سلة فواكه!

أحبّ فاكهة الرمّان، وأحاول ألا يفرغ منها بيتي؛ فهي فاكهة قرآنية، ذكرها الله عز وجل في نعيم أهل الجنة، كما أنها فاكهة بلاغية ذات طباق بين مرارة وحلاوة؛ حتى ليصح أن يقال في طباقها ما قاله الشاعر محمد عبدالباري في جناس البدو، ذاك الذي أغفلته البلاغة المختلّة. وثمة أسباب أخرى هي من المسكوت عنه والمضنون به عند الشعراء على غير أهله، وحسب النقاد منها أن يشيروا في خفاء وأن ينبّهوا إلى مكان الخبيء ليطلب وموضع الدفين ليُستَخرَج، ثم ما عليهم بعد ذلك من حرج أن يحملوها على أهازيج الباعة. ... لفاكهة الأناناس مذاق فاكهة الجنة شكلا جماليا، وكأن هذه الفاكهة وجدت لتذكّرنا بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، إذ بمجرد ما تنعم النظر في هذا التشكيل الجمالي تدرك أنها تومئ إلى ما هو أجمل وأكثر تصويرا وتحبيرا. ليس هذا فحسب، بل حتى الاسم يشي بحمال المسمى في رسمه وبنيته التي تحيل على عالم من الناس والأجناس المختلفة. يكفي أن تنطق الأناناس ليستحيل اللفظ إلى فاكهة! ... ترتبط فاكهة الجوافة في ذاكرتي ارتباطا شرطيا ببيت قديم من بيوتات الحضر في مكة، حين كانت تتدلى من خارج السور، وكنا حين نعبر بجوار هذا البيت نتصور أن خلف السور عالما من المباهج لا عهد لنا به في بيوتنا الشعبية غير المحاطة بالأسوار؛ لهذا السبب احتلت الجوافة في ذاكرتي موقع الأميرة النبيلة نادرة العبور في السكك والشوارع، وهي في نظري تقف بالضد من الموز والبرتقال والتفاح تلك الفاكهة الكلاسيكية المبذولة على قارعة النظر.  وإلى اليوم حين أبتاع من حلقة الخضار صندوق جوافة، أتخيّل أنهنّ مجموعة من الجميلات النائمات في رواية الياباني ياسوناري كواباتا، غير أني لست العجوز إيجوشي، فالأمر لا يصل إلى الحد التخييلي لكاتب الرواية ولا إلى بطلها المسوّر بتقاليد العمر، إنما هو شعور وجداني تجاه هذه الفاكهة الأنيقة التي حين تكون في كامل نضجها تتراجع أمامها حمرة البخارة وتورّد وجنتي المشمش، فلا فاكهة قادرة على سلب التاج من مفرق الجوافة!