الفنان أحمد فلمبان في كتاب«الفن التشكيلي في ذكرى التسعين ». ..

توثيق مسيرة 671 فناناً وتصحيح السرديات الخاطئة.

يُعد الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية، الساحة الأكثر اتساعا لاستيعاب التجارب الثقافية، والأكثر عددا من الممارسين والمهتمين، ويحظى باهتمام بالغ منذ البدايات الأولى قبل تسعين عاما، المتمثلة، بتعليم الرسم والزخرفة والخط العربي والأشغال اليدوية في المدرسة الرحمانية الابتدائية بمكة المكرمة، وعرض لنماذج من رسومات التلاميذ والأشغال اليدوية، بمشاركة إنتاج المعلمين الفنانين بالمدرسة، ضمن المعارض المدرسية في نهاية كل عام، دراسي، لعدم وجود الصالات المتخصصة والإمكانات اللازمة، والجهات التي تشرف وتنظم وتوثق هذا النشاط والاهتمام الصحفي والإعلامي، ناهيك عن رفض المجتمع لهذا الفن وتقيده بالعديد من المحاذير والممنوعات، مما يجعل التجربة البصرية وانتشارها شبه مفقودة، واستمرت هذه المعاناة للممارسين الأوائل، عدة عقود، ولكنهم جاهدوا وضحوا، في سبيل إدراج هذا الفن كرافد ثقافي في المجتمع السعودي، وللتعبير عن ذواتهم وما صاحب ذلك من إخفاقات وإحباطات وصعوبات وعقبات وتعقيدات جمة، وبعد تأسيس وزارة المعارف استحدث فيها قسم لرعاية الشباب والتي كانت تشرف أيضا على مادة التربية الفنية في مدارس البنين، ثم رعاية الشباب بوزارة العمل التي كانت الداعمة الأولى لهذا الفن رسميا، ثم الرئاسة العامة لرعاية الشباب، التي تأسست في العام 1394هـ، والتي اخذت المسؤولية رسميا للفنون التشكيلية وأنشطتها المختلفة، وتقديمها بشكل رسمي منظم وموثق، لدفعها نحو التطور والنهوض بها، قبل انتقال هذا الكيان لوزارة الإعلام والثقافة، لتأتي في إطار مسؤولياتها وسعيها لتقديم الوجه الحضاري للمملكة في شتى جوانبه، والقيام بدفعه وتفعيل أنشطته وتمهيد الأرض أمام المثقفين والمبدعين، ثم إلى وزارة الثقافة التي تولت المسؤولية باقتدار في دعم هذا الفن، ومنحه الأهمية القصوى كنمط حياة، وغرس قيم الثقافة والفنون، وتأكيد دورهما في تنمية المجتمعات وازدهارها، وتعزيز مكانة المملكة الدولية، وتوثيق العلاقات مع الشعوب الأخرى وربطها مع العالم الفني، لإيصال هذا الفن إلى المكانة المرموقة إقليميا وعالميا، يواكب الحركات الفنية المعاصرة في العالم، باعتباره واجهة حضارية، وانعكاس لواقع ثقافة ووعي المجتمع، ورافدًا مهما للثقافة السعودية يُنظر له بعين الاعتبار، كجزء من ثقافة وحضارة الوطن، لتحقيق التطلعات والعمل إلى بنائية واضحة المعالم ورؤية فنية صحيحة يدركها الفرد والمجتمع، وتتكامل في ضوئها الجهود بين المؤسسات التثقيفية فيه، تنبثق منها الخطط والأهداف الواضحة والاستراتيجيات والمخرجات المدروسة، للوصول به إلى المستوى الذي يميزه عن باقي الفنون العربية والعالمية، له منطقه المؤسسي بسنده المادي والاجتماعي، المبني على اتجاهات فكرية ثرية ومضامين وأساليب جلية وخطوط فلسفية واضحة . ومع هذه النقلة المهمة، اهتمت الدولة الممثلة في وزارة الثقافة، بالفن التشكيلي الذي أخذ حيزا مهما في المنظومة الثقافية السعودية، لأهميته في الحياة، والنظرة المستقبلية لمتطلبات المرحلة الحالية التي أفرزتها متغيرات اجتماعية عدة، تعكس حداثة الإنتاج الإبداعي السعودي، والانفتاح على الثقافة والآداب والفنون العالمية برؤية استرشادية، ليرتقي إلى المستوى الذي يحقق أهداف رؤية المملكة 2030، للأخذ بالوطن نحو مستقبل واعد ومشرق في كل تفاصيله (الإنسان، الأرض، الثقافة) وتأكيد دوره كقطاع منتج وجوهري في تنمية المجتمعات، وأهميته في النمو الاقتصادي، كشريك رئيسِي في بناء الوطن، باعتباره قوة إنتاجية محلية استثمارية . ومن هذه المسيرة الحافلة بالإنجازات، في الفن التشكيلي السعودي، تفاعل الفنان أحمد فلمبان، مع هذه الأحداث المهمة، بتأليف كتاب بعنوان “الفن التشكيلي السعودي في ذكرى التسعين”، ويُعدّ استكمالاً لجهوده البحثية ومتابعته ومواكبته للتشكيل السعودي، بعد كتابه “فن في نصف قرن” متضمناً سيراً ذاتية لــــ 671 فنانا للتعريف بهم، وتوثيق مسيرتهم وحفظها في الذاكرة حتى لا تختفي مع زحام العصر وتندثر تحت ركام النسيان، في ظل غياب المعايير والطابع الرسمي المنظم والاهتمام بالتوثيق، لأن الكثير منهم، لا يعرفهم الناس ولن يعرفهم أحد وسيطويهم النسيان ولن يتم ذكرهم في أي كتاب قادم، و68 فناناً رحلوا عنا من هذه الدنيا وتركوا لنا إرثا فنيا مخلدا لذكراهم، إلى جانب فهرس لــــــ 18695 فنانا وأرقام ملفاتهم في قاعدة بيانات الفنانين السعوديين، بالإضافة الى تصحيح السرديات الساقطة في الكتب والمصادر والمقالات عن التشكيل السعودي، التي تجاهلت وجود الفن التشكيلي وأحداثه منذ العام 1354ه، واكتفت بذكر بعض الأحداث كنشاط وفعاليات عادية، أو دونته كحاشية، بينما الرواية الصحيحة في هذا الكتاب، تؤكد وجوده كأقدم إشارة لظهور هذا الفن، ولكنه تحت قيود صارمة من التعامل والتنفيذ وعدم مخالفته الشرع والتقاليد والعادات، وكيف يكون ذلك في وقت كان موجودا بعض التصاوير التقليدية، وليس فنا إبداعيا، والممارسون الأوائل، يعتبروا رواد بدايات أو رواد تأسيس، وهذه المرحلة مهمة ويعتبر امتدادا تاريخيا للفن التشكيلي السعودي المعاصر، لأن السردية والرواية المعروفة اعتمدت على تولي وزارة المعارف مسؤولية التعليم بالمملكة العربية السعودية في العام 1373ه، كبداية لنشأة الفن التشكيلي والتي انتشرت وسادت بين المؤرخين اللاحقين، وتوارثتها الأجيال بهذا التاريخ، ونُقل عنهم هذه الرواية من بعدهم واستمرت هذه السردية لكل من كتبوا عن تاريخ التشكيل السعودي، وعلى ضوء تلك الرواية تم تقسيمه او تحقيبه، ويجعل كل فترة معزولة عما قبلها وما بعدها، وهــــــــذا غير صحيح اطلاقا، والوقع كان متصـلا رغــم مــا أصابه من كبوات وعثرات. وضمن سلسلة مؤلفات الفلمبان عن التشكيل السعودي، سيصدر في نهاية هذا العام إن شاء الله كتابا شاملا وموثقا بالأدلة والبراهين، بعنوان (120 عاما من الإبداع التشكيلي السعودي). للتذكير بجهود الممارسين الأوائل، والاعتراف بمكانتهم، وتوثيق المنجزات لمختلف التجارب التشكيلية، في سبيل ترسيخ تاريخ الفن التشكيلي السعودي. والجدير بالذكر ان الكتاب بدعم الدكتور عبدالله دحلان، رئيس مجلس أمناء جامعة الأعمال والتكنولوجيا بجدة والذي يعتبر من أبرز المهتمين والداعمين للحراك الثقافي والإبداع الفكري السعودي، الذي أكد (ان هذا الكتاب يأتي تقديرا لدور الفنانين السعوديين، في إثراء المشهد الفني والثقافي ونقل صورة المملكة المشرفة الى العالم من خلال إبداعاتهم المتفردة وتجاربهم الناجحة والناضجة، وهناك أسماء أصبحت معروفة خارج حدود المملكة واحتلوا مراكز متقدمة في معارض دولية وبيناليات عالمية، ومنهم من حصل على جوائز مهمة، يقارعون رموز الفن العالمي، وأشار الى ان الفن التشكيلي السعودي لم يعد ظاهرة محلية فحسب، بل أصبح أحد الروافد القوة الناعمة ويحظى بحضور عالمي لافت في المحافل الدولية) والفنان أحمد فلمبان، كاتب وباحث في الفن التشكيلي السعودي، ومن أنشط المؤلفين للكتب التشكيلية السعودية بتنوع المواضيع وعمق البحث والتوثيق، حيث أصدر سبعة كتب منشورة عن الفن التشكيلي السعودي.