البيئــة والعبوات البلاستيكية.

لا يخفى على المهتمين بالبيئة النباتية وهُواة التَنَزُّه في براري المملكة الشاسعة الأداء المُمَيَّز لوزارة البيئة والمياه والزراعة في المحافظة على كثيرٍ من الأراضي التي تَعَرَّضَت عَبر سنوات طويلة لعمليات تَصَحُّر خطيرة بحيث بدأت الحياة النباتية تعود لها، وذلك عَبرَ أجهزة الوزارة المختلفة ذات العلاقة بالبيئة. الأداء الملحوظ لوزارة البيئة والمياه والزراعة في إدارة المحميات وبقية أراضي المملكة الرعوية لم يقتَصِر فقط على عَودَة الغطاء النباتي في مناطق كادت أن تتحوَّل إلى صحاري، ولكن صاحَبَ ذلك انخفاضاً ملحوظاً في انتشار النفايات في تلك الأراضي، والذي يعود إلى الرقابة الصارمة التي تُطبقها أجهزة الوزارة في تلك الأراضي. وهذا جُهد كبير تُشكَر عليه الوزارة والقائمون على تلك الأجهزة. العبوَّات البلاستيكية للمياه ولكن تبقى مشكلة، بل قضية تلوُّث أرصِفَة طُرُقات وشوارع المملكة بعبوَّات المياه البلاستيكية المُتناثرَة، والتي تزداد يوماً بعد يوم. بل حتى المقابر وقبور أحبابنا لم تَسـلَم مِن هذه العبوَّات البلاستيكية اللعينة للمياه التي يحتاج تَحلُّلها إلى مئات السنين. أما شِبه إقتصار التبَرُّع للمساجد بكراتين عبوَّات المياه البلاستيكية، وما يتبَع ذلك مِن إسراف في استهلاك المصلين لهذه العبوّات وإلقائها في الشوارع المحيطة بالمسجد فهذه قضية تحتاج وقفةٍ جادَّة مِن لدُن الجهات المسئولة عن المساجد والبلديات. والسؤال هُنا: مَن المسؤول عن القضاء على هذا التلوُّث بالعبوات البلاستيكية للمياه !؟ قد يقول قائل وزارة البيئة والمياه والزراعة غير مسؤولة عن النفايات في المناطق الحضرية، ومسؤوليتها محصورة في المحميات وما شابهها خارج المناطق الحضرية في المُدن والقرى والهِجَر، وبالتالي تكون مسئولية القضاء على النفايات التي منها العبوات البلاستيكية في المناطق الحضريَّة هي وزارة البلديات والإسكان وما يتبعها مِن أمانات وبلديات. بالطبع، هذه الحقيقة لا تنفي وجود ملايين أو مليارات العبوات البلاستيكية مُتناثرة في براري المملكة. هذا صحيح، ولكن لماذا لم تستطع الأجهزة الحكومية القضاء على التلوث بالعبوات البلاستيكية للمياه الذي يتزايد يومياً !؟ ألَم تستطع “وكالة الإبتكار والبحث” بوزارة البيئة والمياه والزراعة “إبتكار” طريقة للقضاء على هذا التلوث بالعبوَّات البلاستيكية للمياه في البراري !؟ وكيف لم تستطع وزارة البلديات والإسكان وأماناتها وبلدياتها المتناثرة في المملكة مِن إيجاد حلّ لهذا التلوث بالعبوَّات البلاستيكية للمياه !؟ أم أنهم مشغولون بكَشط إسفلت بعض الشوارع وإعادة السَّـفلَته حتى تساوى الرصيف مع الإسفلت في بعض الأحياء ! ألَم يقرأ كبار المسؤولين وصغارهم في وزارة البيئة والمياه والزراعة ووزارة البلديات والإسكان عن “علاج” ناجع لهذا التلوُّث البلاستيكي مُطَبَّق في كثيرٍ من دول العالم قبل عشرات السنين !؟ فقد كانت ولاية أوريجون الأمريكية أول مَن طبّق هذا العلاج عام 1971م، حين فَرَضَت تأمينا ماليا صغيرا (عِدَّة سنتات أمريكية) على هذه العبوات يستعيده الشخص عند إعادته للعبوَّة البلاستكية أو الزجاجية أو المعدنية الفارغة إلى أي سوبرماركت أو بقالة، ليتم بعد ذلك تدوير هذه العبوات. والسؤال هنا: لماذا لم يجتمع مسؤولو وزارة البلديات والإسكان مع أقرانهم في وزارة البيئة والمياه والزراعة ومناقشة مثل هذا العلاج للقضاء على التلوث بالعبوَّات البلاستيكية للمياه في المناطق الحضرية وبراري مملكتنا الغالية !؟ أم أَّنهم يَشكُّون في نَجَاعَة مثل هذا العلاج !؟ إنْ كانوا يشكون في نَجَاعَة هذا العلاج، ألَم يتساءلوا لماذا تقوم حالياً مؤسسات تجارية في المملكة بعملية هَدم المنازل مجاناً، وأحياناً تُعطي صاحب العقار مبلغاً مالياً لهَدمِه !؟ هل هذه المؤسسات التجارية تبحث عن الأجر والمثوبة !؟ أم أنها تبحث عن أطنان أسياخ الحديد الموجودة في قواعد وأعمدة هذه المباني لتستخلصه من الخرسانة وتبيعه إلى مصانع الحديد في المملكة لإعادة تدويره !؟ وأجزِم قاطعاً أنَّهُ بمُجَرَّد أنْ تفرِض هاتان الوزارتان تأمينا ماليا (عِدَّة هللات) على كُلّ عُبوَّة بلاستيكية للمياه (أو زجاجية أو معدنية للأغذية)، وتُلزِم مصانع تعبئة المياه والبقالات وما شابهها باستلام هذه العبوات وإعطاء أصحابها قيمة التأمين المُقَرَّر، ستختفي هذه العبوَّات البلاستيكية اللعينة من طُرُقات وشوارع وأرصفة ومقابر المملكة خلال أشهُر قليلة. ولكن يبدو أنَّ وزارة البلديات والإسكان هي الأُخرى تحتاج إنشاء وكالة جديدة “للإبتكار والبحث”، إلى جانب وظائف نائب الوزير ومساعدي الوزير والعشر وكالات للوزارة، لعلَّ وعسى أنْ تبتكر علاجاً ناجعا للعبوَّات البلاستيكية للمياه. الثروة الحيوانية والسمكية طالما تَطَرَّقنا إلى بعض أجهزة وزارة البيئة والمياه والزراعة، فمن المُلائم التساؤل مع الوزارة الموقرة عن الأسباب التي دعتها لإلغاء وكالة الوزارة للثروة الحيوانية وجعلها تحت وكالة الوزارة للزراعة، وكأنَّ الثروة الحيوانية في المملكة قطاع هامشي صغير لا يستحق وكالة مستقلة تعني بشؤونه، ويكفي وكالة مساعدة أو حتى إدارة عامة للعناية به وبالمستفيدين منه. للوقوف على أهمية هذا التساؤل، من المُهِمّ استعراض واقع قطاع الثروة الحيوانية في المملكة بالأرقام. حيث جاء في موقع الهيئة العامة للإحصاء أنَّه في عام 2023 يوجد في المملكة 29,4 مليون رأس من الأغنام، و 273 ألف رأس من الأبقار أنتجت 2,8 مليار لتر حليب، وتَمَّ إنتاج 1,1 مليون طن من لحم الدجاج وثمانية مليارات بيض مائدة. إنَّ هذه الإنتاج الضخم لقطاع الثروة الحيوانية في المملكة يجعله يتصَدَّر دول الشرق الأوسط بلا مُنازع، ومع ذلك رأت وزارة البيئة والمياه والزراعة عندما أعادت هيكلة الوزارة عام 1442هـ أنَّ قطاع الثروة الحيوانية لا يستحق وكالة وزارة تعني به، ويكفيه وكالة وزارة مُساعِدة مُشـتركة مع الثروة السمكية. ولكن هذه النظرة “الثاقبة” للوزارة بشأن “أهمية” قطاع الثروة الحيوانية في المملكة امتدَّ أيضاً إلى قطاع الثروة السمكية وألغت وكالته هي الأُخرى وجعلتها تحت وكالة الوزارة للزراعة. وليس هذا فحسب، بل جَعَلَت قطاع الثروة الحيوانية وقطاع الثروة السمكية في وكالة مُساعِدة واحدة، وكأنما قطاع الثروة السمكية هو الآخر قطاع هامشي جداً لا يستحق حتى وكالة مستقلة بذاتها. حيث نَسَيت أو تناست الوزارة الموقَّرة أنَّ المملكة تمتلك أطول سواحل في الشرق الأوسط بطول 3400 كم، مما يعني ثروة سمكية ضخمة جداً تستحق وزارة وليس وكالة مساعدة بالتشارك مع قطاع الثروة الحيوانية. إنَّه من الغريب جداً وجود عشر وكالات في وزارة البيئة والمياه والزراعة ليس من بينها وكالة للثروة الحيوانية أو للثروة السمكية، حيث كان نصيب هذين القطاعين الضخمين والمهمين جداً للأمن الغذائي في المملكة وكالة مُسـاعدة لهُما مَعاً تحت مظلة وكالة الوزارة للزراعة. إنَّ وكالة الزراعة في وزارة البيئة والمياه والزراعة وكالة مُثقَلَة جداً بالمسئوليات لثلاثة قطاعات ضخمة في المملكة هي القطاع النباتي والقطاع الحيواني والقطاع السمكي، ومن الملائم جداً إعادة كُلاً من قطاع الثروة الحيوانية والثروة السمكية في وكالتين مُستقلتين تماماً عن وكالة الزراعة، وذلك لأهمية هذين القطاعين في الأمن الغذائي للمملكة، وقبل ذلك ضخامتهما على مستوى الشرق الأوسط. الإبتكار مسـئولية وزارة خَدَميَة !؟ الغريب في إعادة هيكلة وزارة البيئة والمياه والزراعة عندما ألغت وكالة الوزارة للثروة الحيوانية وألحقتها بوكالة الوزارة للزراعة، هو إنشاؤها لوكالة الإبتكار والبحث. والسؤال هنا: هل “الإبتكار والبحث” مسئولية القطاع الحكومي !؟ أم أنَّه مسؤولية القطاع الأكاديمي ومراكز الأبحاث وأحياناً القطاع الخاص !؟ إنَّ مسئولية القطاع الحكومي في موضوع الإبتكار والبحث هو تحديد الأهداف المطلوب تحقيقها في جانب الإبتكار، ثُمَّ تمويل الجامعات ومراكز الأبحاث ومنشآت القطاع الخاص المتخصصة لتحقيق هذه الأهداف. ولكن قبل ذلك، وفي ظِلّ عَدَم مسئولية الوزارات الخدمية عن الإبتكار والبحث، ألا يوجد إزدواجية في العمل بين “وكالة الإبتكار والبحث” في وزارة البيئة والمياه والزراعة و “هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار” المرتبطة برئيس مجلس الوزراء !؟ خُلاصة القول في موضوع هيكلية وزارة البيئة والمياه والزراعة أنَّ قطاع الثروة الحيوانية وقطاع الثروة السمكية يجب أنْ يكون كُلاً منهما في وكالة مُستقلة على أضعف الإيمان؛ إضافة إلى أنَّ عددا غير قليل من هذه الوكالات العشر بالوزارة يكفيها إدارة وليس وكالة وزارة. وللوقوف على هذه الحقيقة، يكفي قراءة مُسَـمَيات هذه الوكالات العَشر في وزارة البيئة والمياه والزراعة، للحُكم على أهمية بعض تلك المُسَـميات أو المهامّ المُراد إدارتها، بحيث تستحق إنشاء وكالة مســتقلة لها: (1) وكالة البيئة، (2) وكالة المياه، (3) وكالة الزراعة، (4) وكالة البحث والابتكار، (5) وكالة الخدمات المشتركة، (6) وكالة الأراضي والمساحة، (7) وكالة التخطيط والتميز المؤسسي، (8) وكالة الشؤون الاقتصادية والتخصيص، (9) وكالة تقنية المعلومات والتحول الرقمي، (10) وكالة خدمة المستفيدين وشؤون الفروع !!