شاعر متفرّد يستنطق الحجر ويطالب بتجريم الحرب:
علي بافقيه: ما يحدث في المشهد الشعري أمر مؤسف.. و«الشعر العمودي» مصطلح غير معقول!
يعد الشاعر علي بافقيه واحدا من أهم الشعراء الذين كتبوا شعرا حديثا في المملكة. وهو يمتلك تجربة ابداعية طويلة بدأت في وقت مبكر من السبعينات الميلادية. وعلى الرغم من حضوره المبكر الا أنه لم يصدر سوى ديوانين شعريين هما -جلال الأشجار- و -رقيات-. وهو يقول بأن مجموعته الثالثة من المفترض أن تكون جاهزة للنشر لولا أن مشاكل فنية تواجه جمعها من صفحته على -فيسبوك-، وهو ما يعده الشاعر كارثة حقيقية قد تضيع معها الكثير من النصوص الشعرية الفريدة. هنا حوار مع الشاعر بافقيه حول مسيرته الشعرية الطويلة والهواجس والقضايا التي تشغله في الوقت الحالي: * ما بين ديوانيك “ جلال الأشجار “ و”رقيات” كيف تتحدد المسافة التي تقطعها اللحظة الشعرية بين زمنين، ومخيلة لتجربة واحدة؟ -كنت وربما لا أزال أُصفّي الكتابات والتأملات. أكتب في حالة رغبة عارمة وصفاء، وأعتقد أن هذه الحالة جانب منها سلبي، وجانب منها إيجابي.. وحتى ما أكتبه أختار منه وأهمل الباقي للأسف. صديقي وأستاذي عبدالعزيز مشري (زعل مني وهاوشني) عندما رأى مجموعتي الأولى ينقصها الكثير من القصائد التي يعرفها الأصدقاء والتي نشرت في الصحف. لا شك أن هناك حالات مختلفة، وأصناف من المعاناة مختلفة بين المجموعتين وكذلك اللغة الشعرية والصياغات والنظرة للحياة. لست مترجمًا * تسرح أحايين في براحات الترجمة، كأنما تأخذك لحظة بعينها من الشغف نحو تجريب ما؟ - ما يحدث في “التواصل” هو محاولات لأن يصل لأصدقاء الفيسبوك ما أكتبه وما أقرأه. أكتب بعض الشظايا أو أختار وأذهب بها لقوقل ثم أُصحح ترجمة قوقل وأعيد صياغتها. لست مترجما وإنجليزيتي لا تصل لدرجة الترجمة إنما أتمرن وأحاول المحافظة على اللغة الإنجليزية وكذلك لدي أصدقاء لا يعرفون لغتي الأم، فأكون تشاركت مع الجميع. * إلى أي مدى تأخذك ترجمة بيت شعري للمتنبي مثلا أو صدرا من أسرية ابو فراس الشهيرة تمثيلا لا حصرا؟ - كما قلت إنني أحاول المحافظة على ما تبقى من إنجليزيتي والسبب الأساسي أن ترجمة قوقل سيئة ولي أصدقاء في الفيس أريد إيصال شعر المتنبي لهم بدون أخطاء قوقل. تأخذ مني وقتا، ولكنه مفيد فهو تمرين وتزجية وقت فيما هو مفيد. قنص الغزالة * ربما احتاج الشاعر إلى ذائقة مغمورة ومتصالحة بماء الشكل الشعري، هل يتعين عليك في لحظات ما أن تعيش الشعر قبل أن تقتنص لحظته كتابة ورؤيا؟ - أعيش الحالات الشعرية باستمرار وأنغمر مع نفسي في طقوس شعرية دائما؛ ولهذا تجدني وحيدا في معظم الوقت، وقليل اللقاءات كما أنني لست جيدا في الأمور الاجتماعية وضروراتها. أحيانا اقتنص اللحظة الشعرية فأكتبها. في الماضي كانت اقتناصاتي أكثر بكثير من الآن فقد كنت أضع قلما وورقة في جيبي فقد تمر غزالة جديرة بالاحتفاء والقنص. الشعر العمودي ليس مصطلحا معقولا! * قدمت ما يشبه نصحا نقديا بقولك:” من يكتب شعر الشطرين، عليه أن يقترب من المتنبي الذي أوصل شكل القصيدة الكلاسيكية إلى ذروة تألقه.” اليوم يكثر المحاكون ويتكاثر القائلون، ويقل الشعر؟ - نعم، ما تقوله صحيح يا صاحبي. الشكل العمودي هو الشعر العربي الكلاسيكي، وأقصد الكلاسيكي بالمعنى الإيجابي للكلمة، أي أنه تجليات ومرجعيّات تراثنا الشعري وتجليات لغتنا العربية العظيمة والخالدة. ولا شك أن أحمد المتنبّي قد رفع الشكل العمودي الى أقصى تجلياته. وذلك لأن المتنبي شاعر عظيم ومفكر عظيم وطاقة ذهنية هائلة. تجاوز الأفكار الاجتماعية في زمنه، وأصبح شاسعا ومغردا في المستقبل، وبلغة شعرية تبقى طازجة كأنها وردةً تفتّقت لتوها. لو فكرنا فيما قاله أبو العلاء المعرّي لوجدنا ترحيبًا واعترافًا من المعري بعبقرية المتنبي. المعرّي يسمي شعر المتنبّي: (معجز أحمد). قلة من قد كتبوا وأبدعوا اليوم في الشكل العمودي مثل الفيتوري، والبردّوني،... لكننا نجد شظايا جميلة هنا وهناك لبعض الزملاء في الوطن العربي، وما أقوله ليس ضد قصيدة النثر فهي مهمة، وهي في طريقها لمزيد من التألق. إنما الموضوع هنا هو شعر المتنبي ومصير الشكل العمودي أو شكل الشطرين كما يقول الناقد السعودي سعد البازعي؛ لأن كلمة “ شعر عمودي” ليست مصطلحا معقولا! المشهد الشعري لا يسر * كيف تنظر إلى حجم سيلانات القصيدة العمودية اليوم، وبالمقابل حالة التشابه المفرط التي توسم من يكتبون “ قصيدة النثر” إلا قليلا؟ - نعم، الوضع في المشهد الشعري العربي لا يسر، فهناك يوجد تباسط واستسهال في الكتابة اليوم. وهذا أمر مزعج ومؤسف. * الملاحظ أن ثمة جمل تستوقفك عند مرورك بسياق التراث النثري العربي الكثيف، كما لدى “ النفري” ما هي الرؤى التي تود أن تشير إليها في هذه الوقفات؟ - نعم هذا النفّري كتب شعرًا جميلا وعميقًا بدون أوزان وعروض وقوافي وهو طبعا مكانه التراث القديم والنثر القديم، لكننا الآن نجد الشعر كامن في كتاباته -أو في نثره- كما يكمن اللؤلؤ في محاراته. * أين يمكن أن يقف الشاعر علي بافقيه إذا ما وُضِع أمام خيارات وسمات ميزت جيلا مجددا من شعراء رحل بعضهم كمحمد الثبيتي وعلي الدميني، وكذلك ممن لايزالون أحياء كعبدالله الصيخان والحميدين، وغيرهم ممن أسهموا بتجاربهم في تحديث بنية قصيدة التفعيلة في المملكة؟ - ترسخت قصيدة التفعيلة في المملكة بجهود علي الدميني وسعد الحميدين؛ لأن الدميني والحميدين ثبتا ورسخا شكل التفعيلة في الشعر السعودي رغم الأذى والتحديات ضدهما.. الأسماء التي ذكرتها جميعهم أساتذتي ولهم فضل علَيّ فقد شجعوني على الكتابة والنشر. شخصيًّا تحركت ونشرت ضمن جيل محمد الدميني ومحمد عبيد الحربي. أمي شاعرة مكتملة * للأم كما هي رمزيتها ألفة وحافزا في إنجاز الشاعر أفكاره وابداعاته وكمصدر لإلهامات ورؤى عدة تغني التجربة، ما الذي تركته والدتك التي ربما “حفظت أشعارا وأنشدت لحونا” ذات طابع يتعلق بذاكرة الشاعر وخزان ومنجم طفولته؟ - أمي شاعرة مكتملة الأدوات. وهي مثقفة بحق في التراث الشعبي أي أنها ملمة بعمق بالثقافة الشعبية (ليس الفصحى) في الشعر والأدب والأمثال والغناء والفنون الغنائية الشعبية، وهي شخصية ذات حضور إيجابي تميل للتفاؤل والغناء والترحاب ومحبة الناس. هي تقرأ ولا تجيد الكتابة. سهر الشاعر * كيف تنظر اليوم لأثر البدايات في علاقاتك بالقراءة، وبالخصوص قراءاتك لأجيال وجماعات أدبية وشعراء سبقوك، وما كان حجم تعلقك بـ “من أغاني الحياة “ للشابي مثلا؟ - كنت في الثالثة عشر عندما أصبحت مغرمًا بأشعار جبران خليل جبران وأبو القاسم الشابي، ثم توطدت علاقتي بالشعر القديم الجاهلي وعمر بن أبي ربيعة، والشعر العباسي، وأصبحت لدي مكتبة صغيرة، وصرت أسهر وأنام متأخرا، والأهل يعتقدون انني أذاكر للمدرسة والواجبات المدرسية. تكريس السلم * تقول في قصيدة لك: “ أعجنُ ناسًا من طينِ الله/ أسُكّ ملامحَهمْ وأصابعَهمْ ورؤاهُمْ/... “ هل تقدم هنا فلسفة الشاعر علي بافقيه، وعلاقته باللغة؟ - نعم، أنا أحلم بالسلام والمحبة للبشر. الناس كلهم على وجه الأرض أخوة ومصيرهم واحد، وأعتقد أنه يجب تجريم الحرب وتكريس السلم. يجب أن يحدث هذا ضمن قرارات ملزمة وقانون دولي جديد. وأعتقد أن هذا سيحدث لكننا لا نعرف متى؟ * ربما غدت قصيدة الشاعر، محض ذكرى، أو شظية، منسية في متاهات صحارى شاسعة، فقد يكون نسيها شاعرها ويحتاج إلى يقظة ما، حد أنه يعجز عن تذكر المكان واللحظة التي كتبت فيهما، هل يحدث لك ذلك؟! - نعم هذا يحدث، وزاد حدوثه في السنوات الأخيرة للأسف. الفيسبوك غدر بي * ماهو جديد علي بافقيه؟ - قصائدي الجديدة متناثرة في صفحتي على الفيسبوك، على امتداد 13سنة. هي ليست كثيرة مقارنة بهذا العدد من السنين، لكنها مجموعتي الشعرية الثالثة. كنت أنشر على الفيسبوك قصائدي بعد تصفيتها. وللأسف كنت أمارس تنقيحها على صفحة الفيسبوك، ثم أهمل الأوراق لأنها أصبحت مسودة معتقدا أنه لا داعي لها. أما الآن فلم أجد من يستطيع العودة لثلاثة عشر عاما على صفحتي بالفيسبوك. ولدي الآن مشكلة عويصة إن لم أقل كارثة. لا أستطيع حلها، حاولت البحث عمن يستطيع دون جدوى. ------ تجربة شعرية متفردة الشاعر علي بافقيه صاحب تجربة شعرية متفردة في الشعر السعودي الحديث فهو قليل الحضور الإعلامي في سنوات ضجة الحداثة، مع أن تجربته الشعرية حضرت مبكرا، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال تاريخ القصائد في ديوان “جلال الأشجار”، كما تعد تجربته الشعرية متميزة من حيث بناء النص الشعري، واللغة المكثفة المعنى والمقطرة تقطيرا بدون أدوات تشبيه وزيادات تربك النص. كما إن البعد الصوفي حاضر عند بافقيه سواء من خلال بناء النص الشبيه بالدعاء، أو من خلال المفردة، في حين الشاعر يحتفي كثيرا بالمحسوسات في صوره الشعرية، ونادرا ما تجد عنده عوالم مجردة، ولعل هذا الجمع بين المفردة الصوفية وعالم المحسوس هو نتاج للمكتسب الصوفي والتراثي من خلال أسرته، والوعي الخاص بالشعر كحالة جمالية تمثل موقفا خاصا، لذلك نجده يكتب النص الشعري المركب من عمودي، وتفعلية، ونثر. هذا البناء عنده ليس عفو الخاطر، بل يدركه الشاعر تمام الإدراك. تجربة الشاعر بافقيه هادئة - كما هو في الحياة - فلا غنائية عالية، ولا صورا شعرية مفتعلة فهو ببساطة كما يقول: (كدت ألمس القاع. هناك حيث الحجارة تقطر لدانة وبهجة صلبة تملأ الكف) *شاعر أصدر العديد من الدواوين الشعرية من بينها “أحمر مورق” وكتاب “هروج الفل”. ------- شاعر يبحث عن الأحجار الكريمة لعل أبرز ما يميز شعر علي بافقيه في رأيي هو العذوبة التي تكتنف شعره وتجعله يرسخ في ذائقة محبيه الكثر.. ومن واقع أنني متذوق ومحب لشعره، عندما أقرأ قصائد ديوانه الأول (جلال الأشجار) أتخيله جواهرجي يجيد انتقاء الأحجار الكريمة ويصوغ منها جواهر نفيسة.. وهذا ربما يفسر أنه شاعر مقل (كما يقول هو)، فهو منذ أن بدأ نشر أشعاره في مستهل الثمانينيات إلى الآن لم ينشر سوى ديوانين شعريين فقط هما: (جلال الأشجار) و (رقيات)، وبالطبع فإن الإقلال ليس عيباً، لاسيما أن شعره المنشور يمتاز بجودة عالية، وذلك مثلما أن غزارة الإنتاج الشعري ليست مقياساً لجودة الشعر على كل حال. يقول في قصيدة الخزاف: (ذي نبتةٌ حول وشم الجذع طافية ٌ تلك الحصاة وكفي التاع لاعجها فحومت مثل صقرٍ وارتدى الإزميل شهوتَها فاستنطق الحجرا) فهو لا يكتفي باستنطاق الحجر، بل هو يدوزنه “أدوزن الحصا” كما يقول في قصيدة (نقر على حجر). ليس هذا فحسب، بل هو يعمد إلى أنسنة الحصى وبراه يضحك ويبكي (كما في قصيدة الغصن الأسود) “أرى في المسيل الحصى يتضاحك”، “ويزجي الحصى أدمعه” فضلاً عن أن الحصى يحن “قطرةٌ من حنين الحصى” كما في قصيدة (البحث عن حجرٍ كريم). وثمة ملمح آخر في شعره لا أراه يقل عن سابقه من حيث الأهمية والأولية وهو الحب الذي وإن بدت له شواهد في ديوانه الأول (جلال الأشجار) إلا أن ديوانه الثاني (رقيات) يكاد يكون مكرساً له، وهو يبدو لي وكأنه أغنية حب طويلة تنتظم معظم قصائد هذا الديوان. وأي حب؟ إنه حب يكاد يكون نسيج وحده شكلا ومضمونا وهو ينم عن احترام للمرأة عموما وللحبيبة خصوصا ويعلي من قيمتها. وهو يقول في قصيدة (نون النخلة): (يسرن فأغضي لهن وأحني الجبين لهن وأرفع رأسي بهن وأخفض راسي ليمشين مشيتهن) ختاماً أقول: إن كلا الديوانين (جلال الأشجار) و(رقيات) يضجان بلغة شاهقة لشاعر نحت صوته في أعالي مشهدنا الشعري. * شاعر صدر له ديوان بعنوان “نكهة الموت المصفى”. ------ بافقيه يكتب لـ«شرفات» سيرته الشعرية: ولدتُ وترًا مشدودًا وإيقاعًا رائقًا! (1) سأبدأ من بعيد مادام الكلام عن الشعر. إذا صح القول من أن الطفل يتأثر وهو في الرحم بأمه ومحيطه، فإنني إذن ولدتُ وترًا مشدودًا وإيقاعًا رائقًا. فقد كانت أمي-رحمها الله- تُغَني في معظم أوقاتها. هي شاعرة، وإذا صح لنا أن نسمي من يقرأ ولا يجيد الكتابة مثقفًا فهي مثقفة في المجال الشعبي أو العامي. ملمة بالثقافة الشعبية من الأشعار إلى الغناء إلى الأفكار والحكم. والأمثال دائما على طرف لسانها، تقول المثل في اللحظة المناسبة. يبدو لي أنها صاحبة رؤية في الحياة والناس. تقرأ ولا تجيد الكتابة. هكذا إذن تخلّقتُ من الرحم إلى الكون. (2) ولدت في قرية بحضرموت، لم أعرف أبي الذي كان طوال عمره في مكة. كان تلميذا بمدرسة الفلاح بمكة المكرمة، ولكن وفاة أخيه الأكبر أجبرته على الانقطاع عن الدراسة ليأخذ مكان أخيه في العمل. أعطاني أبي الهدوء والتأمل وأعطتني أمي الشعر والغناء، كان أخوه الأكبر رجلا مكيًّا نبيلًا فقد دفع بأخيه للدراسة ليقوم هو بشؤون العائلة، هذا العم الجميل النبيل لا ننساه أبدا وكان أبي يذكره دائما بالخير. وبالمناسبة فهو جد الأستاذ حسين بافقيه الكاتب المعروف والمؤرخ للثقافة في المملكة والوطن العربي. (3) ربما اكتشفت نفسي في الصف الرابع الابتدائي، فقد كنت أستلم الكتب من المدرسة وأنهمك في قراءة كتاب النصوص وكتاب المطالعة. ثم بدأت أعرف أسماء الشعراء القدامى في الشعر العربي. بعدها انهمكت في قراءة المعلقات والشعر العربي القديم، وكنت أضع في جيبي قصاصات وأبيات ومقاطع لما يعجبني من الأشعار. فيما بعد لاحظت الملحق الأدبي في جريدة الندوة لأن أبي كان يقتنيها أحيانا. وأظن أنني لم ألاحظ الساحة الأدبية إلا في المرحلة المتوسطة (عمر14سنة تقريبا) عندها عرفت أسماء الشعراء السعوديين وكتاباتهم مثل محمد حسن عواد وحسن القرشي. وهكذا بدأت أطّلع على أسماء شعراء معاصرين في الوطن العربي وبدأت اُكوّن مكتبة صغيرة وأسهر الليالي في القراءة، وهكذا هبط مستواي من الأوائل في مدرسة الفلاح بمكة إلى ما بعد الأوائل. وكان من حسن الحظ أن لدي زملاء يهتمون بالكتب والقراءة مثل لطف الله قاري، كاتب سعودي معروف ومؤرخ، وكذلك طاهر تونسي وهو طبيب وكاتب ومثقف وبروفيسور في الجامعة. كنا الثلاثة متقاربين في الاهتمامات نشجع بعضنا على الكتب والقراءة. (4) المرحلة الرابعة والأهم عندما التحقت بكلية البترول والمعادن في الظهران -هي الآن جامعة الملك فهد- من هناك بدأت أسافر إلى الكويت والبحرين من أجل الكتب والمكتبات. وكنت أكتب شعر الشطرين، أي الشعر العمودي، وأتأمل في شعر التفعيلة وما ُيكتب عنه في الصحف. (5) منتصف السبعينات -ربما 1974- أقيمت حفلة في كلية البترول والمعادن ومن ضمنها صعد «علي الدميني» إلى المنصة وأخذ ينهمر بإيقاعات أخّاذة وجمل شعرية مكتظة بالحياة والفن، عند هذه اللحظة حسمتُ موقفي من قصيدة التفعيلة واكتشفت ما غاب عن الذهن. كنت قد نشرت قصائد عمودية بعضها في ملحق جريدة اليوم ومعظمها في أدبيات كلية البترول والمعادن وكنت قد كتبت محاولات في قصيدة التفعيلة لكنني منذ تلك الأمسية انهمكت في قصيدة التفعيلة وقراءة قصيدة النثر وخرجت من جلدي القديم. (6) من المواقف الجميلة في مساري الشعري أن الأصدقاء هم من دفعوني إلى جمع قصائدي ونشر المجموعة الأولى، أذكر هنا عبدالعزيز مشري، وجبير المليحان، وعبدالله نور. فقد كان الأستاذ عبدالله نور يأخذني على حدة ويقول: فين قصائدك؟ ضعها في كتاب. وعندما اخترت مجموعة قصائد وأعطيت نسخاً من الملف لبعض الأصدقاء، اتصل بي صديقي وأستاذي عبدالعزيز مشري قائلا دون مقدمات: • فين عروة يا عروة؟ قلت: اخترت مجموعة قصائد وتخلصت من الباقي. قال: لا، عروة يا عروة. فبحثت عن (قصيدة عروة بن الورد) ونسقتها وأضفتها للمجموعة. (7.1) والآن؟ الآن، مجموعتي الشعرية الثالثة متناثرة في صفحتي على الفيسبوك، على مدى 12سنة وأكثر وقد حاولت أن أجد من يجمعها من صفحات الفيسبوك دون جدوى. الذي حدث - وهو مقلب حقيقي- أنني كنت آخذ مسودة القصيدة وأقوم بتبييضها وبتنسيقها وتصحيحها على صفحتي في الفيسبوك، ثم أهمل الأوراق وكأنني قد حفظتها. المؤلم بحق هو: منذ ما يقارب 13سنة حتى الآن ومجموعتي الشعرية الثالثة هناك بين مطاوي الفيسبوك، ولا يمكن السحب إلى الخلف لجمعها. (7.2) أعتبر نفسي شابًّا في السبعين. أمشي 40 دقيقة يوميا. استمتع بالفطور عندما استيقظ. أتذكّر الفول بحسرة -لأنني الآن خارج الوطن- أتذكر فوال الأفراح في الرياض الذي أضرب له مشوارا رغم وجود فوال معروف بالقرب من بيتي في الرياض. بعد الفطور أضع الشاي والسيجارة وأقعد على الكنب محدّقا في الملكوت. ----- الخَزّافْ 1983 الكونُ كانَ اْختمارًا بعدُ ما اختمرا والوقتُ خطّ على خَطْواتهِ سحَرا وكنتُ أهزجُ والدنيا علانيَةً تُعِلّني بعليل الصبحِ وانتبهتْ يدي لجارتها ذي نقرةٌ حول وشْم الجذعِ طافيَةٌ تلك الحصاةُ وكفّي اْلتاعَ لاعِجُها فحوّمتْ مثلَ صقرٍ وارتدى المجنونُ شهوتها فاستَنطَقَ الحجرا تناسُقي وانتباهي حين أملؤها، يدي دمًا وانتباهًا يَغْمُر الشجرا أجوسُ في الطين أغدو خالقًا قَلِقًا كأنما الطينُ من خلّاقهِ اْنفطَرا