مراجعة لثلاثة كتب تأسيسية..

المسرح السعودي بين التوثيق والتحليل.

يُعدّ المسرح من أعرق الفنون الإنسانية، وهو المرآة التي تعكس قضايا المجتمع، وتُجسّد تحوّلاته الثقافية والاجتماعية. وفي المملكة العربية السعودية، شهد المسرح تحوّلات مهمّة خلال العقود الأخيرة، حيث بدأ يأخذ مكانته المستحقة كفنّ مستقل له أدواته وخصائصه. وبين محاولات التأسيس الأولى ومرحلة التجريب، برزت دراسات نقدية وثقافية أسهمت في تأريخ هذا الفن، وتقديم تحليلات معمّقة لمراحله وظروف نشأته. وفي هذا السياق، نستعرض في هذا المقال ثلاثة كتب تُعدّ من أبرز المراجع التي تناولت المسرح السعودي من زوايا نقدية وتوثيقية مختلفة. المسرح السعودي بين البناء والتوجس – حليمة مظفر في هذا الكتاب، تسلّط الكاتبة والناقدة حليمة مظفر الضوء على النصوص المسرحية السعودية المطبوعة، خلال فترة امتدت لأربعة وعشرين عامًا، من أوائل الثمانينات الميلادية حتى عام 2004م. تناولت مظفر تلك النصوص من حيث البناء الدرامي، فحلّلت عناصره، وكشفت عن جوانب القوة والضعف فيه، بالإضافة إلى مناقشتها للقضايا الاجتماعية التي طرحتها هذه النصوص، من زوايا تاريخية، واجتماعية، وأساطير شعبية، وتعليمية.يتميّز هذا الكتاب بجمعه بين الجانب التحليلي والجانب التوثيقي، إذ حرصت المؤلفة على رصد أبرز ملامح الحركة المسرحية رغم ما واجهته من محدودية في المصادر وغياب التوثيق في بعض المراحل، خاصة مع غياب حضور المرأة عن خشبة المسرح لفترات طويلة، وهو ما انعكس على مضامين النصوص المسرحية وموضوعاتها. المسرح السعودي المعاصر – لطيفة البقمي يُعدّ هذا الكتاب مرجعًا شاملاً لتاريخ المسرح السعودي وتطوّره عبر مراحله المختلفة. تتناول الكاتبة لطيفة البقمي في عملها مراحل التأسيس الأولى والثانية، بالإضافة إلى مرحلة التأصيل والتجريب، مستعرضة دور المؤسسات التعليمية، والجامعات، والنوادي الأدبية، والوزارات في تشكيل الحركة المسرحية في المملكة. تتميّز البقمي برؤية تحليلية واسعة، إذ قدّمت قراءة فنية للقضايا المطروحة في المسرحيات السعودية، مثل القضايا الاجتماعية والاقتصادية والقومية، وناقشت البناء الدرامي من حيث الحبكة، والحوار، وتطوّر الشخصيات. كما تطرّقت إلى أبرز المدارس المسرحية التي تأثّر بها المسرح السعودي، مثل المدرسة الرومانسية، والتعبيرية، والملحمية، والعبثية. وخصصت الكاتبة فصلاً مستقلاً للمسرح الفكري، متتبعة نشأته وروّاده، مع تحليل نماذج مختارة من النصوص. ويُعد هذا الكتاب مرجعًا مهمًا للباحثين وطلبة المسرح، نظرًا لشمولية مادته وحداثة طرحه. المسرح السعودي: تجربة وقراءة توثيقية – سمعان العاني يُقدّم هذا الكتاب توثيقًا فنيًا وشخصيًا لمسيرة المخرج والكاتب سمعان العاني في المسرح السعودي، حيث رصد تجربة امتدت لأربعة عقود قضاها ضمن جمعية الثقافة والفنون، مشاركًا في صناعة وتحولات المسرح السعودي. يضم الكتاب أعماله المسرحية مثل قطار الحظ، وتحت الكراسي، والمهابيل، ويستعرض المقالات النقدية التي تناولت كل مسرحية على حدة، موثّقًا كيف تفاعل الجمهور مع هذه الأعمال وما عكسته من ثقافة مسرحية متنامية. يتطرق العاني إلى مشاركاته الخارجية، كما يناقش تجربته مع مسرح الطفل، إضافة إلى رؤيته النقدية العامة للمشهد المسرحي في المملكة. وما يميز الكتاب أنه لا يكتفي بسرد التجربة الشخصية، بل يتجاوزها إلى تحليل التفاعل النقدي والجماهيري، موضحًا كيف كانت الصحافة في العقود الماضية تتناول العروض المسرحية بجدية، وتفتح المجال أمام المثقفين والأكاديميين للتفاعل مع ما يُقدَّم على الخشبة. هذا التفاعل ساهم، برأي العاني، في بناء جمهور مسرحي واعٍ، يثق بالفن ويجد فيه منصة للتفكير والحوار. تُعدّ هذه الكتب الثلاثة إضافات نوعية للمكتبة المسرحية السعودية، إذ تقدّم قراءات تحليلية وتوثيقية لمسيرة المسرح، وتُسهم في سد فجوة طويلة من غياب التوثيق والبحث النقدي المتخصص. ومع تزايد الاهتمام الأكاديمي بالمسرح في الجامعات السعودية، وتنامي الحراك الثقافي في ظل رؤية المملكة 2030، تصبح هذه الأعمال مراجع لا غنى عنها للباحثين والمهتمين، وخطوة مهمّة على طريق بناء حركة مسرحية سعودية أكثر رسوخًا، تأثيرًا، واستدامة. *ماجستير في الأدب المسرحي.