معلقة في حبّ السعودية.

معظم أهل النبك "مدينتي" مقيمون في المملكة العربية السعودية، وهذا يجعل من المكان وطناً آخر، بعيداً عن كل حسناته التي تشهد النكران لأسباب مختلفة، أهمها، تهمة النفاق والاسترزاق، هذا غير الحسد والحقد على بلادٍ وعباد، خصهم الله برزق وفير، من التاريخ والجغرافية والاقتصاد والعلم إن شئت! المملكة التي سبقت بتصورات ذهنية مشوهة، جعلت الكثير من العرب ينظرون إليها على أنها شركة كبيرة، حقل نفط نسترزق منه والسلام، "دشاديش" تحتاج الميكانيكي والجزار والمقاول والصحافي والمهندس والطبيب لتمشي في طريقها، هكذا أرادت لنا الصورة النمطية أن ننظر إلى السعودية، تلك الصورة التي شاركت بها الأيدلوجيات والتحزب واليمين واليسار وكرّسها الغرب وروج لها. أكتب هذا الكلام وأنا متخمٌ بالأسى لحال العرب وعنصريتهم ومناطقيتهم وذاكرتهم الضعيفة، عنصريتهم ومناطقيتهم حتى بين أبناء البلد الواحد ومدنه المنتشرة، ورغم أن هذا أمر عالمي، إلا أنه في الوطن العربي ظاهرة منتشرة بقوة وتزداد انتشاراً. أكتب هذا وقد أتممت ثلاثين عاماً من حياتي في المملكة، أخرج منها لعقود عمل، في سويسرا والإمارات ومصر وغيرها وأعود إلى منزلي ومكتبي فيها. أعمل بشكل مستقل، أنا سيد عملي ووقتي ولا أجامل أحداً، إذ لم أبن علاقات جادة مع أحد، عشت فيها ثلاثين عاماً لم أقبل المشاركة في الجوائز وأماسي الشعر هنا إلا مرة واحدة في مهرجان الشعر العربي كرمى لصديقٍ قريب مني، وهو رئيس هذا المحفل، وأعني الشاعر أحمد الملا وبالمرة أقابل أصدقائي من الشعراء العرب المشاركين، لم أشارك في أي أمسية شعرية أو غيره خلال حياتي كلها ولم أقترب من مراكز السلطة والمال لا في المملكة ولا في سوريا ولا في أي مكان في الأرض، ذلك كي أستطيع كتابة هذا الكلام وأنا غير متّهم أو مدان أو مستفيد من عطية أو جزية أو مكرمة، لأستطيع القول بملء فمي: المملكة أكبر بكثير من الصورة النمطية التي أطرها العالم بها وحبسناها نحن العرب فيها. المملكة هي مركز التاريخ العربي، وأول إشارات الجغرافية العربية، هي مكة والمدينة والطائف والأحساء ونجد والأوابد والواحات والجبال والصحارى، هي حاتم الطائي وعنترة بن شداد وامرؤ القيس ولبيد بن ربيعة وطرفة بن العبد والبقية، وهي الأعشى، الذي ينام بالقرب مني الآن في منفوحة في الرياض. صديقي الذي شدّ الرحال طالباً مالا لسترة الحال، والذي يقول: تـقولُ ابنتيّ حين جَدَّ الرحيلُ أَرانـــا ســواءً ومَـن قــد يَتِم أَبــانا فـلا رِمـتَ مِن عِندِنا فــإِنّــا بــخـيـرٍ إِذا لـم تَـرِم ويـا أَبـتا لا تــزَل عـندنــا فَـإنّـا نخــافُ بِأَن تُخـتـرم أَرانـا إِذا أَضـمرتـك البلاد نُــجـفى وتـقطع مـنّا الـرَحِم عُـــمانَ فحِمص فأورى شِلمْ أتيــتُ النّــجاشيَّ في أرضـه وأرضَ النَّبيط، وأرضَ العجمْ فــنجران، فالــسَّروَ من حِمْـيرٍ فــأيَّ مـــرامٍ لـــــه لــــم أَرُمْ ومن بعدِ ذاك إلى حضرموت فــأوفـيـت همّـي وحـيـنا أَهُمْ عليّ أن أختم بهذا: منذ تأسيسها؛ أرسلت المملكة أبناءها للابتعاث والاكتساب، وتعاظم الأمر حتى جاء برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي 2005، والذي ينقسم إلى 3 مراحل كل مرحلة 5 سنوات، وانتهى العام 2020، حيث ابتعث 100 ألف طالب سعودي سنوياً بالمعدل، إلى أرقى جامعات العالم في أمريكا وبريطانيا وكندا والصين وغيرها، عاد منهم 98% إلى البلاد. هذا يعني مرحلة جديدة من الازدهار والعلم وافتتاح الجامعات والأكاديميات. وطبعاً، مع العهد الجديد والاستراتيجية 2030 بدأ برنامج آخر للابتعاث الذي تنامى أكثر وامتد إلى دول وجامعات جديدة، لتظفر البلاد بجيلٍ هائلٍ في كل المجالات. *شاعر وصحفي سوري