نظرية لعبة التنس.

لو نظرنا إلى لعبة التنس، سواءً تنس الطاولة أو الأرضي، سنجد أن هذه اللعبة قائمة على مهارات محددة، ولو افترضنا أن كلا اللاعبين/ طرفي اللعبة ليسا على قدر كافٍ من المهارة المطلوبة، فهنا سوف يتعبان كثيراً لأن الكرة لن تستقر في الميدان طويلاً بسبب عدم امتلاكهما للقدرة على إتقان تقنيات اللعب، وبالتالي ستصبح اللعبة عبئاً وسيتركانها سريعاً لأنها لا تعود ممتعة في هذه اللحظة، بل تغدو سبباً في التعب وبالتالي الملل. كل أشكال العلاقات هي بهذا الشكل التبادلي الموجود نفسه في لعبة التنس، كلما كان الطرفان على قدر كافٍ من المهارات المطلوبة، (مهارات الحياة والإدراك والفهم والانتباه للتفاصيل) كانا أكثر قدرة على تجاوز متاعب تلك العلاقة أياً كانت، والعكس صحيح. ومن أوجه التشابه أيضاً أن اللاعبين للتنس مهما كانت مهاراتهما وإتقانهما فإن اللعب لا يخلو من سقوط للكرة أو أخطاء تحصل خلال اللعب من أحد الطرفين، ولكن في هذه الحالة (الاحترافية) تغدو تلك الأخطاء هي النكهة الأصلية للمتعة الكامنة في اللعبة. وعلى هذا يقاس شكل العلاقات الإنسانية التي مهما كان الانسجام فيها حاضراً بين طرفيها فإنها لن تخلو من بعض الأمور التي يجب أن يفهم الطرفان أنها ضرورة وقتية عابرة لتقوية تلك العلاقة ومنحها التراكم اللازم لاستمرارها. ولكن هذا لا ينطبق على تلك العلاقة التي تكون أخطاؤها وسقطاتها أكثر بكثير من لحظات استقرارها. تماماً كما هو الأمر في لعبة التنس إذا كانت بين لاعبين معدومي المهارة، هنا تغدو مدعاةً للسأم. حسناً.. لن أتبجح بأني قد وضعت هذه النظرية الآن، ولكني أزعم أنها واقعية جداً في عموم العلاقات. هناك قواعد تُشكّل جغرافيا العلاقات بين البشر، إلا أن السر المفقود في تعزيز تلك العلاقات يكمن في (مهارة التفاعل) في مختلف تلك العلاقات مهما كان شكلها، ويتحكم في ذلك التفاعل مقدار الوعي والإدراك، وهو مقدار يأتي بالتجارب والخبرة وشيء من الثقافة، الثقافة بمعنى الوعي الإدراكي وليس المعرفي، فالمعرفة والتعليم والشهادات مهما ارتفعت فإنها لا تمنح الوعي والإدراك للأشياء، وهذا ما يسمى بالذكاء العاطفي الذي لا تمنحه الشهادات العلمية ولا التثقيف التقليدي، بل الوعي بالذات والحياة والآخرين والأشياء. حين نأتي إلى العلاقات بكل أشكالها، وخصوصاً علاقات الحب والزواج، سنجد أنها أكثر ما يلخص ذلك الشكل التبادلي والتداولي المشابه للعبة التنس. الأخذ والعطاء. هذا من حيث العناصر الأولية لشكل العلاقة، وحتى شكل لعبة التنس، ولكن ذلك الأخذ والعطاء كيف سيتم؟ وما هو الشكل الذي ستكون عليه انسيابية الأخذ والعطاء؟ هنا بالضبط تكمن كل التفاصيل المزعجة في ممارسة تلك اللعبة كما يجب. تذكرت مقولة: “لا يلتقي الرائعون في بداية العمر.. يلتقون بعد رحلة طويلة من التعب”. ذلك التعب المقصود هو بالضبط الخبرة اللازمة التي تتطلبها العلاقة لتكون على ما يرام، أو – على الأقل – أن يخرج منها الإنسان بأقل قدر ممكن من الخسائر. التعب العظيم الذي يصنع أعظم وعي وأجمل سلوك. إنه التعب نفسه الذي بذله اللاعب المحترف للعبة التنس وهو يتدرب حتى أصبح يستمتع باللعبة، ويُمتع جمهورها أيضاً.