شاركت في مئات المعارض ونالت أكثر من 200 جائزة محلية ودولية:
سوزان باعقيل.. مصورة الملوك وسيدات البيت الأبيض.

عندما تقترن الموهبة بالدراسة الأكاديمية ويسبق كل ذلك الشغف وحب المهنة، فإن الناتج يكون حقًا عملًا استثنائيًا وتميزًا فريدًا، وهذا هو الحال مع المصورة الشهيرة سوزان باعقيل، أول سعودية تحترف التصوير وتحقق فيه تميزًا عالميًا منحها العديد من الجوائز المحلية والدولية على مدى أكثر من 40 عامًا، شهدت مشاركات عديدة في معارض محلية ودولية، كما نالت ثقة الملك عبدالله - رحمه الله-، حيث اختيرت ضمن الوفد المدني المرافق في زيارتيه إلى إيطاليا ثم إسبانيا، لتستحق لقب “مصورة الملوك” الذي تعتز به كثيرًا. عشق منذ الطفولة ولدت سوزان سالم باعقيل في مدينة جدة عام 1958م، وبدأ عشقها للتصوير منذ سن الخامسة حينما أهداها والدها أول كاميرا، ونما هذا الحب المتبادل مع السنين، لكن الانطلاقة الحقيقية كانت عندما رافقت سوزان زوجها محمد باعارمة إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث ابتعث للدراسة، فالتحقت هي أيضًا بجامعة “ميامي ديد” بولاية فلوريدا الأمريكية، وتخرجت منها بشهادة البكالوريوس في التصوير الفوتوغرافي عام 1983م، حيث اقترن الشغف والهواية بالدراسة الأكاديمية وهذا ما جعلها تبدع وتتفوق في هذا المجال، فحصلت على المركز الثاني ودرع الأمم المتحدة في ذات عام تخرجها من الجامعة. لم تتأخر سوزان كثيرًا في المضي قدمًا نحو تحقيق أهدافها، فافتتحت عام 1984 أول استوديو ومعمل في السعودية للتصوير الاحترافي وذلك بمدينة جدة، وجهزته بأفضل وأحدث أجهزة الإنتاج الفوتوغرافي الرقمي، ولا يزال هذا الاستوديو العريق مستمرًا حتى يومنا هذا، كما افتتحت أول مركز نسائي لتدريب التصوير الاحترافي الرقمي بالمملكة العربية السعودية بمدينة جدة وأطلقت عليه اسم (الإبداع المطلق للتصوير الاحترافي). وقد نظم هذا المركز العديد من الدورات والبرامج في التصوير الفوتوغرافي للطالبات، كما نفذ عدة برامج تدريب للسيدات وبعض الأيتام الذين انضموا إليه. تعمل سوزان منذ سنوات طويلة مصورة لوكالة (رويترز) العالمية، ووكالة (تامسون) أيضًا، وبجانب لغتها الأم تتقن التحدث بثلاث لغات هي الإنجليزية والإيطالية والإريترية، ولا شك أن ذلك أسهم في فتح آفاق أوسع لها ومكنها من التواصل بشكل مثالي مع مختلف شرائح المجتمع، وشرّع لها أبواب العالمية، فمعارضها ومشاركاتها الدولية التي وصلت إلى ما يقارب 200 مشاركة محلية ودولية، وتقول سوزان باعقيل دومًا إنها تتقن أيضًا لغة رابعة وهي “لغة الصورة، وما تعبر عنه من معانٍ، فالصورة بحد ذاتها معبرة عن الثقافة التي تتميز بها الدولة أو الشخصية دون الحاجة لمترجم، فهي لغة غنية وعصرية ويحتاج إليها الجميع لما لها من دور مهم في حياة الإنسان، كما أن الصورة تساهم في بناء جسور التفاهم بين الشعوب والثقافات”. وتحرص سوزان في جميع مشاركاتها على رسم صورة حقيقية عن المجتمع الإسلامي وإبراز الثقافة الشعبية الأصيلة والتراث السعودي بكل عمقه وألقه، حيث تعتبر أن ذلك يأتي في مقدمة أولوياتها، كما تولي اهتمامًا خاصًا بتصوير الشخصيات بأزيائها التراثية والتقليدية، وترى أن ذلك هو الوسيلة الأمثل لتقديم موروثنا وأصالتنا للعالم أجمع. كانت سوزان أول مصورة سعودية تصور مشاعر الحج على متن طائرة مروحية عام 1426هـ، وحظيت بثقة ملكية كريمة من الملك عبدالله بن عبدالعزيز –يرحمه الله- حيث كانت المصورة الوحيدة في زيارته التاريخية إلى إيطاليا والفاتيكان، وتواجدت ضمن الوفد الإعلامي الذي مثل المملكة وأسهمت في نقل الصورة الحقيقية للمجتمع وكانت مثالًا حيًا عن المرأة السعودية المحترفة والعصامية. حظيت بعدها باعقيل، بدعوة سامية من الملك عبدالله رحمه الله لتصوير المؤتمر العالمي للحوار بالعاصمة الإسبانية مدريد، الذي جمع الملك عبدالله رحمه الله والملك الإسباني كارلوس عام 2008. كما تم اختيارها من قبل السفارة الأمريكية في الرياض لتصوير سيدات البيت الأبيض لدى زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون إلى المملكة العربية السعودية عام 2010، وكلفت أيضًا من قبل السفارة الأمريكية بتصوير ومرافقة لورا ابنة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش، وقد حصلت على شهادة شكر من قبل البيت الأبيض تقديرًا لإعجابهم بالصور الملتقطة أثناء زيارة وزيرة الخارجية. وعقب ذلك، باتت سوزان الخيار الأول كمصورة للشخصيات السياسية والفنية التي تزور المملكة، بعد أن حققت شهرة عالمية، مثل وزير المالية الأمريكي في منتدى الطاقة، ووزير الخارجية الفرنسي ومعظم الشخصيات الدبلوماسية الإيطالية ومصممة الأزياء العالمية كارولاينا هيريرا. كما وثقت عدسة سوزان مؤتمر القمة العربية بالرياض 2007، ومؤتمر أوبك 2007، ومؤتمر الحوار في مكة عام 2008، ومؤتمر القمة الإسلامية بمكة عام 2012، والقمة العربية الأمريكية في جدة عام 2022، وقمة جدة للأمن والتنمية بمركز الملك عبد الله الدولي للمؤتمرات 2023. عرضت وتعرض أعمالها في متاحف عالمية مثل (فيكتور آند ألبرت)، وبيعت بعض صورها في مزادات عالمية مثل دار (كريستي) في لندن، واقتنى صورها الكثير من الشخصيات السياسية والفنية حول العالم. وعن علاقتها بالكاميرا، قالت سوزان في لقاء سابق لها مع مجلة (سيدتي): “الكاميرا عيناي التي أرى بهما ولساني الذي أتكلم به. بالفعل، التصوير له أهمية كبيرة في حياتنا اليومية، ويعكس جمال الحياة واللحظات الجميلة التي نستمتع بها في الوقت الحالي. والتصوير مهم كعلم وتقنية حيث يساهم في توثيق التاريخ والمشاركة في العديد من المجالات مثل التعليم والإعلام، والترفيه، والطب، والأمن، كما أنه لغة عالمية للسلام والتعايش بين الشعوب، وقد ساهَمت صوري في إعطاء صورة إيجابية عن وطني وديني للعالم من خلال المعارض الدولية، كما ساهَمت في التأثير على قلوب الناس ومساهمتهم في عمل الخير ببناء مدارس وبيوت للفقراء”. وسام من الحكومة الإيطالية ترتبط سوزان ارتباطًا كبيرًا بإيطاليا، فهي تجيد اللغة الإيطالية بطلاقة حيث شاركت في العديد من المعارض والمناسبات، وأسهمت بشكل كبير في تعريف المجتمع الإيطالي بالتراث والثقافة السعودية، وقد كرمها رئيس جمهورية إيطاليا السابق جورجو نابوليتاني بوسام “الفارس”، كأول فنانة عربية يتم تكريمها من قبل حكومة أجنبية، وقلدها النجمة الذهبية التضامنية، كما نالت سوزان درع جمعية حقوق الإنسان في المسابقة الأولى التي أقيمت في مدينة كاتانيا بصقلية إيطاليا عام 2007، وشاركت عام 2009 في معرض “نوافذ” الذي أقيم بالعاصمة الإيطالية روما، ونظمته وزارة الثقافة والإعلام بالتعاون مع جمعية النهضة النسائية الخيرية والسفارة الإيطالية بالرياض، وأشاد سفير إيطاليا لدى المملكة بما تمتلكه الفنانات السعوديات من إمكانيات عالية في المجالات الثقافية والفنية والتصوير الفوتوغرافي والأدب، حيث منحها جائزة في التصوير الفوتوغرافي. وفازت سوزان بالمركز الأول في مسابقة التصوير التي جرت بإيطاليا عام 2011، وقد أجريت معها بعض اللقاءات المصورة في التلفزيون الإيطالي، كما نشر التلفزيون البلجيكي تقريرًا عنها كونها أول مصورة سعودية محترفة لإعطاء نموذج جميل عن فنها وعن المرأة السعودية للشعب البلجيكي، كما أعدت شبكة (BBC) البريطانية الشهيرة تقريرًا عنها بصفتها مثالًا لنجاح وتمكين المرأة السعودية. وفي العام قبل الماضي 2023، شاركت باعقيل في المهرجان الرابع ليوم الثقافة العربية الذي نظمته الجمعية الإيطالية العربية بالعاصمة الإيطالية روما، بهدف تعزيز التواصل بين الجاليات العربية في إيطاليا والمجتمع الإيطالي. وفي معرضها الفوتوغرافي ملأت سوزان القاعة بالصور المعبرة عن التراث السعودي، كما حرصت على وضع صور لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير الملهم محمد بن سلمان، مؤكدة أن المرأة السعودية أصبحت أكثر تمكينًا ودعمًا من قبل القيادة -حفظها الله- وتتمتع بكامل حقوقها وحريتها إذ تعد شريكًا فاعلًا في جميع الإنجازات الوطنية. جوائز عديدة كثيرة ومتنوعة هي الجوائز التي حصلت عليها سوزان باعقيل لذلك سنكتفي بذكر أبرزها، حيث فازت عام 1995م بجائزة الأمير فهد بن سلطان في مسابقة التصوير الفوتوغرافي بالمعرض البيئي السعودي، وفي عام 2009 فازت بجائزة أبها الثقافية وشهادة من الأمير خالد الفيصل، ونالت المركز الأول في المسابقة الدولية للتصوير الرقمي في إيطاليا عام 2005، كما كرمت في يوم المرأة العالمي بالعام ذاته من قبل وزارة الثقافة والإعلام، ونالت تكريمًا أيضًا من سفير المملكة لدى بريطانيا حينها الأمير تركي الفيصل وحرمه لمشاركتها في ملتقى “الأيام السعودية”، وشهادة شكر وتقدير من الحرس الوطني بمهرجان الجنادرية، وفي 2006 نالت شهادة شكر وتقدير من وزير الثقافة والإعلام آنذاك إياد مدني لجهودها المتميزة في تغطية الحج، وشهادة شكر وتقدير تزامنًا مع مشاركة المنتخب السعودي في مونديال ألمانيا لدورها في تعزيز العلاقات الثقافية الدولية، وفي 2008 كرمها الأمير مشعل بن ماجد محافظ جدة، وحصلت على المركز الأول في جائزة الأمير سلطان بن سلمان للتصوير الضوئي في المملكة والخليج عام 2014، كما كرمت في ملتقى ألوان السعودية. وكرمت باعقيل من قبل رئيس بلدية مدينة ساو باولو البرازيلية بعد النجاح الكبير لمشاركتها في فعاليات الأيام الثقافية السعودية، على هامش بطولة كأس العالم لكرة القدم في البرازيل 2018، حيث أقامت معرضًا للأزياء السعودية، وخيمة خاصة للتصوير الفوتوغرافي، حظيا بإقبال منقطع النظير من قبل الشعب البرازيلي. وفازت سوزان بالوسام الفضي في مسابقة صانعات التغيير لعام 2019 باختيارها من قبل اللجنة العليا للمؤتمر العربي للمرأة العربية واللجنة الاستشارية العليا لمسابقة وسام صانعات التغيير، بعد المنافسة مع أكثر من ألف امرأة عربية، وكرمتها جمعية الثقافة والفنون بجدة، كما كرمت من قبل منظمة “همسة سماء الثقافية لتنمية المرأة والطفل” التابعة للأمم المتحدة في العام الحالي، تقديرًا لدورها البارز في تنمية المرأة العربية. أكبر موسوعة مصورة عن الحِرَف السعودية في 2009 أطلقت المصورة العالمية سوزان باعقيل، أكبر موسوعة مصورة عن الحِرَف السعودية عبر أولى إصداراتها الفنية بعنوان (حِرَف من الجزيرة العربية) وتبرعت في حفل إطلاق موسوعتها بريعها لصالح جمعية الإيمان لرعاية مرضى السرطان بجدة، في خطوة تجسد عمق التواصل بينها وبين المجتمع. وأبرزت باعقيل في الموسوعة تاريخ وأصالة الحِرف في الجزيرة العربية، في أول إصدار فني ثقافي من نوعه يجمع أكثر من 230 صورة فوتوغرافية موزعة على 300 صفحة، جسّدت عمق الحرف اليدوية والتراثية التي تزخر بها الجزيرة العربية بمختلف ألوانها وأطيافها. وقالت سوزان إن الموسوعة هي نتاج عمل مضنٍ استمر لمدة عامين وتطلب منها السفر بين أرجاء المملكة العربية السعودية الشاسعة لتوثيق تلك الحرف التي اندثر بعضها. وقالت باعقيل في حوار مع مجلة (سيدتي) عن أصداء الموسوعة: “تمت ترجمتها للغة الإنجليزية والألمانية، وبعض الصور أبهرت العالم الغربي عند أول عرض لهذا الكتاب بإيطاليا في المتحف الروماني، حيث أثار دهشة الحضور لتعدد موضوعاته ولما اشتمل عليه من لمسات تصويرية بديعة للمشغولات الذهبية والمنحوتات، والأعمال الخزفية، وأنواع المنسوجات، والأزياء، وحياكة كسوة الكعبة والسدود وأماكن أخرى تم تسجيلها في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي، بالإضافة لورش ومحافل وأسواق مختلفة. كما تم تدشين الكتاب في معرض فيينا الدولي للكتاب، حيث كانت السعودية ضيف الشرف، وحرصت وزيرة الخارجية الأمريكية (سابقًا) هيلاري كلينتون على أن تحصل على نسخ من الكتاب، وكان لي أيضًا شرف اقتنائه من قبل وزارة الخارجية السعودية وهيئة السياحة، ولا أنسى طلب الدكتور غازي القصيبي لشراء مجموعة من الكتاب للإهداء، أما في اليابان فيتم من خلال هذا الكتاب تدريس الحرف السعودية”. كما أصدرت باعقيل كتابًا عن الملك عبدالعزيز عام 2010، وأصدرت أيضًا فيلمًا وثائقيًا حول المسلمين الجدد تم تصويره في موسم حج عام 2010، ويرصد لقاءات مع المسلمين الجدد من الجنسيات الأوروبية كالإيطالية والفرنسية والسويسرية، وفيلمًا كوميديًا اسمه (خالة خيرية) عملت فيه على التصوير والمونتاج والإخراج عام 2012. وبعدها بأعوام، أنجزت سوزان موسوعة مصورة أخرى عن “بلاد الحضارمة” عام 2016، حيث وثقت مدن وقرى حضرموت مثل المكلا وتريم وسيئون ومدينتي شبام والهجرين التاريخيتين، إضافة إلى وادي دوعن الأيمن والأيسر المعروفان بمناظرهما الطبيعية الخلابة والبيوت ذات الأطرزة المعمارية المميزة. وشملت الموسوعة أكثر من ألف صورة في ثلاثة مجلدات تحكي عن التراث الحضرمي العريق في الجزيرة العربية، وتم ترجمتها للإنجليزية أيضًا. وتعكف باعقيل حاليًا على إنجاز موسوعة جديدة عن “جدة التاريخية” ستصدر قريبًا باللغتين العربية والإنجليزية.