في رواية « ندى » للدكتورة سونيا مالكي ..

عِبّر تربوية وعظات حياتية .

( رواية ندى) التي استوقفتني بكثير من الإعجاب، فهي في مجملها مبهرة بدءا بلغتها السلسة، ومكوناتها القصصية التي اعتمدت بشكل متناوب على التداعي الحر سواء الشخصيات أو الأحداث والمواقف، إضافة لتشربها العديد من الثقافات والمعاني التي تتخلل السرد أو تدخل ضمن الحبكة كشبكة تراكيبية متناسقة بصورة تعكس الثقافة المحيطية للكاتب على المستوى المحلي والعالمي، لتعزف بقيثارة من مقطوعات لغوية مدهشة يتناوب فيها القاري بين الواعي واللاواعي، وهذا دليل محض على أن هنالك تمازج تام بين الحبر المنسكب والشعور الذي أفاض بهذه الخيوط الذهبية التي جاءت برداء روائي فائق ومتفرد! ولمزيد من الموضوعية أورد قراءة متواضعة لا تفي بحق هذه الرواية: •الخيال الواسع الذي نسخ خيوط هذه الرواية لجعل الأحداث كفيلة بمولد ( ندى) بطلة الرواية بتسلسل عجيب ومثير للأحداث والمواقف والشخصيات والصراعات التي تحاكي الواقع بخيالية سحرية متفردة! •اختيار اسم ندى لم يكن من قبيل الصدفة، بل كان يتضمن معانٍ عميقة، قبل وبعد، لتكون حيناً بمثابة الطل الندي؛ فرحا غامراً، أو لتكتنز صنوفاً متعددة من تقلبات تشبه تلك القطرة المتكورة في الصباح على زهرة تداعبها الريح؛ نسمة أو عاصفة قاصفة! •ندى أيضا تحمل في طياتها الأناقة والطهر والوداعة، كما تضفي بهجة ورواء ممزوجا بعطر الزهر، وهي ما عبرت عنها بجمال ( ندى) كطفلة ثم فتاة ثم شابة فاتنة مرهفة بحس فني يعزف أوتار قلبها بسيفونية مطربة وشاعرية. •تعدد الشخصيات وتناوب الأحداث واحتدام الصراعات بين الطموح وصدمات الواقع، بين تعارض الإملاءات والرغبات والميول الذاتية، بين النزعة الاستقراطية والعفوية الفطرية والتي جعلت من الرواية تداعي حر يعكس الحياة الواقعية بصورة مذهلة! •النص تمازج بين المشاعر والشاعرية مما يجعله حياً ينقل ذات الصورة التي عاشها بطل الرواية وكأنها قاسم مشترك يتسق فيه القاريء كمتفاعل وبين الكاتب كثائر خلاق لحبكة درامية تماشي دوامة الحياة بتقلباتها ومفاجآتها ومواقفها المتعددة.  •الثراء اللغوي، والأسلوب الجميل أكسب الرواية رونقاً من الجمال، الأمر الذي يجعل القاريء يذوب في تداعياتها بلا وعي لعيش أحداثها وكأنه يعاصرها لحظة بلحظة. •الثراء الثقافي الذي أحاط المواقف بديباجة معرفية لبعض المواقع أو المراجع أو حتى دروس حياتية وأدبية؛ ضمنية أو مباشرة. •ركزت الروائية على الصداقة، وأهميتها في حياة الإنسان، وقيمتها كمصدر للاسترشاد والثبات والدعم المعنوي أو العاطفي أو المادي لتخطي الظروف والصعاب نحو بر الأمان. •أيضاً أشارت ضمنياً إلى أن الصداقة الحقة قد تكون شبكية ممتدة للأبناء وربما يتوارثها الأحفاد، وكأنما تترجم حديث الرسول ﷺ :( إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي). رواه مسلم. •يجب أن يكون في حسبان الوالدين مراعاة الفروق الفردية، فليس بالضرورة أن يكون الابن صورة لأبيه، بل إن لكل إنسان تركيبة مختلفة وقدرات خاصة، كما أن لكلٍ ميوله ومهاراته ومواهبه، وبالتالي إجبار الابن على إتجاه معين أو تخصص محدد لا يتناسب وقدراته وتوجهاته قد ينعكس سلباً عليه، مما قد يفضي به للفشل الذريع أو العصيان والتمرد أو الإنحراف جراء التعسف ومخالفة الرغبة التي هي مدار الدافعية ووقودها. لذا يجب احترام حرية الاختيار، وعدم مصادمة أو مصادرة إمكانيات وقدرات الابن، الأمر الذي قد يشكل له تحدياً يفوق طاقاته، وربما يكسر مجاديف الطموح أو يشعره بالأحباط والدونية، فيتسبب في التسيب أو الصلف والنفور كردة فعل عكسية. •البر لا ينتزع قسراً، بل يصنع من ذات المعاملة الحسنة والشعور المتبادل، كونه جانب رحمي عاطفي يتولد من اللين والإحاطة بالرحمة والشفقة، الأمر الذي يجعل القسوة تصنع قسوة مثلها، وهذا سبب رئيس قد يغفل عنه الآباء أو ينزعون له بداعي الحرص أو ليخلقوا - كما يترآى لهم- شخصية عصامية قوية لا تعترف بالرعونة أو الضعف، وهذه إحدى الكُبر التي تقترف بحق الأبناء. •للهدية أثر عظيم في توطيد عرى المحبة، لحديث: ( تهادوا تحابوا)، إلا أنها كلما لامست حاجة الفرد وميوله كلما كانت أعمق وأبقى( وهذا ما حدا بمصطفى أن يختار البيانو الفاخرة هدية لصديقة كونها مفضلة لديه). إضافة للبعد النفسي للهدية التي قد تتحول لمكتنز ثمين يتمثل في موروث يتناقل كرمزية تربط الأجيال من كلا الطرفين؛ المهدي والمهدى له! •الصور قد تكون ذاكرة ممتدة تتجاوز عمر الفرد لتظل سجلا حافلا بالمواقف أو شاهدة على النبل وحفظ الود، ولتنقل للأجيال صورا تتجاوز الرؤية البصرية إلى العمق المعنوي لتكون أبلغ أثراً وإثراءً، ولربما كانت دليلا يثبت نسبا أو سبباً يقطع الشك باليقين. •الزواج قسمة ونصيب، لذا قد تجر الصدف لعلاقة زواجية لم تكن في الحسبان( كما ورد في الرواية)، إلا أنه كلما احتكم لضوابط تنطلق من محكات شرعية أو مرعية فسيكون أحرى بالديمومة والانسجام. •التغيير يحتاج لقرار، ولذا فإن تغيير البيئة أو الرفقة يعدان أمرا ضروريا لتحول الفرد لحالة مغايرة؛ كتصحيح لمسار خاطيء أو معالجة قصور معين أو لتحسين ظروف معيشية أو لتطوير الذات أو بناء علاقات جديدة وجيدة، وهذا ما جعلت منه الروائية الحكيمة د. سونيا موقفاً غيّر حياة( مصطفى)، بل نقله من التشتت والضياع إلى حياة أسرية مطمئنة آمنة، جعلته يشعر بوجوده وقيمته، بل ويتحمل مسؤوليته. •مهما حاول الإنسان التأقلم أو الاعتمادية بمعزل عن غيره يظل يعيش الفقد والغربة والخواء الروحي مالم يجد رابطة قُربى يعتصم بوشائجها ليشعر أنه ليس منفصلا عن علاقة شجرية تتدلى عناقيدها إيواءً وامتلاءً، وهذا ما جعل( مصطفى) يبحث عن وشائج قربى تشعره بالانتماء، ومن ثم نبتت علاقة أسرية جديدة كانت من ثمراتها( ندى)! •ندى لم يتوقف فرحها عند والديها وحسب، بل كانت بمثابة الندى( الطل) لتعيد لجديها رونق الحياة كتعويض عن والدها الذي فقداه حياً، ثم بكياه ميتاً؛ ألماً وندماً وحسرة، لتأتي( ندى) أكسيراً لإنعاشهما من جديد! •الحق في أمتلاك الأشياء أو حيازة ولاية معينة ليس مبررا لسلب الأم حقها في رعاية أبنائها أو أخذهم منها بالجبر، لما لذلك من آثار نفسية عميقة لدى الأبناء كما هو في نفس الأم، وقد يفضي ذلك لجرح غائر لا يندمل، لذا فليس من الدين والإنسانية فعل ذلك، وهذا ما جعل( ندى) تشعر بالفقد رغم الحياة المترفة والمعاملة الفائقة من جانب جديها، الأمر الذي لم يعوضها سوى اجتماع شملها بإمها لاحقاً! •الزوج الصالح من يتحسس حاجة زوجته النفسية أو العاطفية ليملأه بما يعيد لها توازنها، ولتجد منه الإخلاص والإيثار الذي يجعلها تشعر بالحرص والأمان يطبع في نفسها حباً عميقا، ينعكس ودا وتفانيا كردٍ للجميل بمثله( ذلك ما صورته الروائية بموقف أحمد الذي أثبت شهامته وحسه المرهف بحاجة زوجته ندى لأمها، ومساعدتها في تعويضها عن ماضيها الذي طالما شعرت فيه بالفقد ليكون اللقاء مفاجاة جميلة وغير متوقعة)! •الرواية لم تكن حبكة لغوية يراد منها استعراض القدرات أو استحضار الخيال لنسج قصة تتموج بالقاريء كبحر متلاطم لتستجدي عواطفه أو تستدعي إعجابه، بل كانت دروس وعبر وعظات تنوعت بين التربوية والتعليمية والعلاقات الحياتية العامة والأسرية والزوجية، ولتضع مستخلصات تنم عن تجربة ثرية لدى الروائية التي أتسمت بالحكمة، كما عرفت بالإتزان ورجاحة العقل وسعة المعرفة، والثقافة الواسعة؛ إذ جمعت بين التخصص العلمي( الطب) والأدبي( أديبة وكاتبة) متمرسة وصاحبة حضور في الساحة الثقافية؛ رائدة وقائدة يشار إليها بالبنان! *عضو جمعية إعلاميون x:alzahrani_falah algreen-sz@hotmail.com