فائض القراءة وشلل اتخاذ القرار

ليست كثرة القراءة والمعلومات بالأمر الجيد دائمًا، بل قد تكون سلبية وعائقًا أمام اتخاذ القرارات في حياتنا اليومية؛ سواء في جانبها الشخصي أو العملي، حيث تخلق شكًّا دائمًا في جميع الخيارات، ومغلفةً بالضبابية التي تشل التفكير. فالشلّال الهادر من المعلومات من مصادر متنوعة، منها وسائل التواصل بأنواعها المختلفة، وتدفقها السريع، إلى مقاطع التصوير؛ القصير منها والطويل، إلى الإشعارات التي لا تكاد تتوقف والتي تصدر عن جميع التطبيقات، لا تعطينا أي مجال للراحة، موحية لنا بأن أمورًا كثيرة مهمة للغاية لا نهاية لها من الأخبار والأخبار العاجلة التي ينبغي عدم تأجيل قراءتها البتة. هذا فضلًا عن الدراسات الجادة وإعلانات صدور الكتب والدراسات واستطلاعات الرأي، علاوة على التطورات السياسية المتلاحقة التي يتسبب أغلبها بطاقة سلبية لمتابعيها. كل هذه الأخبار والمعلومات- علمًا أن ما يقرب من 402.74 مليون تيرابايت من البيانات تُنْشأ يوميًّا حسب موقع https://explodingtopics.com/- التي تُضخ بشكل متواصل ومن جميع الاتجاهات، خلقت وتخلق ما يسمى تضخم المعلومات (Information Overload) بمستوى لا يستطيع الفرد العادي فهمها أو استيعابها؛ بسبب كثرتها، ما يمكن تشبيهه بنمط سلوك كل من الثعلب والقط حين يتعرض كل منهما لخطر داهم؛ فالثعلب نظرًا لطبيعته وكونه مكارًا يفكر حينها كثيرًا، ويخطط لطريقة الهروب من هذا الخطر، وذلك ما يتيح مجالًا لعدوه لقتله أو افتراسه وهو يفكر في خطة محكمة للفرار. أما القط، الذي ليست لديه المعلومات الفائضة ولا القدرة على وضع خطط تفصيلية، فيكتفي بصعود الشجرة فينجو من الخطر! هذه الحكمة التي عبر عنها الفيلسوف الروماني سينيكا بقوله: “كثرة الكتب تشتت العقل”، هي ما يسمى اليوم “شلل اتخاذ القرارات”، حين يجد الفرد أو المنظمة صعوبة في اختيار حل ما بسبب كثرة الخيارات. ويرجع بعض المفكرين ذلك إلى عدة أسباب، منها الإرباك أو الخوف من الوقوع في الخطأ، أو التعب من كثرة المعلومات، وهو نفسه ما عبرت عنه الذاكرة الشعبية في الأحساء بالقول: إذا بغيت تحيّره خيّره، وعبرت عنه بكلمات قريبة مجتمعات أخرى. وفي دراسة نشرت في مجلة (Harvard Business Review) تبين أن المديرين الذين تعرض عليهم تقارير مفصلة جدًّا يتأخرون في اتخاذ قراراتهم بنسبة 40 في المئة أكثر ممن تعرض عليهم تقارير موجزة. فهل الحل هو تقليل القراءة؟ أم ماذا؟ هناك إجابات مفصلة حول الموضوع منشورة في الكتب والصحف المتخصصة في الإدارة، لكن ما يهمنا هنا فيما يتعلق بالقراءة هو عدم وجود علاقة طردية بين كثرتها وبين القرارات الصائبة التي يمكن أن تتخذ. وهو ما يدعونا إلى ترشيد التعرض للمعلومات، والتأكد من مصادرها، وتصفيتها لتحديد الغث فيها من السمين وما هو مفيد وما هو غير ذلك. صحيح أن في المعرفة قوة لكن زيادتها دون حدود قد تحولها إلى قيد على أذهاننا وقراراتنا، سواء شعرنا بذلك أم لم نشعر.