حراك نقديّ!

قدم الدكتور حمزة المزيني، قراءة هادئة واقعية لظاهرة أسامة المسلم في مقالة نشرها في منصة إكس، فوضع الظاهرة حيث يحب أن توضع في سياق التلقي المناسب لها بين تقريظ د. عبد الله الغذامي وتقريع د. سعد البازعي، فكانت مقالته هي ردة الفعل المناسبة على ظاهرة كهذه لها ما يبررها ويفسرها في سياقها العمري، وفي طريقة تلقيها ضمن سياق القراءة وأفق الانتظار. وهنا يرد لي تفسير للإقبال الجماهيري الذي تجاوز ربما صغار السن إلى جمع غفير من مختلف الأعمار، يتمثّل في البحث عن منطقة خيال حرة خارج الزمن التقني والصرامة العلمية التي صبغت العصر بنموذجها المادي، وهذا شبيه بما حدث لأوروبا في طلائع الحركة الرومانتيكية حين تعلّق أدباؤها بالشرق بحثا عن عالم تخييلي يغذّي لديهم الفراغ الوجداني والروحي، فظهرت على إثر ذلك حكايات ألف ليلة وليلة بخيالها العجائبي وأساطيرها الشعبية. هل سدّت كتابات أسامة المسلم نقصا يعاني منه جيل العوالم الافتراضية ذات النموذج التقني الخالي من عوالم الخيال الإنساني كما تعززه السير والأساطير الشعبية وقصص الرعب وحكايات الجن والعفاريت؟ ربما كان مطلب جيل الألفية الجديد هو الخيال البسيط الفانتازي بعيدا عن الخيال التركيبي بناء ولغة ورؤية يستند عليها عالم الرواية في الأدب الرفيع. شخصيا لا أرى في موقف د. سعد البازعي أيّ تطرّف، فهو بوصفه ناقدا أدبيا يتطلّع إلى جودة نوعية في الإنتاج يتجاوز الخيال الفانتازي، كما يتجاوز الظاهرة الجماهيرية التي عادة يتحول معها الأدب إلى مادة استهلاكية لا مادة تأملية، وفي هذا السياق النقدي أرى أنه ليس ملزما بالاحتفاء والتصفيق لهذه الظاهرة. لكن في الوقت نفسه لا يصح لأي ناقد، أيّا كان موقعه من المشهد النقدي وأيّا كانت مكانته، أن يحتكر الذوق، فلا البازعي له الحق في إقصاء ظاهرة كتابية سردية، ولا الغذامي له الحق في اختزال لغة العصر في ظاهرة أسامة المسلم لمجرد أنّه حظي بإقيال جماهيري خارج عن المألوف، دون النظر إلى سبب هذا الإقبال وتفسيره من أكثر من زاوية، فليس بالضرورة أن يكون ذلك مؤشرا على سقوط النخبة وبروز الشعبي إلا إذا حملنا هذا على محمل سلبي ليس في مصلحة الثقافة ولا في مصلحة الأدب الرفيع. أخيرا يبدو لي أن المواقف الثلاثة من ظاهرة أسامة المسلم تمثّل بنية المواقف الفكرية والنقدية من كل ظاهرة فنية أو ثقافية أو اجتماعية فلا تخلو كل ظاهرة من طرفين ووسط، ولا أعني بالطرفين هنا التطرّف في التلقي، وإنما القسمة الثلاثية المنطقية التي لا تخلو منها أية ردة فعل، قبولا ورفضا وتريّثا، أو حتى تقريظا وتقريعا وتوسطا. وفي الجملة فمثل هذا التناول النقدي أيا كان اتجاهه وأيا كان موقفه لا يعدم أثرا إيجابيا يكون محفزا على القراءة وباعثا للحياة في المشهد النقدي الرتيب، وعادة ما يكون العراك سببا في الحراك النقدي المثمر.