الملاحق الثقافية ..

هل عمّقت الفجوة بين الأجيال والأدب العربي.

هل هناك بريق مثل بريق الأدب؟ وهل هناك عذوبة مثل عذوبته؟ ومن الشعر ما يُبحِرك في عوالم المعاني والإيجاز، فيختصر لك التجارب والحياة في كلام بليغ موجز، ذو جرس عذب رقيق. ولا يقل النثر عن الشعر عذوبة وجمالًا، وإن كان تشويقه وسحره أشد أثرًا على القلب والروح. ألا ترى في فن القصة ما يحملُك لعوالم الخيال الفاتن؟ أما الدراسات النقدية، فقد جمعت بين أسس العلوم كلها من بحث ودراسة وتحليل وتبيان، وإن فاقت جميع العلوم بصورة الإخراج الذي يحاكي الأدب في عذوبته. لذلك، لا غرابة أن تجد الكل يحب الملاحق الثقافية ويجد فيها ضالته، أيًّا كانت تلك الضالة. ولكن الملاحق اليوم، في بعضها وليس كلها، قد فقدت بريقها وأصبحت خواءً لا نفع فيه. بل تجد أن من يحرص على قراءتها نزرٌ قليل. وما سبب هذا العزوف إلا الإصرار على عدم التغيير والتطوير. أو أن بعضهم بالغ في ذلك، فأصبح يُخلُّ بمعنى الأدب والفكر، فصار مقلدًا لما يُطرح في السوشيال ميديا ووسائل التواصل، شأنه في هذه الكبوة شأن الإعلام ووسائله. لذلك، في الفترة الأخيرة شاهدنا الحديث عن موضوع واحد، ومؤلف واحد، في جميع الملاحق والوسائل، وكأن الأدب قد فقد صورته، لتتحول إلى تجمهر أو ساحة حرب شرسة بين المؤيد والمعارض، فغابوا عن جوهر الأدب ومعناه، فحُرموا ذلك الخلود الذي يمنحه الأدب لصاحبه ومحبه. أما من بقي على القديم، فقد جعل ما يُقدَّم في تلك الملاحق الثقافية رثًّا قديمًا لا يستثير نظرة الشباب الصاعد، فخلق بين الأجيال والأدب هوةً سحيقة. لا أعلم: هل يستطيع الأديب الحق ردم تلك الهوة، أم يعجز عنها؟ فإن تلك الملاحق ما زالت تقدم دراسة أدبية عن نصوص أدبية قديمة، ولكنها لم تقدم دراسة نقدية عن قصص وشعر وروايات حديثة، وإن قدمت، فعلى استحياء، دون نقد جاد محفز على الاستكشاف والاطلاع. كما أن لغة الكتابة ما زالت تعتمد اعتمادًا غير مبرر على لغة علمية تميل النفس إلى النفور منها. في عصر الذكاء الاصطناعي، ماذا يجذبني لدراسة عن المرأة في شعر نزار؟ أو ماذا سيثير شغفي لدراسة عن بين القصرين؟ أو هل أحبت مي زيادة أم لا؟ كل هذه المواضيع كانت ستكون أشد جاذبية، لو عُرضت بصورة حديثة، أكثر واقعية وعصرية، أو حتى قُدِّم هؤلاء الأدباء بصورة عصرية، ورُبط أدبهم وما قدموا بالعصر ومتغيراته، بل ونُقدت تلك الأعمال نقدًا أدبيًا جادًا، من زاوية مختلفة، دون انحياز في تمجيد القديم. إن ما يحدث من تهميش وعدم النظر إلى مئات الروايات والقصص الحديثة الناجحة، أو حتى مناقشة نجاحها أو فشلها في ميزان الأدب والنقد، وهذا ضربُ مثالٍ لا تعميم. ولا أعني بذلك تهميش أدبائنا السابقين، حاشا وكلا، فإن الأدب العربي أخرج لنا نجومًا، بل شموسًا مضيئة، لا يفنى ولا ينتهي بريقها، وأدبهم هو من جعلهم قامات خالدة، وهذا ما نقوله ونؤكد عليه، ولكن علينا أيضًا ألا نغفل واقعنا وحاضرنا، حتى يبقى منا شُموسٌ كتلك الشموس، يُذكر بها عصرنا وعهدنا عند دراسة الأدب في قادم الأيام. وقد يسأل سائل: ما هو المطلوب للنهوض بالملاحق الثقافية الأسبوعية؟ • نقد الأدب الحديث نقدًا هادفًا بنّاءً. • طرح الروايات والقصص الحديثة تحت مجهر النقد الجاد. • طرح المواضيع التي تحاكي الشارع أو الحياة اليومية للقارئ العربي. • نشر المواضيع الحديثة التي تتناول قضية حديثة، في شتى صنوف الأدب من شعر ونثر، وتكريم أصحابها، مثل قصة عن الذكاء الاصطناعي، أو شعر، أو أي حدث حديث على ساحة الحياة اليومية. • دراسات نقدية عن الأدب القديم وربطها بقضية راهنة، وكل هذا ممكن ومتاح. وفي ختام كلماتي، لعل حال هذه الكلمات مع الملاحق الثقافية هو حالة حب لها من قلمٍ يُريد لها النجاح، يصفه الشافعي رحمه الله بقوله: ولو أني بليتُ بهاشميٍّ خبأتُ لهُ في القلبِ ودًّا وإن زجرتُهُ زجرَ المُحبِّ