جبير المليحان ينشر قصصه الجديدة في «شرفات»
القاص والروائي جبير المليحان هو من رواد كتابة القصة القصيرة في المملكة صدرت له العديد من المجموعات القصصية من بينها: (الوجه الذي من ماء)، ورواية (أبناء الأدهم). نال العديد من الجوائز وتم تكريمه في داخل المملكة وخارجها. وعندما يتعلق الأمر بالقصة القصيرة جداً فإن جبير المليحان يعد واحدا من أبرز من كتبها باحترافية عالية. وهو يسميها (القصة الصغيرة)، ويكتبها بوصفها موزونة ـ تعتمد على (الكلمة) وليس على الجملة التي تعتمد عليها القصة القصيرة بشكل عام ـ والمعنى لدى المليحان: استخدام اقتصاد اللغة التي تحقق الهدف تماماً. وهو يقول في هذا السياق: «القصة (الصغيرة) معادلة رياضية من الكلمات؛ إذا حذفت أحد أطرافها فسدت. للكلمة فيها إشعاع، يتسع حسب قدرة الكاتب على التكثيف، ويُدرك حسب وعي وثقافة القارئ؛ وهنا تتجلى قدرة المبدع على اختيار كلمات نصّهِ الصغير بعناية فائقة، معطياً مساحة للدهشة والأسئلة للقارئ». هنا جديد جبير المليحان من القصص الصغيرة والذي يخص به «شرفات»: ----- قصص صغيرة المقابر نهض آلاف الأطفال والنساء والرجال من قبورهم ليواروا جثامين ملايين العرب القابعين في بيوتهم إلى قبورهم. جمعوا أطنان الأسلحة، ومليارات الذخائر، ودفنوها معهم في قبور التاريخ. 18-11-2023 الجثة الطفل ممدد بجانب جدّه الذي قطعت يده اليسرى، وبترت ساقاه. الاثنان ميتان. يقبل جندي حذرا ويطلق شظية رصاص على الجثتين. يقترب أكثر ويطلق الرصاص، ترتفع كف الطفل في الهواء؛ فتمزقها رصاصة، تتفرق الأصابع، تلاحقها الشظايا.. يحرك الهواء رأس الجد، يطلق الجندي رصاص رشاشه على الجمجمة، يتشظى الرأس، وتتطاير بقايا المخ مصبوغة بالأحمر. تنفلت الذكريات وأيام التاريخ وتلتهم المكان، وتتوزع على الجهات. 20-10-2023 المساكن عاد الرجل سعيدًا بعد أن ضمن بناء مساكن أسرته كلها؛ بما فيها الرضيع غسان، والقادم الذي يتربى في جوف عروس ابنه. كان سخيًا وهو يوسع المساحات طولًا وعرضًا. لفت انتباهه أن سكان حارتهم جادون في حفر مساكن عائلاتهم. فكر في اليتامى والأرامل الذين لا أحد يحفر لهم بيوتًا. انطلق إلى سوق الأقمشة ليشتري أكفان أسرته، وكان حريصًا أن تكون جديدة وكافية للمّ القطع والأشلاء. 21-10-2023 ندم الطيّار! بعد أن ضغط الطيار على زر القذيفة الذكية لتقويض البناية ذات الطوابق الأربعة؛ لاحظ أن بجانبها بناية ذات ثمانية طوابق، (لابد أن فيها أطفالًا أكثر من بذور هذه الحيوانات البشرية!) تأفف، ولف بطائرته، وضغط لتنطلق قذيفة أخرى لمحو البناية الثانية. 22-10-2023 التوأم الطبيب وائل ينهمك في علاج الجرحى في الخيمة البيضاء. يأتي الصراخ: ـ بيتك يا دكتور يوسف قصف. يركض الرجال، أم وائل تتكئ على طابوقة مغمضة العينين، وعلى وجهها بقايا ابتسامة، وبسبابتها المخضّبة تؤشر إلى الشمال، وبقايا خرزات مسبحتها العتيقة في بقايا الكف الأخرى وبجانبها تسبح أحشاء زوجته في بركة دم. من تحت جدار إسمنت يستخرجون جسد الطفل الصغير بدون رأس، يضمه وائل ويبكي. لليوم السابع يصلي الطبيب وائل صلاة الفجر أمام الأنقاض، ويقف ودموعه تغسل رضّاعة الحليب، صارخًا: ـ غسان، أخرج يا غسان! يأتي الرجال ويكفكفون أحزانه، ويقودونه إلى خيمة العزاء. 23-10-2023 المستقبل يحمل أبو غسان لفائف أكفان الأطفال البيضاء ويدسها برفق في اللحد الصغير. تسقط دمعة فيهيل عليها التراب وينتقل إلى القبر السبعين. الشاب الذي يساعده، يمسح جبينه ويواسيه. الشيخ يقف، ويقول: - دفنت هنا أطفالي الأربعة، الباقون أطفالي أيضًا. يسرح بخياله على المربع الواسع، الذي قوضت الطائرات جميع بيوته، بناياته، مساجده، مستشفياته، ويرى القبضات الصغيرة تنبت من الأرض، يقول لنفسه: ـ (هذه سواعد شباب!) تنفتح الأكف وتتحول الأصابع إلى أسلحة وتزدحم الساحات، يقول لمساعده الشّاب: - هل ترى ما أرى؟! تنخرط دموع الشاب بالحلم. ويقول: - هذا هو المستقبل! ثم يرفع صوته بالغناء! 24-10-2023