) مـترًا مربعًا، تتسـع لأكثر من 300 ألف مصل، وفي حالات الزحام يصل إلى أكثر من 400 ألف مصل. التوسعة السعودية الثانية في عام 1403هـ أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله بنـزع ملكيات عقارات السوق الصغير غرب المسجد الحرام، وتعويض أصحابها بمبالغ مرضية؛ تهيئة لتوسعة كبرى للمسجد الحرام أمر بها رحمه الله، وقد بلغت مساحة أراضي العقارات المنزوع ملكياتها 30 ألف متر مربع، فهيئت كساحات مؤقتة للصلاة قبل البدء بأعمال البناء عليها. وفي عام 1406هـ أمر رحمه الله بتبليط سطح التوسعة السعودية الأولى بالرخام البارد المقاوم للحرارة، ولم يكن يستفاد من السطح إلا لأعمال الكهرباء، وكانت شبكات الكهرباء المنتشرة في مواضع متفرقة من السطح تعيق المصلين، فأمر خادم الحرمين الشريفين أن تجمع جميع شبكات الكهرباء في قباب جميلة، وقد بلغت مساحة السطح 61 ألف متر مربع يتسع لتسعين ألف مصل، وكان من قبل غير مهيأ للصلاة فيه، كما أمر بإنشاء خمسة سلالم كهربائية بالمسجد الحرام؛ لتسهيل الصعود والنـزول إلى السطح والطابق الأول، كما تم بناء خمسة جسور علوية للدخول إلى الطابق الأول والخروج منه من جهة الشمال. وفي 2 صفر عام 1409هـ في حفل كبير حضره أصحاب السمو الملكي الأمراء وأصحاب الفضيلة العلماء وأصحاب المعالي الوزراء وأعيان البلاد وجموع من المواطنين، وضع الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله حجر الأساس للبدء في التوسعة السعودية الثانية، وذلك بعد أربع سنوات من انطلاق العمل في توسعة المسجد النبوي؛ ليجري العمل في التوسعتين في وقت واحد. وكان مبنى التوسعة يتألف من القبو (البدروم)، والطابق الأرضي، والطابق الأول، وقد صمم وتم بناؤه على أساس تكييف شامل كامل، وعمل له محطة للتبريد في أجياد، وروعي في الأقبية تركيب جميع الأمور الضرورية من تمديدات وقنوات أعلى الأعمدة المربعة، حيث يتم ضخ الهواء والماء البارد فيها من المحطة المركزية للتكييف في أجياد، وكان مبنى التوسعة منسجمًا تمامًا في شكله العام مع مبنى التوسعة الأولى. وجعل في هذه التوسعة أربعة عشر بابًا، ليصل عدد أبواب المسجد الحرام إلى (112) بابًا، مع مبنيين للسلالم الكهربائية في شماله وجنوبه، وسلمين داخليين، وبذلك بات مجموع السلالم الكهربائية في المسجد الحرام تسعة سلالم، عدا السلالم الثابتة الموزعة في أنحاء مبنى المسجد الحرام. وفي سنة 1411هـ أحدثت ساحات كبيرة محيطة بالمسجد الحرام، وهيئت للصلاة لا سيما في أوقات الزحام، وذلك بتبليطها برخام بارد ومقاوم للحرارة وإنارتها وفرشها، وتبلغ المساحة الإجمالية لهذه الساحات (88.000م2). وفي سنة 1415هـ تم توسعة منطقة الصفا في الطابق الأول تسهيلًا للساعين، وذلك بتضييق دائرة فتحة الصفا الواقعة تحت قبة الصفا. وفي سنة 1417هـ تم هدم وإزالة بعض المباني حول منطقة المروة، وحصل تغيير كبير بالطابق الأرضي والأول فيها لغرض القضاء على الزحام في هذا الموقع، حتى صارت مساحة المنطقة (375) مترًا مربعًا بدلاً من المساحة السابقة وهي (245) مترًا مربعًا، كما حصلت أيضًا توسعة الممر الداخل من جهة المروة إلى المسعى في الطابق الأول، وأحدثت أبواب جديدة في الطابق الأرضي والأول للدخول والخروج من جهة المروة. وفي سنة 1418هـ تم إنشاء جسر الراقوبة الذي يربط سطح المسجد الحرام بمنطقة الراقوبة من جهة المروة، لتسهيل الدخول والخروج إلى سطح المسجد الحرام، وتوسعة الممر الملاصق للمسعى، الذي يستعمل للطواف بالطابق الأول في أوقات الزحام من منطقة الصفا إلى ما يقابل منتصف المسعى. كما تم في نفس السنة تجديد غطاء مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام من النحاس المغطى بشرائح الذهب والكريستال والزجاج المزخرف، وتم وضع غطاء من الزجاج البلوري القوي الجميل المقاوم للحرارة والكسر على مقام إبراهيم عليه السلام. وقد بلط السطح برخام بارد مثل سطح التوسعة الأولى، وقد زاد السطح في مكان الصلاة مساحة كبيرة، كما تم بناء مئذنتين على جانبي باب الملك فهد مثل مآذن التوسعة الأولى بارتفاع 89 مترًا. وتم ربط التوسعة الثانية بالتوسعة الأولى عن طريق فتحات واسعة، وذلك بعد نقل مواقع الأبواب التي كانت قبل التوسعة الثانية في جهة السوق الصغير مع المحافظة على العناصر الإنشائية للتوسعة الأولى، وانتهت أعمال التوسعة رسميًا في 30/11/1413هـ. ومن الجدير بالذكر أن مما تم عمارةً للمسجد الحرام في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود رحمه الله، هو ترميم الكعبة المشرفة ترميمًا شاملًا لم يحدث مثله منذ سنة 1040هـ، وكان ذلك عام 1414هـ حيث أمر رحمه الله بإصلاح الفواصل الخارجية والتقشرات والفجوات التي ظهرت على الحجارة، وما يحتاجه جدار الكعبة المشرفة الخارجي من إصلاح، كما تم إجراء ترميم ثان وشامل للكعبة المشرفة عام 1417هـ. التوسعة الثالثة الأكبر في التاريخ بدأت التوسعة السعودية الثالثة في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - ولا تزال مستمرة بأمر وتوجيه ومتابعة ورعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله-، وهي أكبر توسعة على مرّ العصور والتاريخ من حيث المساحة والتكلفة، وتتضمن توسعة الحرم المكي، لترتفع الطاقة الاستيعابية بعد إنهاء أعمال التوسعة إلى مليوني مصلٍ، وتشتمل توسعة الساحات الخارجية، على دورات مياه وممرّات وأنفاق ومرافق أخرى مساندة تعمل على انسيابية الحركة في دخول المصلين وخروجهم، بالإضافة لخدمات التكييف ومحطات الكهرباء ومحطات المياه وغيرها. وأسهمت التوسعة الثالثة للمسجد الحرام في تنفيذ أكبر توسعة لصحن المطاف، التي يسرت للحجاج والمعتمرين أداء شعيرة الطواف وحقق قفزة ونقلة نوعية في مستوى منظومة الخدمات التي تقدمها الدولة وفقها الله، للمسجد الحرام وقاصديه، ولم يقتصر على استيعاب مضاعفة أعداد الطائفين، بل تجاوز ذلك إلى جودة وتنوع الخدمات مثل الاهتمام بكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، من خلال منظومة حركة مستقلة ومتكاملة، فأصبح يتسع إلى (105) آلاف طائف في الساعة. نقلة نوعية في المشاعر المقدسة وخدماتها اهتمّ ملوكُ المملكة بالمشاعر المقدسة، وذلك بعمارة مسجد نمرة في عرفات والمسجد الحرام في مزدلفة ومسجد الخيف في مِنى، وتوفير البنية التحتية والمرافق الخِدْمية الصحية والبيئية والأمنية والمواصلات والاتصالات وشبكة الطرق بين المشاعر المقدسة وإلى مكة المكرمة، وعمل الخيام المضادّة للحريق في مِنى وجسر الجمرات العملاق وقطار المشاعر المقدسة. وفي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - تستمر الرعاية والعناية بالحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، ومن ذلك أمرهُ باستكمال التوسعة السعودية الثالثة للحرم المكي والمسجد النبوي، ورعايته ومتابعته مشروعات تطوير مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، والارتقاء بالخِدْمات المقدمة لأهالي الحرمين وقاصديهما، ومن ذلك الأمر بإنشاء الهيئة الملكية لتطوير مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وإنشاء شركة المشاعر المقدسة، وتدشين قطار الحرمين، والأمر بإنشاء مطار الطّائف الجديد خدمة لمكة المكرمة وبوابة أخرى للحجاج، والتّوجيه باستكمال جميع مشروعات تطوير المدينتين المقدستين. كما أنّ رئاسة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز للهيئة الملكية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة، وتفقُّدَه الكعبة المشرّفة ومشروعات المسجد الحرام ومكة المكرمة والمدينة المنورة، يأتي من حرصه واهتمامه – حفظه الله – وعنايته بتطوير الحرمين الشريفين، والانتقال بمدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة ومستوى المرافق والخِدْمات فيهما، وفق أهداف رؤية المملكة 2030. عمارة وتوسعة المسجد النبوي اعتنى الملك عبدالعزيز بالمسجد النبوي عناية عظيمة وظهرت آثارها حين زار المدينة المنورة في شعبان عام 1345هـ واطلع خلالها على ما يحتاجه المسجد النبوي من تنظيمات إدارية وإصلاحات معمارية، واستمع إلى اقتراحات بعض المسؤولين فيها وما يحتاج إليه المسجد في مسائل أساسية. وجاءت أول أعمال الملك عبدالعزيز يرحمه الله عام 1348هـ لتعالج آثار التلف التي ظهرت في هبوط أرض الأروقة المطلة على صحن المسجد من جهاته الأربع، وسبب ذلك يعود إلى عدم تصريف مياه الأمطار التي تتجمع في صحن المسجد، ثم جاء العمل الثاني في عام 1350هـ حيث أمر بإصلاح ما حصل من خلل في بعض الأعمدة والسواري الشرقية والغربية والصحن وذلك بوضع أطواق من الحديد على ما تلف منها. وفي عام 1370هـ تم شراء الأبنية والدور الواقعة في الجهات الثلاث الشرقية والغربية والشمالية، وأزيل من البناء القديم الجزء الشمالي من بناء السلطان عبدالمجيد ومساحته 6246 مترًا مربعًا، وأضيف إليه مساحة جديدة تقاربها، وبقي القسم الجنوبي الحالي ومساحته 4056 مترًا مربعًا وبذلك أصبحت مساحة المسجد النبوي بعد هذه التوسعة 16548 مترًا مربعًا تقريبًا. وفي عام 1372هـ وضع ولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز حجر الأساس للعمارة والتوسعة نيابة عن والده جلالة الملك عبدالعزيز، فشرع في حفر الأساسات ثم البناء والتشييد، واكتملت التوسعة والبناء، وأقيم حفل بذلك برعاية الملك سعود بن عبدالعزيز يرحمه الله يوم الخامس من ربيع الأول من عام 1375هـ، فقام بنفسه بافتتاح مبنى التوسعة وحضرته وفود إسلامية من مختلف أنحاء العالم الإسلامي ومن داخل المملكة وخارجها. ومع التوسعات السابقة إلا أن الحاجة إلى توسعته باتت أمرًا ضروريًا نتيجة ازدياد أعداد الحجاج والعمار والزوار لما وفر لهم من الأمن والاستقرار وأسباب الراحة في الحل والترحال، فأصدر الملك فيصل بن عبدالعزيز عام 1393هـ أمره بتوسعة المسجد النبوي، فبدئ بشراء العقارات والدور والمساكن في غربي المسجد، ثم هدمت بعد نزع ملكيتها وتعويض أصحابها وأقيم عليها مظلات مقببة بمساحة تقدر بـ (40.500م2)، وجهزت بما يلزمها وهيئت للصلاة فتوسع المسجد واستفاد منه جموع المصلين في المواسم والجمع والأعياد. وفي عهد الملك خالد يرحمه الله وقع حريق في المنطقة الواقعة في الجنوب الغربي من المسجد فأزيلت الأبنية الواقعة فيها وعوض أصحاب العقارات، وضمت إلى ساحات المسجد النبوي، وظلل منها مساحة قدرها (43.000 م2) على غرار ما تم في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز. وواصل الملك فهد بن عبدالعزيز - رحمه الله -المسيرة بالعناية والاهتمام بتوسعة المسجد النبوي وعمارته لكي يستوعب أكبر عدد من المصلين والزائرين، وتوفير كل ما يريح الزائرين أثناء وجودهم في المسجد، فشملت أولًا نزع ملكيات العمارات والمباني المحيطة بالمسجد النبوي والتي لم تشملها التوسعات السابقة، ثم مرحلة البناء والتشييد والعمارة حيث بدأ ما عرف بـ»التوسعة السعودية الثانية» التي وضع حجر أساسها بنفسه يوم الجمعة التاسع من شهر صفر عام 1405هـ، وفي شهر محرم لعام 1406هـ بدأ العمل الفعلي، وعُدت هذه التوسعة أعظم توسعة في تاريخ المسجد النبوي ليس في مساحتها واتساعها فحسب، وإنما في قوتها وجودة بنائها وتوفر الخدمات والمرافق فيها. وحين نفذت مشروعات التوسعات السعودية، لم تغفل حكومة المملكة العربية السعودية البناء القديم للمسجد النبوي فقد أبقت عليه وواصلت اهتمامها به، من حيث الحفاظ على مظهره الجمالي وكل ما فيه، وتجديد المحراب النبوي الشريف، وتدعيم جميع أعمدة الروضة الشريفة وتكسيتها بالرخام الأبيض الجديد، كما تم تكييفه تكييفًا مركزيًا، وتغطية الواجهات الشرقية والجنوبية والغربية بالجرانيت مع رفعها إلى منسوب سطح التوسعة لينسجم والبناء السعودي في المظهر العام. وتم أيضًا إعادة النقوش والخطوط التي في القباب وعلى الجدران لكي تحافظ على جمالها ورونقها، وترميم المنارة الرئيسة ومنارة باب السلام، وفتح باب في الزاوية الشرقية الجنوبية سنة 1408هـ وسمي باب البقيع، وفتح باب في الرواق القبلي يدخل معه إمام المسجد، كما تدخل منه الجنائز ليصلى عليها كما يستخدم لخروج المصلين وقت الازدحام، وتجديد دهان القبة الخضراء كلما استدعى الأمر ذلك، وتركيب قناديل وثريات جديدة عام 1407هـ، كما تم في عهد الملك فهد رحمه الله، تركيب اثنتي عشرة مظلة في كل صحن بالمسجد النبوي. وفي عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، أمر باعتماد استكمال الأعمال المتبقية من مشروع توسعة المسجد النبوي بكلفة إجمالية قدرها 4 مليارات و700 مليون ريال، وشملت تركيب 182 مظلة تغطي جميع ساحات المسجد النبوي، وذلك لوقاية المصلين والزائرين من وهج الشمس ومخاطر الأمطار خاصة حوادث الانزلاق حيث جهزت بأنظمة لتصريف السيول وبالإنارة وتفتح آليًا عند الحاجة، وتغطي المظلة الواحدة 576 مترًا مربعًا. كما شملت تنفيذ الساحة الشرقية للمسجد النبوي الشريف، وتبلغ مساحتها 37 ألف متر مربع، وتنفيذ مواقف للسيارات والحافلات تستوعب 420 سيارة وكذلك 70 حافلة كبيرة، وتنفيذ دورات مياه مخصص معظمها للنساء ومواقف مخصصة لتحميل وإنزال الركاب من الحافلات والسيارات، وتنفيذ مداخل ومخارج مواقف السيارات بالمسجد النبوي.