سمر الشيخ بعد ديوانها (اعطها اسما):

الشعر بوابتي التي ادخل منها إلى نفسي.

الشاعرة السعودية سمر الشيخ تكتبُ ليس لأنها تُريد القصيدة بل لأن القصيدة تُريدها؛ لذلك تقول: «أتمنى أن أحيا كل حياتي كشاعرة» بهذه الروح التي تزدادُ خِفَّة مع الكتابة كأنها تُمارس التحليق من أجل الغرق كلما منحها النص فضاءات أوسع … هنا تلويحة لقارئ مُحتمل يضع الكلمات وشما في عينيه لا أن يمُرَّ بسلام ، فالشعر الذي يختطفك هو ما يستحق أن تتوقف عنده لا أن يتوقف عندك كي تصنع دهشة ميَّاسة بحجم الفيض و بقوة أحلامك المُتمردة في متعة اللغة. * أحد عشر عاما الفاصل بين ديوانك الأول (انشقاق) وديوانك الثاني (اعطها اسما) ؛ مالذي تغير في مفهومك للشعر، ماذا اعطاك وماذا اخذ؟ لازال الشعر بوابتي التي أدخل منها إلى نفسي، فأنا ذاتية جدًا حين أكتب، أعطاني الشعر العمق لكل ما أنظر إليه واتصل به من خلال القصيدة، أعطاني محبة ناس لم يلتقوا بي ولكنهم من خلال قصائدي كنت صديقتهم، أعطاني الشغف والتغيير والمضي قدمًا، أتمنى أن أحيا كل حياتي كشاعرة، ولم يأخذ مني شيء سوى أنني صادقة جدًا ومرئية حين تقرأني وذلك مالم يقبله البعض. * “حالمة بموت رقيق.. هادئ / حرر من وجع الحياة” ؛ عن اي موت تبحث الشاعرة الشيخ؟ لا أبحث عن الموت، فالحياة حافلة بأشكال متعددة للموت حتى أنني صرت أشيح بوجهي عنه، لكن ذلك الذي تحدثت عنه في النص كان الموت الذي يأخذ لولادة حياة جديدة، شفائي يحرر من كل ماكان مؤلماً ومخيبًا، فهو ليس موتًا كما يبدو بل إن في كل موت ولادة وإن لم تحررك من قيودك وجروحك فأنت لم تمت بعد ولم تعرف بأن فرص الحياة تأتي بأن تولد في كل مرة تختار فيها أن تحيا. * “ أريد التحرر كدمعة انفجرت في القلب” ؛ بهكذا دوي كيف نعرف الحرية؟! في هذا النص كانت الدمعة التي تنفجر وتنتهي من وجعها بمجرد انفجارها لشدة ما احتملت حرةً وأختارت نهايتها في أكثر الأشكال التي تحدث أثرًا وصوتًا بالغًا تعبيرًا عن حالة وجودها المتألم، لكن الدمعة ليست هذه دورتها الوحيدة لا شيء ينتهي تمامًا بل يتحول بأشكال أخرى من صور الحياة، لذلك شعرت أنها حالة من التحرر . * ينشغل شعرك بالوجدانيات، الحب، الحياة وكثير من التفاصيل اليومية الدقيقة؛ اهو إيمان بأن الحب شعر الحياة؟! الحب هو كل شيء، هو الحياة وليس فقط الكتابة، من الحب يأتي كل شيء ، في مجموعتي الأولى كنت أبحث عن معاني الحب لذلك أهديت المجموعة إلى الحب الذي لا يأتي، ثم في المجموعة الثانية كتبت شيئًا من الإعتراف أن حياتي هي عقد مع الحب والشعر، وهكذا كنت مع الناس أحبهم كأنهم قصائدي التي لم أكتبها بعد، ومع كل تفاصيل حياتي. * “فنجان قهوة معك يخلق.. جنة صغيرة ، لا ابواب لها .. لا جدار. ؛ مالذي يفعله فنجان القهوة، الآخر في حياة الشيخ؟ ذلك يعني أنني لست وحيدة سواء كنت برفقة فنجان قهوة أو آخر ، ويمكنني أن أخبرك أن الإنسان أضاف لكثير من الأشياء حوله بعدًا انسانيا حتى يحس بحميميتها وقربها، ولربما حياتنا الحديثة امتلأت بزخم التفاصيل حتى أشعرتنا بهوة الفراغ الذي يملئ أعماقنا، القهوة والآخر يؤثران على حياتي لكن بأثر مختلف لربما الآخر يكون سبب سعادتي أو حزني فأثره لا يمكنني التحكم به، أما القهوة فأنا أصنعها لي كما أحب، إنما رفيق القهوة يجب أن يكون أحب للقلب من القهوة حتى تخلق تلك الجنة. * يقول محمود درويش: مهما كان عمرك ستجد نفسك تتصرف بعض التصرفات الطفولية عن جلوسك مع اشخاص ترتاح لهم. ؛ مع من تستحيل الشيخ لكائن طفولي؟ مع طفلتي هي من أعادت لي سمر الطفلة، الأمومة من أعظم تجارب الحياة التي ضاعفت تشبثي بكل لحظة أحياها لأكن أفضل، لربما قناعتي بأن الأم السعيدة تعطي حبًا لا حد له لطفلها، جزء كبير من السعادة أن تعود طفلًا مع الحياة. * “ افكر في الرجل كأنه اصابعي العشرة / اتحدث إليه كأنه سكين عليها” ؛ بهكذا قرب وهذه القطعية الحادة كأن المسافة كبيرة وشاسعة أليس كذلك؟! بل هي كذلك. * “رأسي متعب / مد لي صدرك / انصت لحكاياتي / ردد اغنياتي على شفتيك / دعني اتخيل شكل العشب ورائحة التعب” ؛ هذه صورة سينمائية رائعة بامتياز ، كيف ترى الشيخ تجاور الفنون في إبداع النص الأدبي؟! أحب تجربة الشاعرة فروغ فرخزاد وأرها أكثر شاعرة تمكنت من أن تجاور الفنون، فأنت حين تقرأ نصوصها تنذهل من براعة إخراج الصورة الشعرية فكأنها مزجت بين شغفها بالسينما والشعر وكذلك فعل عباس كيارستامي في أفلامه ولقطاته الشعرية وفي اختزالاته النصية المدهشة والعميقة، لربما الفنون لا تنفصل بل تمتزج إلى أن تصل للكمال الذي ينشده الإنسان في فهم تجربته الحياتية والإبداعية. * كنت قد سألتك في حوار سابق منذ اعوام مديدة : ماذا يمكن ان تقول الشيخ في هذه اللحظة؟ مالذي تغير في الاجابة؟ كل شيء تغير، أريد المزيد من الحب والشغف والحرية، وأن لا أتوقف عن الدهشة وكتابة القصائد والسفر. * مالذي تفعله الذكرى في الذات الشاعرة يا سمر؟ أحاول تجاوز الذكرى دائما، دربت نفسي على ذلك رغم صعوبته لأنه الجزء الحقيقي من الحياة الذي أدركته مبكرًا أن الناس ترحل والأماكن تتغير ولا شيء يدوم. * في الألفية الثانية اصبحت القهوة تسكن قصائد الكثير من الشعراء كأنها تميمة ابدية، مثلما كانت النوارس تسكن قصائد الشعر في الثمانينات، ما تفسيرك لذلك؟ لربما تعبير عن أشكال الوحدة الي يعيشها الإنسان في هذا العصر الذي كل شيء فيه بإيقاع سريع حتى القهوة. * مالذي بقي لك من صور مكة القديمة وحاراتها ليثب في القصيدة كمزمار فرح عند الشيخ؟ كل مابقي هي صور وذكريات، لم أكن مرتبطة بالمكان كثيرًا إنما بالحكايات والتفاصيل التي عشتها مع أهل المكان وهم حاضرين في قصائدي دائما.