مؤسسة حسن الفقيه الثقافية..

إبراز الهوية الثقافية للقنفذة ودعم المواهب.

يعد اللُّغوي المؤرِّخ الشيخ حسن بن إبراهيم الفقيه -رحمه الله- أبرز أعلام محافظة القنفذة (القنفدة) ورموزها التربوية والثقافية، وقد أمضى الفقيه (44) عامًا في ميدان التربية والتعليم بإدارة تعليم القنفدة معلِّمًا ثم مفتشًا فموجِّهًا، ثم عميدًا للكلية الجامعية بالقنفذة حين افتتاحها عام (1407هـ) وكانت بمسمى (الكلية المتوسطة)، ثم رأس اللجنة الثقافية بالقنفذة التابعة لأدبي جدة حال تأسيسها عام (1429هـ) وقد سعدتُ أن كنتُ أحد أعضائها. وقد عُني الشيخ حسن الفقيه بالكشف عن الكثير من المواقع التاريخية والتراثية وأصدر عنها عدة كتب مثل (مخلاف عشم، مدينة السِّرين الأثرية، مدينة ضنكان الأثرية)، وغيرها، يُضاف إلى ذلك العديد من البحوث والدراسات والمشاركات في العديد من المؤتمرات والملتقيات. رحل الشيخ حسن الفقيه عن دنيانا قبل سنوات، وبوصفه رمزًا ثقافيًّا متميزًا أثرى الساحة الثقافية ببحوثه الميدانية ومؤلفاته التاريخية، ومدرسةً في البحث وتحقيق التراث، فهذا ما حدا بأولاده (بنين وبنات) للالتفات إلى القيمة الثقافية لوالدهم، والإرث الأدبي والتاريخي الذي خلَّفه للأجيال اللاحقة، وهو ما استنهض فيهم الهمة والرغبة لتخليد اسمه والاعتزاز بمسيرته وإحياء منهجه وجعله مدرسة حية تنفح عبيرها وتَمُد ظلالها على الأجيال الحالية واللاحقة. من هنا انطلقت لدى أولاده فكرة إنشاء مؤسسة ثقافية تُعنى بسيرة والدهم الشيخ حسن الفقيه وتهتم بتراثه ومنهجه وتُخلِّد اسمه، وتكون منارة إشعاع ثقافي تستكمل ما بدأه وتُعزز ما أنجزه وتُبدع أفكارًا تخدم الحركة الثقافية في محافظة القنفذة وما جاورها وتتخطى ذلك لتشمل الوطن الكبير تحت مسمى (مؤسسة حسن الفقيه الثقافية)، فكانت أُولى خطواتها عقد ورشة عمل ضمت كمًّا وافرًا من مثقفي محافظة القنفذة مسقط رأس المؤسسة ومحافظة العُرضيات بحكم العلاقات المتينة بين مثقفِي المحافظتَين؛ وذلك للتعرف على الاحتياجات الثقافية للقنفذة وحصرها، وقد عُقدت الورشة قبل ثلاثة أسابيع في قاعة أحد الفنادق بالقنفذة وسعدتُ بالحضور والمشاركة فيها، وقد شهدتْ الورشة نقاشات جادة وحوارات مثمرة كانت مخرجاتها أفكارًا أشاد بها رئيس أمناء المؤسسة الدكتور علي بن حسن الفقيه. فكرة المؤسسة فكرة رائدة تُعبر عن بِرِّ أولاد الشيخ حسن الفقيه بأبيهم ووفائهم معه بعد رحيله، ومما يدعو للتفاؤل بنجاحها ولادتُها في بيئة ثقافية متميزة؛ حيث تحفل محافظة القنفذة بالأسماء الفكرية والثقافية اللامعة، وللقنفذة مكانتها التاريخية وإرثها الثقافي والحضاري الممتد، ولأبنائها ريادتهم في المجالات كافة وخاصة الثقافية منها والعلمية، ولهم تواصلهم الثقافي الدائم والمستمر مع المشهد الثقافي المحلي والعربي، ولهم نتاجاتهم الأدبية والفكرية ذات القيمة الفنية العالية. إن كان من رأي حول هذه المؤسسة الثقافية الوليدة؛ فإن المأمول من أُمَنَائها بقيادة الدكتور علي بن حسن الفقيه التريث (والتركيز) في أهداف المؤسسة والعمل على (تقنينها)؛ بحيث تُعنى بالكيف على حساب الكم؛ فقد لاحظت -من خلال الورشة المذكورة- أن الغايات والأهداف كانت كثيرة ومتشعبة، وهو الأمر الذي لا أظن مؤسسة وليدة تستطيع الوفاء به، ولذا فإن تركيز المؤسسة على ثلاثة أو أربعة أهداف تصب في اهتمامات الشيخ حسن الفقيه وتستكمل جهوده وتخدم تخصصه الرئيس واهتماماته الأخرى هو أجدى وأنفع وأبقى. من هنا فإنني أرى أن من الأفضل أن تُركز المؤسسة على ما كان يعتني به الشيخ حسن الفقيه ويشتغل عليه وهو (اللغة العربية بوصفها تخصصه والتراث بوصفه هوايته)، وهذا هو الخط الرئيس الذي ينبغي أن تختطه المؤسسة؛ فتكون عنايتها مركزة على خدمة اللغة العربية إبداعًا وتأليفًا وأسماء ومواهب، والتراث بحثًا وتحقيقًا وتأليفًا، ولذلك فالمتوقع أن نرى -في القريب- المؤسسةَ وقد أظهرت أهدافها التي ستشتغل عليها، ولعل هذه الأهداف تكون (مقننة ومركزة ومعدودة ومما ينفع والدهم ويَسرُّهُ في مرقده) على شاكلة: 1 - إبراز الهوية الثقافية للقنفذة. 2 - تنظيم الفعاليات الثقافية التي تُعنى باللغة العربية والتراث. 3 - دعم المواهب الأدبية الفصيحة والأعمال التتبُّعية وتشجيعها. 4 - طباعة الأعمال الإبداعية الفصحى والبحوث التاريخية. 5 - استحداث جائزتَين إحداهما لخدمة اللغة العربية والأخرى لخدمة التراث. كلنا أمل في أن يتكاتف مثقفو القنفذة ورجال أعمالها ومسؤولوها ويقفوا مع (مؤسسة حسن الفقيه الثقافية)؛ لتتمكن من بلوغ أهدافها، فتكون إضافة نوعية لمحافظة القنفذة وللوطن بصفة عامة. ومن باب الشيء بالشيء يُذكر فإن المأمول من أولاد الأستاذ الدكتور محمد مريسي الحارثي -رحمه الله- أن ينهجوا النهج نفسه -أو قريبًا منه- مع المرحوم والدهم -وهو أمر ليس بالمستغرب عليهم- فيقوموا بما يرونه يستكمل جهود والدهم؛ كإنشاء مؤسسة ثقافية أو معهد أو أكاديمية تُعنى بما كان يُعنى به المرحوم وهو (خدمة اللغة العربية وعلومها) تحديدًا؛ بوصفها تخصصه وبوصفها همه الذي اشتغل عليه طوال حياته، على أن تُقنن أهدافها وتكون حصرًا على خدمة اللغة العربية ويكون أثرها نافعًا في المجتمع وتكون نَفعًا وبِشرًا لوالدهم فـــي مرقده.