الضبيب حارس الفصحى..

تبنى مشروع احياء التراث تحقيقا ونشرا للحفاظ على الهوية العربية.

هناك ثلاثة أهداف رئيسية تشغل عقل وتفكير الدكتور أحمد الضبيب المهتم بمشروع حركة إحياء التراث في المملكة منذ سنوات كثيرة ، أولها أن كثيرا مما ينشر ويحقق في بلادنا لا يصل إلى أيدي الباحثين في أرجاء العالم العربي بسبب سوء توزيع الكتب في الوطن العربي حيث إن كثيرا من المؤلفات المحققة في المملكة لم يشر اليها في المؤلفات الببليوجرافية التي تناولت ما طبع من التراث، والثاني: يتلخص في رغبته في أن يؤرخ لهذه الحركة التي تعد ملحمة من ملاحم الثقافة في بلادنا والتي ارتبطت بعشق التراث، وثالث تلك الأهداف هو أنه لم يجعل هذا المشروع سردا حسب ما يسير عليه المكتبيون، وإنما وقف عند بعض المؤلفات وقفات متأنية ونظر إلى أنماط التحقيق لتلك الكتب وقومها وأشار إلى أوجه التميز وأوجه القصور، مسجلا ما دار حولها من نقاشات بين الباحثين وذلك لكي يكون مشروعه تطبيقياً عملياً يفيد الشداة من المحققين، بعيدا عن الناحية الوصفية النظرية ، كما قلت عنه في كتابي الجديد “ حاورت هؤلاء “ ( تحت الطباعة ): معالي الدكتور أحمد الضبيب مدير جامعة الملك سعود سابقًا وعضو مجمع الخالدين بالقاهرة ورئيس تحرير مجلة «العرب» وعضو اللجنة التنفيذية بمؤسسة حمد الجاسر الخيرية وأحد أبرز حضور ضحوية حمد الجاسر -رحمه الله- قبل وفاته وقبل أن تتحول إلى «السبتية» المعروفة الآن والتي تقام في دارة العرب بحي الورود بمدينة الرياض، ومما أتذكره من تلك «الضحوية» ، سؤال الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- المتكرر ضحى كل خميس عندما يدخل عليه الدكتور الضبيب، فيسأله : ما الجديد يا أبا عمرو؟ كما عرفته من خلال اجتماعات اللجنة التنفيذية لمركز حمد الجاسر الثقافي، وإبان إدارتي للمركز بعمارة الدهلوي (طريق الملك فهد تقاطع التحلية سابقًا)، كان مكتبي بجوار مكتب معاليه، وعرفته أكثر في جلسته الأسبوعية بعد صلاة الجمعة بمنزله بحي النخيل ، وقد سألته قبل ربع قرن عن قضية تسيطر على اهتمامه البحثي : حركة إحياء التراث في المملكة مجال اهتمامك منذ زمن.. ما جديدك في هذا المجال؟ فأجاب: “ حركة إحياء التراث في المملكة مشروع كبير أقوم بكتابته يشتمل على تاريخ وتقويم وفهرسة لهذه الحركة، التي تعد ملحمة ثقافية كبرى لا يكاد يعلم عنها أحد في البلاد العربية الأخرى.. هذه الموسوعة تحتاج إلى وقت وإلى إمكانات.. وأنا بمفردي أعمل فيها منذ سنين ولذلك أخذت مني الوقت الكثير.. وأرجو أن يوفقني الله لإكمالها قريباً “. علاقته بمركز الجاسر الثقافي بعد مباركة سيدي الملك سلمان بن عبدالعزيز- أيده الله – إبان توليه إمارة منطقة الرياض لفكرة بادر بها مؤسسو مؤسسة حمد الجاسر الخيرية في عام 1421هـ في الاجتماع الذي استضافته الغرفة التجارية برئاسة معالي الشيخ عبدالله النعيم رحمه الله أقرت اللجنة تسمية اللجنة التأسيسية لهذا المشروع ، وكان معاليه عضوا في تلك اللجنة ، ثم عضوا بعد ذلك في اللجنة التنفيذية بعد ذلك وعندما تم اختيار نخبة من أصحاب الرأي والأدب والثقافة في بلادنا ليكونوا أعضاء مجلس أمناء مؤسسة حمد الجاسر الخيرية في دورته الأولى تم اختيار الدكتور الضبيب عضوا في المجلس ، واستمر حتى اليوم . الكتابة الأسبوعية في عام 1421هـ، كتب معاليه عدداً من المقالات الأسبوعية في صحيفة الجزيرة بشكل منتظم منها: علاقتنا باللغة الأجنبية، تعجيم التعليم، السلبية في مواقف الشرعية الدولية، المعلمي رجل الأمن اللغوي، هوامش على وقائع ندوة دمشقية، الوهم ومحاور الرؤيا للدكتور منصور الحازمي، بأي ذنب قتل ذلك الطفل البريء؟!! اللغة العربية في عصر العولمة، المخذولون، كان الحرص على لغة الضاد ونشر ثقافة الدفاع عن الفصحى هو المحور الرئيس لكتاباته الأسبوعية الرصينة، بالإضافة إلى هموم الشارع العربي وقضايا الأمة العربية والإسلامية المصيرية. ضحوية الجاسر كان الدكتور من أبرز حضور “ الضحوية “ في حياة الشيخ حمد الجاسر وبعد مماته، فقد ألقى فيها محاضرة بعنوان : “ المعجم الجغرافي للمملكة العربية السعودية الذي أنجزه الشيخ حمد الجاسر رحمه الله وباحثون سعوديون آخرون “ ، إضافة الى الحضور الدائم لضحوية الجاسر وتعليقاته العلمية التي كان لها الأثر الكبير في مسيرة الخميسية ثم السبتية بعد ذلك. ندوة الشيخ حمد الجاسر جامعة الملك سعود التي منحت علامة الجزيرة الدكتوراة الفخرية عام 1416هـ وفاء وتقديرا منها لمكانته العلمية وما قدمه للساحة الثقافة المحلية من عطاء وافر متواصل وما قدمه لبلاده من اثراء تاريخي وجغرافي وأدبي ولغوي، نظمت كلية الآداب “ ندوة الشيخ حمد الجاسر وجهوده العلمية “في الفترة من 4- 5 شعبان 1424هـ، وقد شارك الدكتور الضبيب ببحث علمي عن جهود الشيخ حمد الجاسر في تحقيق التراث “معجم خيل العرب وفرسانها” أنموذجا. مجلة العرب يقول الدكتور الضبيب عن مجلة العرب: “ وتعد مجلة العرب التي أصدرها حمد الجاسر سنة 1386هـ/ 1966م أول مجلة سعودية اهتمت اهتماما واضحا بالتراث بشكل عام، سواء في كتبه أو موضوعاته. وقد تهيأ لهذه المجلة أن تنشر مجموعة من النصوص القديمة تعددت أشكالها، فتارة تنشر كتبا قائمة بذاتها كنشرها كتاب “ الأماكن “ للحازمي، وأحيانا تنشر منتخبات من الكتب كتراجم العلماء النجديين في “السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة” أو تنشر ملخصات وعروضا للرحلات التي قام بها الرحالة الى الجزيرة العربية وخاصة بلاد الحرمين الشريفين، كما تهيأ لهذه المجلة أن تنشر مجموعات شعرية لبعض الشعراء القدماء مع تراجم لها من مثل : عبدالله بن همام السلولي ويزيد بن الطثرية والقحيف العقيلي ومحمد بن عبدالملك الفقعسي الأسدي وغيرهم. جلسة الجمعة اعتاد محبو الدكتور الضبيب أن تصلهم رسالة منه أسبوعية تذكيرية بهذه الجلسة المحببة لنفوسهم قبل عقولهم، فكثيرا ما يصلني من معاليه رسالة واتسية: “السلام عليكم جلسة الجمعة تحييكم غدا، دمتم بخير”، وفي مجلسه المبارك يلتقي بأصدقائه ومحبيه وتلاميذه من الباحثين والدارسين المهتمين بالتراث والمخطوطات، حيث يدور الحديث بشكل تلقائي حول هذه الاهتمامات بالإضافة إلى الأدب والثقافة، وقد حضرت الكثير من تلك الجلسات التي يزينها معاليه بعلمه وثقافته الموسوعية وذكرياته العطرة التي يدور الحوار حولها ، وأذكر أنه في إحدى جلسات يوم الجمعة بمنزله العامر بحي النخيل بمدينة الرياض أحضر كراسا يحوي عددا من الصفحات بخط يده فبدأ بالقراءة منه على الحاضرين، فإذا به “ يوميات “ كتبها في سن مبكرة ، فاستقبلها الحاضرون بالإعجاب واقترح بعضهم طباعتها ، فهي نواة لسيرة ذاتية تستحق أن تنشر لتبقى في ذاكرة الجيل توثيقا لمرحلة مهمة عاشها الضبيب .