زيارة الرئيس الأمريكي..

السعودية أولاً.

لم تكن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الثانية إلى الرياض زيارة مجاملة ولا استعراض نفوذ، بل كانت أقرب إلى ورشة إعادة صياغة للعلاقات، ومعادلات التوازن، ومفاتيح المستقبل. منذ أن وطأت طائرته مدرج مطار الرياض، بدا أن الملفات التي يحملها لا تقل وزناً عن رسائل ما لم يُقل: النووي السعودي، غزة، إيران، الذكاء الاصطناعي، واتفاق استثماري بتريليون دولار. منذ اللحظة الأولى لوصوله، بدت الزيارة مختلفة في كل تفاصيلها، بدءًا من الاستقبال رفيع المستوى الذي تقدّمه سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان شخصيًا، في مشهد يفيض بالرمزية والدلالة. لم يكن ذلك مجرد التزام بروتوكولي، بل رسالة سياسية مفادها أن السعودية اليوم لا تستقبل الزعماء بوصفها محطة في جولاتهم، بل باعتبارها منصة تأثير لا غنى عنها. اللقاءات المغلقة التي تلت الاستقبال حملت عناوين تتجاوز الإقليم إلى النظام العالمي: من أمن الطاقة والذكاء الاصطناعي، إلى إعادة رسم العلاقة مع إيران، ومستقبل التوازنات في الخليج. أما اقتصاديًا، فقد رافقت الزيارة ملفات استثمارية ثقيلة، أبرزها اتفاق بقيمة تريليون دولار، يُتوقع أن يُحدث نقلة نوعية في قطاعات التقنية والطاقة والصناعة الحيوية، ويؤسس لشراكة متكافئة قائمة على المصالح لا الوصاية. هذه ليست مجرد عناوين للصحافة، بل محاور لصناعة مشهد دولي جديد، تُصر فيه السعودية أن يكون دورها فاعلًا لا تابعًا، وشريكًا في التشكيل لا رقمًا في معادلة الآخرين. في العمق، ثمة قناعة تتكرس اليوم: أن الرياض لم تعد محطة عابرة في جولات الرؤساء الأميركيين، بل باتت المحطة الأولى في العقل الاستراتيجي لأي إدارة تبحث عن الشرق الأوسط من موقع التأثير لا التلقي. في هذه الزيارة، ظهر جليًّا أن السعودية باتت تكتب شروطها على الطاولة، لا تنتظر أن تُعرض عليها. فالتحولات الجذرية التي قادها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال السنوات الماضية لم تُعد ترتيب الداخل فحسب، بل أعادت أيضًا ترتيب موقع المملكة في خرائط السياسة الدولية. ولعل الأهم من حجم الاتفاقيات وعدد الملفات، هو التوقيت. فالزيارة تأتي وسط سقوط تحالفات وانكماش نفوذ وارتباك في موازين القوى التقليدية. وتأتي أيضًا في ظل تحولات جذرية في علاقة أميركا بالعالم، وفي ظل مشروع سعودي طموح يريد أن يكون ضمن العشرين الأقوى، لا فقط في المؤتمرات، بل في التأثير الفعلي. وقد لخّصت شبكة CNN المشهد بكلمات مباشرة حين قالت مراسلتها من الرياض: “نحن في عصر جديد تماماً في منطقة الشرق الأوسط، المملكة العربية السعودية، والتي شهدت تحولاً هائلًا على مدار السنوات الثمان الماضية، تبحث عن استثمارات وشراكات ضخمة لتحقيق رؤيتها. فالسياسة هنا هي: السعودية أولاً.” ترمب لم يعد إلى الرياض فقط ليستأنف الشراكة، بل ليُعيد تعريفها. والسعودية، كما قال مراقب دبلوماسي، لا تبحث عن ضمانات كما في اتفاق كوينسي، بل عن مصالح مشتركة تُبنى على الوقائع لا على النوايا. “العلاقات الكبرى لا تُبنى بالكلمات الدافئة، بل بالإرادة الصلبة، والمصالح المتوازنة، والاحترام المتبادل للقرار والسيادة.” – منسوب لتحليل في مجلس السياسات الخارجية الأميركي (2025) وفي هذه اللحظة، بدت الرياض لا كمجرد عاصمة إقليمية، بل كعاصمة قرار، ومركز ثقل، ومفتاح لإعادة تعريف الشرق الأوسط. وكما أشار محللون سياسيون، فإن زيارة ترمب إلى الرياض تمثل تحولًا في العلاقات الثنائية، حيث تسعى المملكة إلى ترسيخ دورها كشريك استراتيجي لا غنى عنه في صياغة مستقبل المنطقة، بعيدًا عن الأدوار التقليدية التي كانت تُفرض عليها سابقًا.