أهل عُمان: الأمور طيبة.

اختتمت في الأسابيع الفائتة فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته التاسعة والعشرين، وشرفت بالتواجد هناك، وتوقيع مجموعتي القصصية الصادرة حديثاً (الرجل الذي لا يقطع لسانه) الصادرة عن دار عرب للنشر والترجمة. ومن نافلة الكتابة، ذكر إعجابي بإقبال القراء العمانيين على الاطلاع على أخر الإصدارات والتواصل مع الزوار؛ بهدف التعارف ومد جسور الثقافة والمعرفة، إلا أن ما دفعني لكتابة هذا المقال هو ما وجدته في عمان نفسها، وما استقبلني به أهلها، وهو ما يلفت الانتباه، ويحفز زائر السلطنة للمرة الأولى للكتابة عنه. لن أعيد ما كتبه كثير غيري عن لطافة الشعب العُماني وحفاوته وكرمه، والتي صادفتني أثناء جولاتي – رغم قلتها – في الأسواق والمعالم السياحية؛ لكون ذلك بات من المفروغ منه، ما حولها إلى سمة بارزه تطارد الرجل والمرأة في عُمان، وخلاف ذلك هو الاستثناء. بل سأسلط الضوء على عبارة كانت مُدهشة بالنسبة لي، رغم سريانها لا شعورياً على ألسنتهم جميعا، وحتى لا أبالغ، سأقول جميع من قابلتهم وجلست معهم، ألا وهي كلمة: «الأمور طيبة». أول عهدي بها عندما كنا على متن الطائرة، وطلبت من المُضيفة العماني الدفع بالريال السعودي، لعدم توفر عملة عمانية بين يدي في حينها. ظهرت عليها شيء من علامات الحرج، فاعتذرت وطلبت منها إلغاء الطلب، فرفضت بشدة» لا لا.. الأمور طيبة، الأمور طيبة». دفعت بالعملة المحلية، وقابلت ذلك مشكورة بابتسامة، وواصلت جولتها. أثناء انتظار السائق، كنت في حيرة من أمري لتحديد موقعي، قابلني مسؤول أمني، وسألني إن كنت بحاجة لمساعدة، فشرحت له ما أنا فيه، وشكرته. وقبل المغادرة كررها غير مرة: الأمور طيبة. استقبلني ناشر دار عرب الشاعر العزيز ناصر البدري في منزله طوال إقامتي، وأكرمني بما يخجل معه المرء أن يصفه. ومنذ ليلتنا الأولى لم يكف لسانه عن مقابلة كل موقف كان يقع، صغر أم كبر بجملة: الأمور طيبة. أخذ الأمر يلفت نظري بشكل متصاعد عندما قمت بزيارة مدينة نزوى، تلك المدينة الساحرة والزاخرة بالثقافة والتراث والمفارقات الحضارية والاجتماعية، حيث الكلمة تجري على ألسنتهم كأنها الحل السحري لكل ما يعترضهم، بل هي ما يفتتحون به كل رد، صغارهم وكبارهم على حد سواء. قيل لي أنك عند زيارة سوق مطرح، والذي يعتبر معلم سياحي يرتاده القاصي والداني ممن تتاح لهم زيارة مسقط، فإن السوق الشهير يغلب على من يديرها في الوقت الراهن العمالة الوافدة؛ بخلاف الوضع في نزوى التي يديرها العمانيين بشكل كامل، ومع ذلك صادفت الكثير الذين لم تسقط الكلمة من ألسنتهم، للدرجة التي جعلني أراهن نفسي ما أن أبادر أحدهم بالحديث، وكنت أقول في حال عدم ذكرها في بداية الحديث، وهو السائد، فهي في الخاتم، ومع الأسف لم يكن أحد غيري في كل مرة يسخر الرهان. أستطيع أن استشف من تكرار العمانيين جملة «الأمور طيبة» في سائر أحاديثهم أنها تعبير عن نمط تفكير يتملك أغلبهم، حيث أن الأصل عندهم في مواجهة المشكلات هو التخفيف من هولها، ومحاصرة أثرها، ما يسمح لهم بالتفكير ملياً، وإعطاء المنطق مجاله للعمل، لإحداث الفارق المأمول. لا أريد أن أكون منحازاً، ولكن الدراسات الاجتماعية والوقائع تثبت بأن أهل الساحل بالعموم، تغلب عليهم السماحة وسعة البال، وهو ما يقل عند غيرهم. الأكيد لا بد من شكر عمان على كمية الصفاء والنقاء التي ملئت بها الروح في الأيام القليلة التي قضيتها هناك، فقد كانت نزهة على خُلاصتها على كافة الأصعدة: الأمور طيبة.