كُرم بجائزة «شخصية العام الثقافية» وجائزة أمين مدني:

سعد الصويان.. ذاكرة أدب الصحراء.

أدت سنوات من البحث العلمي والتأليف في مجال علم الاجتماع إلى حصول الدكتور سعد الصويان على جائزة «شخصية العام الثقافية» المقدمة من وزارة الثقافة ضمن مبادرة الجوائز الثقافية الوطنية في دورتها الرابعة العام الماضي 2024، ونظراً لظروفه الصحية، فقد زاره وزير الثقافة سمو الأمير بدر بن عبد الله فرحان في منزله وسلمه تلك الجائزة الرفيعة. والدكتور سعد عبدالله الصويان من مواليد عنيزة عام 1944م، وتحصل على بكالوريوس في علم الاجتماع من جامعة شمال إلينوي الأمريكية عام 1971م، وماجستير في الأنثروبولوجيا من الجامعة ذاتها، قبل أن ينال شهادة الدكتوراه في الأنثروبولوجيا والفلكلور والدراسات الشرقية من جامعة كاليفورنيا في بيركلي عام 1982م. وفور عودته إلى المملكة، عين الصويان أستاذاً مساعداً في جامعة الملك سعود عام 1982م، وأشرف على متحف التراث الشعبي في كلية الآداب بين عامي 1982 و1984، ثم عين رئيساً لقسم الدراسات الاجتماعية من عام 1984 وحتى عام 1988، وتمت ترقيته إلى مرتبة أستاذ مشارك عام 1987، قبل أن ينال منحة في جامعة Erlangen-Nurnberg الألمانية، وبعد عودته أعير إلى دار الدائرة للنشر والتوثيق، قبل أن يعود مجدداً للعمل في جامعة الملك سعود عام 2002، وبعدها بعام رقي إلى مرتبة أستاذ، وقد وصفه الكاتب فهيد العديم بـ “شيخ الأنثروبولوجيين العرب” في مقال له بصحيفة (الرياض). جمع الشعر النبطي وسيرة الملك المؤسس تولى الدكتور الصويان عدة مشاريع توثيقية، ومن أهمها مشروع جمع الشعر النبطي من مصادره الشفهية الذي موله مركز البحوث بكلية الآداب، جامعة الملك سعود، وذلك خلال الفترة من 1983 وحتى 1990، وخلال تلك الفترة تم تسجيل مئات الساعات من المقابلات الشفهية مع المسنين من رواة البادية وجمع كل ما يتعلق بحياة البادية من أشعار وقصص وأنساب ووسوم وديار وموارد وتاريخ شفهي. وعقب ذلك، تولى خلال عقد من الزمان (1991-2001) منصب رئيس ومدير عام “المشروع الوثائقي الملك عبدالعزيز آل سعود: سيرته وفترة حكمه في الوثائق الأجنبية” الذي صدر عن دار الدائرة للنشر والتوثيق في عشرين مجلداً ضخماً يقع كل منها في حدود سبعمائة صفحة تحتوي على ملخصات عربية وافية لما لا يقل عن 50 ألف وثيقة تم جلب أصولها من الأرشيفات البريطانية والفرنسية والأمريكية، كلها تتعلق بفترة حكم الملك عبدالعزيز آل سعود، وتغطي الفترة التي تمتد من نهاية القرن التاسع عشر حتى نهاية عام 1953، وشارك في تلخيص وترجمة وصياغة هذه الوثائق عشرات المؤرخين والمختصين في اللغات الأجنبية. وفي العقد ذاته، كان د. الصويان المشرف العلمي ورئيس هيئة تحـرير المشـروع الوثائقي “الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية” الذي صدر عن دار الدائرة للنشر والتوثيق في اثنا عشر مجلداً، يقع كل منها في حدود 500 صفحة، ويتناول كل مجلد منها جانباً من جوانب الثقافة التقليدية من الطب الشعبي والعطارة إلى الألعاب الشعبية والعمارة التقليدية والفلاحة والحرف اليدوية، وغير ذلك. وشارك في تأليف هذه المجلدات وكتابتها عشرات المختصين والأكاديميين والمهتمين بمختلف جوانب الثقافة الشعبية والحياة التقليدية في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية، كما شارك شخصياً في تأليف بعض المجلدات مثل مجلد الإبل ومجلد القنص والصيد، وأشرف على «وحدة الذاكرة السعودية» بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. وتسلمت وحدة الذاكرة السعودية التابعة لـ«مركز الملك فيصل للأبحاث»، إدارة مكتبة الدكتور الصويان ومجموعته الفوتوغرافية والصوتية، بالإضافة إلى مجموعات أخرى مماثلة، وعن ذلك كتبت صحيفة الشرق الأوسط: “وهي وحدة فريدة من نوعها، ونظائرها محدودة في العالم، وتتاح محتوياتها للباحثين والأكاديميين في مجالات التاريخ الشفهي والقبَلي والعادات والتقاليد في السعودية، وما اتصل بهذا التراث من تفاصيل مختلفة. وتوفر الوحدة قائمة بيانات تشمل الكتب والمواد السمعية والبصرية وقواعد البيانات الببليوغرافية، وخدمات الباحثين بعد إدراج جميع مواد الصويان وفهرستها، سواء الكتب أو المواد السمعية والبصرية، ويمكن لأي باحث وفقاً لقواعد الاطلاع بالمركز أن يزور الوحدة ويستفيد من مجموعة الكتب المتخصصة النوعية والنادرة، التي تضم نحو 2447 كتاباً عربياً، ونحو 1820 كتاباً باللغة الإنجليزية واللغات الأخرى، ونحو 97 مخطوطة للشعر النبطي. كما تضم المجموعة الصوتية للدكتور الصويان التي سجلها منذ عام 1403 للهجرة حتى عام 1410، وتحتوي على كتاب «أيام العرب الأواخر»، كما تحتوي على 585 تسجيلاً، تضم 378 ساعة، ومجموعة أخرى من التسجيلات والصور الفوتوغرافية الغنية بالمعلومات والأرشيف الثري والفريد. وأشرف الدكتور الصويان شخصياً على فهرسة التسجيلات وفق منهج وفهرسة معينة قبل إدراجه في قواعد المعلومات، وتبنى المركز مؤخراً خطوة جديدة للاستفادة من هذه الثروة التوثيقية، وهي تفريغها نصياً وحرفياً، وقد تم تفريغ نحو 100 ساعة تقريباً جاءت في نحو 2000 صفحة”. كتبه ومؤلفاته للصويّان عدد من الكتب المنشورة في تاريخ وفهرسة الشعر النبطي والمأثورات الشفهيّة إلى جانب الكثير من الرسائل العلمية والمقالات باللغتين العربية والإنجليزية. ومن أبرز كتبه: - أطروحات أنثروبولوجية: الذي قال عنه: “هذا الكتاب يتضمن عدداً من المقالات باللغتين العربية والإنجليزية أتطارح فيها مع القارئ بعض القضايا المتعلقة بالشأن الثقافي المحلي، بالمعنى الإثنولوجي للثقافة. وكما هو معلوم، فإن الإثنولوجيا فرع من فروع الأنثروبولوجيا التي تهتم بالجانب القولي والمعنوي للثقافات المحلية. نشرت هذه المقالات في دوريات علمية متخصصة، عدا واحدة منها باللغة العربية وخمس باللغة الإنجليزية تنشر لأول مرة وتتناول قضايا الشعر النبطي والقوانين العرفية في البادية وتفسير ظاهرة الكرم العربي وشعر المديح”. - ملحمة التطور البشري: ويقول عن هذا الكتاب: “الأنثروبولوجيا هو علم الأمم المتحضرة، لكن موضوعه هو البحث عن البذور البدائية للحضارة البشرية، وجذور التاريخ الإنساني، والغوص إلى أعماق النفس البشرية بحثاً عن طبيعة مشتركة بين الإنسان والإنسان وبين الإنسان والطبيعة. الرسالة التي يحملها الفكر الأنثروبولوجي هي التي أهلته لأن يحتل موقعاً متميزاً في عالم اليوم، فهو ليس مجرد تخصص أكاديمي أو فرع من فروع العلوم الاجتماعية والإنسانية. الأنثروبولوجيا نقلة نوعية ساهمت في تشكيل الفكر المعاصر وتحديد مسيرته على الطريق الصحيح نحو فهم الطبيعة البشرية والتعايش الإنساني وتحرير العقل من العنجهيات المذهبية والعنصرية والشوفانيات العرقية، بل إلى ربط الإنسان بالطبيعة بعدما كان ينظر إلى نفسه ككائن متعال على الطبيعة. إنها فلسفة حياتية ونظرة انفتاحية تسامحية تقر مبدأ النسبية الثقافية وتشرع الأبواب نحو تقبل الآخر والحوار السلمي مع الإقرار بالحق في الاختلاف. إنها تمثل روح العصر الحديث التي تنبذ الخطاب المنغلق على نفسه خلف تحيزاته وتخلفه وجهله. الأنثروبولوجيا هي الأداة التي تزيح الغشاوة عن العقول والأقنعة عن الوجوه حتى نستطيع التعرف على أنفسنا كما نحن حقيقة لا كما أن نكون، ونستطيع معرفة الآخر كما هو حقيقة لا كما نتصوره أو نريد له أن يكون. هكذا نفهم أنفسنا ونتقبل الآخر. إننا على عتبة الدخول إلى عصر حوار الحضارات الذي قدم الفكر الأنثروبولوجي مساهمة فعالة في تشكيله وتوجيهه”. ونال الصويان جائزة الشيخ زايد للكتاب عن كتابه هذا، وقد نشر موقع الجائزة أسباب فوزه حيث قال: “لقد جاء قرار الهيئة العلمية ومجلس أمناء الجائزة بتسمية الصويّان فائزاً للمجهود الضخم الذي بذله الفائز في جمع المادة العلمية، والاطلاع على طيف كبير من المناهج المستخدمة في العلوم الاجتماعية، كما يظهر في الكم الضخم من المراجع، ولقدرة الكتاب على تتبع فكرة التطور ونقل منهجها من الميدان البيولوجي إلى الميدان الاجتماعي والاقتصادي والربط بين هذه الأبعاد، إضافة إلى تعزيز الدراسات الأنثروبولوجية في المكتبة العربية، وهي دراسات قليلة مقارنة بالدراسات الاجتماعية. هذا واعتبر الكتاب امتداداً للجهود العلمية التي تهدف إلى تعميق التحليل الأنثروبولوجي، إلى جانب وحدة فكره المركزي، فالباحث وضع فكرة التطور-بمعناها العام- ورصدها في جوانب التغير في كافة الأنساق عبر مراحل تاريخية تبدأ من فترات سحيقة، وسعى بقدر من الدقة إلى رصد التطور في الأنساق المختلفة ليدلل على التطور العام الإنساني، وبهذا فإن البحث يمثل إضافة للمكتبة العربية. تبحث هذه الدراسة التي تقع في 1014 صفحة من القطع الكبير، في مسألة التطور البشري من منظور أنثروبولوجي، وتقدم دراسة تفصيلية تحتوي على توصيف شامل، أو يكاد، لمراحل التطوّر البشري كافة، وأبرز الإسهامات التي وفّرها علماء الأنثروبولوجيا في هذا المضمار، على مرّ العصور. وأهمية العمل، الجلية والفائقة، تتبدى أيضاً في ما بذله المؤلف من جهود شاقة لتعريب المصطلحات”. - فسح سهواً: “مقالات في الشأن المحلي السعودي”، ويحوي سلسلة مقالات تم نشرها في صحيفة الاقتصادية، قبل أن يأتي منع بإيقافها، ورأى د. الصويان أن يتم عرضها في هذا الكتاب “بقضها وقضيضها”؛ لتكون أمام القارئ ليحكم بنفسه إن كان فيها ما يستحق المنع، ويرى أن كتابته مجرد محاولات وتأملات في قدمها بدون مواربة لتشخيص وضعنا الداخلي وتركيبة المجتمع وطبيعة معطياته. تنوعت مقالات “الصويان” في تناوله لقضايا عديدة تعني بكل ما يتعلق بالتراث الشفوي والأمثال الشعبية والشعر النبطي والأساطير الشعبية، ومقالات خاصة عن المهتمين بهذا الشأن أمثال حمد الجاسر. وأيضاً تحدث عن القضية الفلسطينية، ونظريات تفسر نشوء الدولة السعودية، وسلسلة مقالات عن منزلة العقل في الفكر الديني، وعن خادم الحرمين الشريفين ووقفاته التاريخية تجاه القضايا المجتمعية، وعلى رأسها قضايا التصنيفات الفكرية والطائفية والمذهبية والتي توحي بأنه مواطن مسكون بهموم الوطن وقضاياه. وله أيضاً كتاب “الصحراء العربية، شعرها وثقافتها عبر العصور: قراءة أنثروبولوجية” الذي صدر عام 2010، وكتاب “أيام العرب الأواخر: أساطير ومرويات شفهية في التاريخ والأدب من شمال الجزيرة العربية مع شذرات مختارة من قبيلة آل مرة وسبيع”. وصدر له باللغة الإنجليزية أيضاً، كتابNabati Poetry: The Oral Poetry of Arabia، الصادر عن جامعة كاليفورنيا عام 1985، وكتاب The Arabian Oral Historical Narrative: An Ethnographic and Linguistic Analysis، الصادر عام 1991م في ألمانيا. الجوائز والتكريمات فاز الدكتور سعد الصويان بجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع التنمية وبناء الدولة، في الدورة الثامنة عام 2014، عن كتابه “ملحمة التطور البشري”، وتم تكريمه من قبل حاكم الشارقة خلال ملتقى الشارقة الدولي للكتاب عام 2016. كما فاز بجائزة أمين مدني للبحث في تاريخ الجزيرة العربية في دورتها السادسة عام 2017م/ 1438هـ مناصفة مع الدكتور عبد الرحمن الأنصاري، وجائزة «شخصية العام الثقافية» من وزارة الثقافة ضمن مبادرة الجوائز الثقافية الوطنية في دورتها الرابعة العام الماضي، لينضم إلى نخبة من المتوجين بالجوائز الثقافية الوطنية التي انطلقت لأول مرة عام 2020. تألق إذاعي وكان للصويان أيضاً برنامج إذاعي اسمه “سواليف من الأرشيف” كان يبث على أثير MBC FM، وعن هذا البرنامج قال لصحيفة الرياض: “هذا البرنامج يعد نافذة نتعرف من خلاله على التاريخ الاجتماعي على مر الأزمان، وهو جزء من عمل كبير قمت بالإعداد له منذ أكثر من 25 سنة تجولت فيها على عدة قرى وهجر في الشمال، وذهبت إلى مقاطين البدو ومواردهم ومعي مسجل، وكلما وجدت شاعراً أو روائياً أو كبيراً في السن سجلت ما يقوله على شريط (الكاسيت) وهكذا.. حتى جمعت كماً هائلاً من المعلومات عن حياة البدو وطريقة عيشهم وتعاملهم ومجالسهم وكل ما يدور في حياتهم اليومية”. ويضيف قائلاً: “سواليف من الأرشيف ما هي إلا جزئية من هذا العمل الكبير اخترت منها التاريخ والأشعار، فيما استبعدت الأنساب والوسوم والموارد كونها تخلو من الجانب الأدبي وهو ما يحول دون إذاعتها نوعاً ما”، وذكر الصويان أن هذا العمل يهدف إلى ربط البداوة والصحراء وشعرائها الشعبيين بالعصر الجاهلي لمحاولة البحث عن إجابات لكثير من التساؤلات والعقد القائمة من خلال البحث الميداني لحل ألغاز وقضايا الشعر الجاهلي”.