“دور الحرفيين في الحفاظ على الهوية الثقافية والتنمية الاقتصادية”.

في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة، جاء إعلان المملكة العربية السعودية عن تخصيص عام 2025 ليكون “عام الحرف اليدوية” خطوةً نوعية تهدف تسليط الضوء وتعزبز هذا القطاع الحيوي، وتقدير الدور الكبير الذي يلعبه الحرفيون في الحفاظ على الهوية الثقافية والتراثية، وتعزيز الاقتصاد المحلي. حيث يشهد “عام الحرف اليدوية” إطلاق سلسلة من المبادرات المتكاملة التي تشمل تنظيم مهرجانات ومعارض للحرف اليدوية، وورش عمل تدريبية تهدف إلى نقل المهارات للأجيال الجديدة، بالإضافة إلى برامج تمويلية لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة في هذا المجال، كما تم التعاون مع عدد من الجهات التعليمية والثقافية لتوثيق الحرف التقليدية، ودمجها ضمن مناهج التعليم الفني والمهني. وتمثل هذه الجهود فرصة حقيقية لإعادة الاعتبار لهذا القطاع العريق، وتمكين الحرفيين من الاستفادة من التقنيات الحديثة وأساليب التسويق الرقمي، بما يسهم في تحقيق الاستدامة الاقتصادية والثقافية على حد سواء. إرث ثقافي أكد مدير إدارة المنظمات الدولية والمدن الصحية الدكتور/ إبراهيم الشبيث بأن التراث الثقافي الحرفي في المملكة يمثل كنزاً حياً يعكس تاريخ وحضارة شعب وعراقة أمة، وهو جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية التي تمتد عبر العصور، وتمثل هذه الحرف التقليدية التي كانت، ولا تزال، تلبي احتياجات السكان اليومية، تحمل قيمة كبيرة في حفظ الإرث الثقافي والمادي للأمة. وأضاف: من خلال المبادرات التي تشهدها المملكة، مثل “عام الحِرف اليدوية 2025”، تتجلى الجهود المستمرة لتعزيز هذا التراث والارتقاء به. حيث تسعى المملكة إلى تمكين الحرفيين ودعمهم بالموارد والفرص اللازمة للنهوض بصناعتهم، بالإضافة إلى تسويق هذه الحرف داخلياً وخارجياً، بما يعزز من الاقتصاد الوطني ويشجع على الابتكار في الإنتاج الحرفي. وشدد الدكتور الشبيث بقوله: لابد من الإشارة إلى مبادرة الأحساء المبدعة على مستوى مدن اليونسكو، حيث تم إطلاق مبادرة تعنى بتسويق منتجات الحرفيين على مستوى مدن اليونسكو المبدعة والتخطيط لها بحيث تكون متنقلة بين مدن العالم تحمل الطابع الحرفي والثقافي شاملة الورش والمعارض والندوات وكل ما يخص معرض الحرف التقليدية والفنون الشعبية وأكثر. مبادرة “الأحساء المبدعة” تعد خطوة بارزة ومهمة في إطار تعزيز الحرف اليدوية والفنون الشعبية على مستوى عالمي، وهي تتماشى مع رؤية المملكة 2030 في تطوير القطاع الثقافي والإبداعي. هذه المبادرة تمثل فرصة ممتازة لتسويق منتجات الحرفيين لكل دولة وتعريف العالم بها، حيث يتمكن الحرفيون من عرض مهاراتهم وإبداعاتهم في مدن اليونسكو المبدعة المختلفة، التي تعد منصات دولية هامة للتبادل الثقافي والإبداعي. وأبان في حديثه، وما يميز هذه المبادرة هو طابعها المتنقل، الذي يتيح للحرفيين عرض أعمالهم في العديد من المدن العالمية، مما يعزز من التواصل بين الثقافات ويوفر لهم فرصًا جديدة للتوسع في أسواق جديدة. علاوة على ذلك، تشمل هذه الفعاليات ورش العمل، المعارض، الندوات، وكل ما يخص الحرف التقليدية والفنون الشعبية، مما يعزز من فهم الجمهور العالمي للتقاليد والحرف المحلية. إضافة إلى ذلك البرامج القائمة والخاصة بتدريب الحرفيين وتطوير مهاراتهم والاستعانة بالحرفيين الخبراء الكبار في السن بهدف تواصل الأجيال ونقل الخبرة، هناك برامج تم إطلاقها من قبل وزارة الثقافة ولعل أهمها مبادرة (مجتمع ورث) وتهدف المبادرة إلى أن تكون منصة رائدة لإحياء الحرف اليدوية وتطويرها، من خلال دمجها مع التصميم والتقنيات الحديثة، وتعزيز التعاون بين المؤسسات والمجتمع المحلي؛ لإبراز أهمية الفنون التقليدية في تعزيز الهوية الثقافية، كما تسعى إلى تمكين الأفراد من توظيف هذه الفنون في التقنيات المبتكرة، عبر لقاءات وورش عمل متخصصة. حيث أشار “الشبيث” بأن التسويق السياحي للحرف التقليدية ليس فقط وسيلة لدعم الحرفيين فرديًا، بل هو استثمار استراتيجي يعزز من الاقتصاد الثقافي الوطني. فعندما يتم ترويج هذه الحرف على الصعيدين المحلي والدولي، يصبح هذا الترويج بمثابة السفير للثقافة والإبداع الوطني، ويعكس التميز الحضاري والإنساني لشعب المملكة. واستطرد الشبيث في حديثه: الحرف اليدوية ليست مجرد منتجات؛ بل هي تعبير عن هوية الأمة وتاريخها. من خلال تسويق هذه الحرف، يتم تسليط الضوء على الأصالة والقيم الثقافية التي شكلت هوية الوطن على مر العصور. كما أن الترويج لها في السياق السياحي يساهم في جعل هذه الحرف جزءاً من التجربة الثقافية التي يتطلع إليها السائح. في هذا السياق، يتم دمج الثقافة والفن والتراث في سياحة لا تقتصر على النزهة والترفيه فقط، بل على النهل من التاريخ والهوية. وعند اقتناء السائحين لهذه الحرف، سواء كانت فخارًا، أو منتجات معدنية أو خشبية، فإنهم لا يقتنون مجرد منتجات مادية، بل يرتبطون بتجربة ثقافية غنية. وهذا يساهم في نشر الوعي العالمي حول الحرف السعودية، مما يعزز من مكانتها في الأسواق الدولية ويجعلها أكثر طلبًا في الدول الأخرى. بالإضافة إلى ذلك، فإن التسويق السياحي لهذه الحرف يؤثر بشكل إيجابي على الاقتصاد المحلي، حيث يشجع على زيادة السياحة الثقافية ويدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة المتعلقة بالحرف. كما يسهم في خلق فرص عمل جديدة للحرفيين والمجتمع المحيط بهم من خلال المعارض والفعاليات المتخصصة. عالمياً، بلغ حجم سوق الحرف اليدوية حوالي 740 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن ينمو القطاع بمعدل نمو سنوي مركب قدره 4.9% حتى عام 2030. هذا يعني أن إيرادات الصناعة قد تصل إلى 773.8 مليار دولار في عام 2025، ومن المتوقع أن تصل إلى نحو 983 مليار دولار في 2030، مدفوعة بالطلب المتزايد على المنتجات الفريدة المصنوعة يدوياً. ووفقاً لليونسكو، تعود هذه الزيادة إلى عدة عوامل رئيسية، أبرزها أن المنتجات اليدوية تعتبر صديقة للبيئة، وهو أمر يمثل معياراً مهماً للكثير من المستهلكين. كما ساعدت زيادة الوصول إلى الأسواق العالمية عبر الإنترنت، بالإضافة إلى تزايد الفعاليات والمهرجانات الثقافية، في دفع هذا النمو. استدامة اقتصادية صرح مدير الاتصال المؤسسي بغرفة الأحساء الأستاذ/ خالد القحطاني بأن تحسين وصول المنتجات الحرفية للأسواق المحلية والعالمية يتطلب استراتيجية متكاملة تجمع بين التسويق، التوزيع، وبناء هوية قوية للمنتج، من خلال عدة خطوات من أهمها التسويق الرقمي وبناء الهوية ويأتي ذلك بإنشاء متاجر إلكترونية، كذلك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي (Instagram، TikTok، Pinterest) لعرض المنتجات بشكل إبداعي، بالإضافة الى إنتاج محتوى بصري (صور، فيديوهات) يبرز تفاصيل الحرفية والقصة وراء كل منتج. ومن أهم الأمور التغليف والعلامة التجارية بتصميم تغليف جذاب يعكس الطابع الثقافي والتراثي للمنتج. أيضاً المشاركة في المعارض المحلية والدولية لتعريف الجمهور بالمنتجات والتعاون مع المتاحف والمتاجر السياحية لعرض المنتجات كهدايا تذكارية. حيث أضاف “القحطاني” بأن التركيز على هذه النقاط، يمكن للحرفيين ليس للوصول فقط لأسواق جديدة بل أيضًا الحفاظ على استدامة الحرفة وتوارثها للأجيال. وتلعب الحرف اليدوية تأثير كبير ومباشر على المجتمع المحلي، سواء من ناحية توفير فرص العمل أو تعزيز الاقتصاد. ومن خلال توفير فرص العمل وكذلك تتيح الحرف اليدوية فرصًا للعمالة غير الرسمية، خاصة في المناطق الريفية أو النائية، حيث قد تكون الخيارات الوظيفية محدودة. كذلك أضاف “القحطاني” بأن الحرف تعتمد على العمل من المنزل، ما يمنح النساء فرصة للمشاركة الاقتصادية. كذلك، يمكن للشباب تعلم الحرف اليدوية كمصدر دخل بديل. وتعد المنتجات الحرفية نقطة تتميز بأنها فريدة وغالبًا ما تُباع بأسعار أعلى مقارنة بالمنتجات الصناعية، مما يزيد العوائد المالية. واخيراً ومع وجود الإنترنت ومنصات التجارة الإلكترونية، يمكن للحرفيين المحليين بيع منتجاتهم عالميًا، ما يرفع من مستوى الدخل ويوسع نطاق التأثير الاقتصادي. مهنة الآباء والأجداد أشار التاجر وصانع البشوت علي محمد القطان بدأت في حرفة حياكة البشوت ( المشالح ) منذ الصغر، حيث كان أجدادي وآبائي يمتهنون هذه الحرفة وكنت أتعلمها منهم جيلاً بعد جيل حتى أتقنتها ، ولكي نصل إلى درجة الإتقان في أي حرفة لابد أن يكون لدينا الشغف لمزاولة هذه الحرفة لتظهر بجودة عالية وصورة متقنة. وقال إن هنالك مستقبلاً زاهراً للحرف اليدوية في ظل دعم واهتمام حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان - حفظهما الله - ، وقد حظيت حرفتنا بهذا الدعم من خلال افتتاح المعهد الملكي للبشوت بالأحساء . كما أضاف “القطان” بأن التقدم التكنولوجي مطلوب في كل زمان ومكان خصوصًا في وجود التقدم الموجود بالمعدات المستخدمة لصناعة البشوت حيث إن هناك مسارين لصناعة البشت وهما اليدوي والتكنولوجي ولكل منهما عملاؤه. ونصح الشباب بتعلم هذه الحرفة كون ما يتم إنتاجه منها ( البشت ) عليه طلب دائم حالياً ومستقبلاً وفي مختلف المناسبات والمواسم ومن فئات المجتمع، وخاصةً في ظل دعم قيادتنا الرشيدة لهذه الحِرفة بإنشاء المعهد الملكي لصناعة البشوت بالأحساء. وأشار إلى أن للتكنولوجيا دوراً كبيراً في تطوير الحِرف اليدوية، حيث إن لكل مسار زبائنه، فالتقليدي “ اليدوي “ له عملاؤه والتكنولوجي “ بواسطة الآلات “ له عملاؤه ، وكل شخص يرتدي البشت بحسب مقدرته المالية ، اذ تتراوح تكلفة ( اليدوي ) بين 3500 إلى 7000 ريالًا ، والمُصنّع بواسطة الآلات تتراوح اسعاره من 750 إلى 1500 ريالًا. دمج الحِرف بالرقمنة أشار الحرفي طاهر العامر بأنه بدأ بتعلم الحِرفة منذ الصغر على يد من سبقونا من الأجداد والآباء، حيث داومت على تعلم أساسيات الحرفة وتقبل الملاحظات حتى وصلت لدرجة الإتقان وبالنسبة لمواجهة التحديات ذلك يكون بعد توفيق الله تعالى بالصبر والتدبر والتوكل على الله في جميع أموري ولله الفضل والمنه٠ وأكد “العامر” بأن عصرنا الحالي دخلت فيه التكنولوجيا والرقمنة، في كل أمور حياتنا، حتى في بعض الحرف اليدوية، حتى أصبحت مهددة بالاندثار إما لوجود البديل المُصنّع آلياً أو لعدم الحاجة لاستخدامها مما جعل ببعض الحرفيين اهمال حِرفهم، وكلنا أمل أن يوجد مستقبلاً من يهتم بدمج الحِرف اليدوية بالرقمنة للمحافظة عليها وكذلك دعم الحِرفيين. وحاضراً ليس هناك مقدرة للتكنولوجيا في تطوير الحرف اليدوية، وإن وُجد بعض منها فإدخالها في هذا المجال سيكون امراً سلبياً على الحِرفي من ناحية العائد المادي، إضافةً إلى ما يتطلبه ذلك من ميزانية لتوفير الآلات والمعدات اللازمة وكذلك تشغيل خطوط الانتاج. وأشار إلى أن أبرز التحديات الذي تواجه الحرفيين عدم توفر جزء كبير من الخامات (المواد الأساسية) التي تساعدهم في انتاج المنتجات الحِرفية ومن خلال هذا المنبر آمل وأتطلع لان يكون هناك تحرك واضح من جهات الاختصاص ومن لهم شأن والمهتمين بدعم الحِرفيين والمهن الحِرفية بشتى السُبل والوسائل للمحافظة على الحرف اليدوية واستدامتها عبر الاجيال. ختاماً نصيحتي للشباب البحث عما هو مطلوب في سوق العمل حالياً وتعلمه وإتقانه، وأن يكون تعلم الحرف اليدوية كجانب هواية آخر، وبذلك يجمع بين الاثنين (ما يتقنه وما يهواه).