
الذاكرة لعنة الإنسان المشتهاة ولعبته الخطرة، إذ بمقدار ما تتيح له سفراً نحو الحرية فإنها تصبح سجنه، وفي هذا السفر الدائم يعيد تشكيل العالم والرغبات والأوهام. هكذا قال الروائي الكبير عبدالرحمن منيف، وقد سألت الفنانة غادة الحسن ذات يوم كيف ترى الذاكرة، حرية أم سجن؟ فقالت: “ لستُ أراها بطريقة «منيف» وأفرق بين الذاكرة والتخيل، فأنا من أولئك الذين يعيشون بذاكرتهم، ولأنني كذلك لا أراها سجناً إلا إذا تحولت إلى مخزن لتخزين الذكريات والعيش في نطاق هذا المخزن، للذاكرة عملياتها المعقدة في تثبيت أحداث الماضي وفقاً لمتطلباتنا واهتماماتنا، فكل شيء في هذه الحياة يعاصر نفسه في اللحظة ذاتها ثم يذهب من دون رجعة، لذلك فإن الذاكرة وسيلة لحماية الأحداث والمعارف من التلاشي والضياع وحفظها في مكان أمين لاستدعائها وقت الحاجة إليها.. الذاكرة ببساطة هي (الفكر) ومجموعة التجارب والخبرات، هي الشخصية التي تقوم على ذلك كله. أما التخيل فهو ما يمنح الذاكرة التحرر والانطلاق وتركيب الأحداث من جديد بطريقة قد تكون معاكسة للأحداث الحقيقية. وهو ما يحتاجه الفنان كي يخلق عوالمه الخاصة التي تتشابه أو تختلف عن الواقع المعاش.” ومن فكرة الألواح الطينية ونصوصها إلى اللغة التي حفرت عليها راحت الحسن إلى تدوين سيرة اخرى في “أبعاد افقية” لتستنهض أسئلة الوجود المقلقة وتدون سيرة إنسانية فنية بعمل مثل الحكاية بطول 25 متر وعرض 1.5 متر متكئة على زاد الذاكرة والتخيل في تشابك وتعاون فني مع الفنانة سارة ابو عبدالله حيث الحداثة والأصالة لبناء فلسفة طازجة خرجت من فرن دافئ يجرب في استنطاق مباشر على خلق اثر إنساني كبير يعني الفنان اكثر من اي شيء، الحسن التي تراهن على قدرة الإنسان والفنان طويلا في نقش سيرة خالدة متفردة ممهورة بلون الطين وحكاية الإنسان بنخله وسعفه وحكايات الشعر التي لا تنتهي، تطرق الجهات جميعها وتبحث عن جهة خامسة محتملة في ذهنها !!.