أبو شرعان، صوت لم تدفنه الرمال.

يا رجم عديتك وعدا بي البين والقلب في راسك تبيّح كنينه الله لا يسقي مفاليك عامين ذكرتني راع الطبوع الحسينه يا ليت يومي قبل يومه بيومين ليت المرض من بيننا قاسمينه أبو شرعان كم من الحكايات دفنتها رمال الصحراء، وظلت بعيدة عن الأضواء، لا يعرفها الناس إلا في ذاكرة الرواة؟ لكن “أبو شرعان” كما ذائع اسمه وبدا من خلال تداول قصصه وقصائده عبر وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا كان استثناءً جميلاً، فقد عاش عمره في عمق الصحراء، ناسكًا بين النجوم والرمال، حتى اقتربت منه عدسات الهواتف في سنواته الأخيرة. “أبو شرعان” وهو ملفي بن شرعان العريمة الحربي، عاش ما يقارب مئة عام في حضن الصحراء، مؤثرًا الرمل على الرصيف، والنجوم على المصابيح. لم يكن يبحث عن جمهور، لكن بساطته وصدقه وموهبته الشعرية دفعت الناس إلى الالتفاف حوله، واحتضان قصته كأنها مرآة لزمن نفتقده. خدمته عدسة الكاميرا، وإن جاءت متأخرة، فسلّطت عليه الضوء، لتعيد إلى الذاكرة سيرة ناسكٍ اختار الصحراء مأوى، مبتعدًا عن صخب المدن، ومؤثرًا سكينة البيد واتساع الأفق. لم يكن أبو شرعان مجرد شاعر، بل كان يرى في البر كما نحب تسميته بيتًا، وفي المواسم والفلك تقويمًا لا يُعلَّم المدارس. شخصيات علمية وفلكية، أمثال الدكتور خالد الزعاق، تعلمت من تأمله، وكرّمت حضوره كما فعلت حين ودع دنيانا. كانت قصته عن صحراء عشقها حد الذوبان، ونسج فيها تفاصيل عمره، ومن حنينه لهذه الأرض كتب، ومن شعره ما عبّر به عن مشاعر الفقد والتعلّق والحُب، يقول: يا بنت يا أم العيون السود خوفي من الله وحبيني وأما حصل حبّة ورقود لأموت وانتِ تشوفيني أبو شرعان لم يكن مجرد راعٍ، بل نصّ حيّ يمشي على الرمال، وكنز إنساني يستحق التوثيق والتأمل. ومن يطالع كتاب شاعرات من الصحراء للأديب الراحل عبدالله بن رداس، يرحمه الله، سيدرك كم من الحكايات ابتلعتها الرمال دون أن توثَّق كما ينبغي. وكم نحن محظوظون أن وثّقت عدسة الجوال قصة أبي شرعان، فأخرجتها من عزلة الصحراء إلى قلوب الناس، بكل ما فيها من صدق وبساطة.