
تشرفت الأسبوع الماضي بزيارة مكتبة الملك فهد الوطنية بمدينة الرياض، لإيداع مجموعة من إصداراتي، فوجدت نفسي أمام صرح ثقافي وطني يستحق الإشادة، ليس فقط بمكانته كمرجع رئيسي للباحثين، بل بما لمسته شخصيًا من احترافية وأخلاق رفيعة لدى جميع موظفيه. من حارس الأمن وموظفي وموظفات وحدة الاستقبال الأولي، إلى كافة موظفي المكتبة ممن تعاملت معهم، فقد لمست حسن الاستقبال، واللباقة، وسعة الصدر، ليس معي فحسب، بل مع كل الزوار؛ فالجميع يثني على التعامل الراقي والمهني من طاقم المكتبة، مما يعكس وعيًا مؤسسيًا عميقًا بقيمة المكان ورسالة المعرفة. غير أن هذه الصورة المشرقة لا تخلو من ملاحظات تستحق الطرح والنقاش، لا تتعلق بالأشخاص بل بالإجراءات. وقد لاحظت تراكمًا كبيرًا في قسم الفهرسة، حيث لا يتجاوز عدد المفهرسين خمسة موظفين، حسب ما ذكر لي أحد موظفي المكتبة، وهذا العدد - بالنظر لحجم الإنتاج المعرفي المتزايد - يبدو غير كافٍ، ما أدى إلى تأخر إدراج الكتب في الفهرس العام، ومنها أربعة كتب كنت قد أودعتها قبل نحو خمسة أشهر، ولم تظهر حتى الآن في قاعدة البيانات، وقد تستغرق فهرستها سنة أو أكثر. ولأن المكتبة تمثل ركيزة أساسية لأي باحث أو دارس، فإن هذا التأخير لا يعطل الباحثين فحسب، بل ينعكس سلبًا على كفاءة الوصول إلى المعرفة. ومن هنا، أرى أن من الضروري التفكير في حلول داعمة، مثل: - رفع الطاقة الإنتاجية للقسم. - توفير فرص تدريبية وتعليمية للطلبة في بيئة معرفية حقيقية. - دعم مهمة المكتبة البحثية، وتمكين الباحثين من الوصول السريع إلى مصادرهم. كما يمكن النظر في تبني حلول تقنية داعمة، مثل استخدام أدوات الفهرسة الذكية في معالجة البيانات الوصفية، وهو توجه بدأت العديد من المكتبات الوطنية حول العالم في تبنيه لتسريع إدراج الكتب ضمن الفهرس العام وإتاحتها للقراء. ومما لا شك فيه أن التكامل بين الجهد البشري المدرب والحلول التقنية المتقدمة، سيؤسس لنقلة نوعية في أداء مكتبة بحجم وأهمية مكتبة الملك فهد الوطنية. ختامًا، فإن النقد حين يكون نابعًا من حرص، ويُقدَّم بروح التعاون، يتحول من مجرد ملاحظة إلى فرصة تطوير. ومكتبة الملك فهد الوطنية، بما تمثله من رمز ثقافي، جديرة بالدعم والتطوير والتوسع في إمكاناتها البشرية والتقنية.