لبنى الأمين:

تعرف طريق اللون.

١- تجربتي مع لبنى منحتني صداقةً كثيفة اللون، وأعطتني مزيداً من المعرفة بالشكل واللون. جديد لبنى تلوينٌ يضاهي اللون بالذات. فقد اكتسبت لبنى أيضاً خبرة التلوين فصار اللون في لوحتها موضوعاً يستوجب الانتباه. وعندما قرأت ألوانها الجديدة، رأيتُ أن الكتابة باللون أصعب من الكتابة العادية، حتى أنني رأيت إلى النصوص التي ترد في اللوحة، كتابةً ولصقاً، إنما هي ضربٌ من الكولاج. والكولاج فن بذاته. ٢- كنت أرى إلى الكولاج بوصفه كلاماً مضافاً إلى اللوحة لكي يجعل اللوحة أكثر فصاحة. لكن في لوحة لبنى يأتي الكولاج فيجعل عملها أكثر غموضاً. فلا الكتابة ولا الصورة تقول لي أكثر من اللون. رأيتُ هنا ان اللون أكثر وضوحاً، بل أنه يتولى العمل جميعه. ٣-  اول مرة -حسب ما أعلم- أرى قواربَ واقفة عمودياً في اللوحة. كمن يذهب إلى السماء، مخترقاً غيماً شفيفاً، أمتن منه الدخان الخفيف. ورأيتُ زرقة السماء مثل بياض اللوحة، فأنت حين تكتشف أين تضع لونك، تعرف طريقك. كأني بلبنى قد بدأت تعرف طريقها.  ٤- تتعلم لبني من التجربة، تجربتها خصوصاً. منذ الأبواب الأولى ذات الأخشاب القديمة، التي افتتحتها لبنى ثم دخلت في الرسم، تحولَ الرسمُ عندها ضرباً من الكلام. كلامٌ غامضٌ ويزداد غموضاً، لكن رؤيتها تتضح وهي تتقدم في التجربة.  ٥- ألوان لبنى الأمين طيور شفيفة تشبه خالقها. وعلينا ملاحظة كيف تتعرف لبنى على “الحداثة”، ليس بوسع لبنى الزعم أنها “حديثة” الرسم، ولن نسع مزاعمها مهما فعلت. ألوانها تتعرف على “الحداثة” لوحة إثر لوحة.  ٦- لونٌ يضاهي اللون، بمعنى الاكتشاف المدهش لتحولات اللون، ويعمل على تجاوزه. تجاوز اللون وتحولاته في آن. فإذا اندهشت الرسامة أثناء عملها، إندهشنا. وإن هي لم تندهش، خسرنا الجمال.  الجديد، هو مدهش دائماً. وكلما اكتشفت الرسامة جديد “الحداثة”، تيسر لنا، تبع ذلك، اكتشاف الجمال.  ٧- ليس ترفاً، الفن، إنه بمعنى ما، حوار حضاري مع الواقع. الإنسان في الكهف، لم يكن مترفاً وهو يرسم. لقد اكتشف اللون، بمصادفة مذهلة، فراح يؤنس وحشته بالتلوين على حائطه، جدار الكهف. راح إنسان الكهف يلوّن حياته، لكي يدهشنا عندما نكتشف ذلك. ألوانه كانت حواراً مع ذلك الواقع. الآن، تتغير الحضارات، ويبقى الفن طريقاً مُثلى للحوار مع هذه الحضارات. ويمكن لألوان لبنى الأمين ان تصير حواراً مكتنزاً بالمكتشفات مع الحضارة، فالرسامة هنا تبعث قواربها إلى السماء، لتسأل.  ٨- في المطلق، أرى طريقة التلوين في أعمال لبنى الأمين، أنها ضد سلطة المعرفة المسبقة. لا تقلد شيئاً معلوماً قبل ذلك، كذلك تناول موضوعاتها. فهي. - لبنى الأمين- لا تريد اتباع طريق نعرفها في مزج الألوان واستخدامها، إن في ذلك الاتباع سلطة تعلن الرسامة أنها ضدها. العمل الفني الجديد يبحث عن طريق مختلف ليحقق ذاته، لبنى تبحث عن ذلك الطريق.  ٩- فكرياً، ينبغي التأكد من كون التشكيل، جزءاً من الأيديولوجيا العربية الراهنة، فما يقوله رسم لبنى الأمين حتى الآن، هو مساءلة الفكر العربي عن تكويناته الأدبية. هل نذهب بحرية في طرح الأسئلة على الواقع الذي نعاني معايشته؟ لستُ متأكداً من ذلك، ولا يساعدني التشكيل العربي على معرفة ذلك. نحن نسأل ونستجوب الأعمال، ولا يجوز التوقف عند اللوحة.