الذكاء في قبضة الإبداع.

أَيقِظ شُعورَكَ بِالمَحَبَّةِ إِن غَفا لَولا الشُعورُ الناسُ كانوا كَالدُمى إيليا أبو ماضي حين يقع الذكاء الاصطناعي في يد مبدع حقيقي، فإنه يتحوّل من مجرد أداة إلى جناحٍ يحلّق به إلى آفاقٍ أبعد. والحديث عن الإبداع بعد ظهور الذكاء الاصطناعي لم يعد كما كان قبله. ففي أبرز توصيفاته، يُفترض أن يكون الذكاء أداةً مساعدة للإنسان، يظلّ التعويل فيها على فطنته، وقدرته في توظيف هذه التقنية بما يخدم المعنى الإبداعي في صورته الإيجابية. ورغم اتساع الحديث عن الذكاء، فإنني أُضيّق الدائرة هنا لأتأمل علاقته بالإبداع في مختلف حقوله. فقد أظهر قدرة لافتة في توليد الأفكار، وصياغة الحوارات، وحتى في اقتراح عناوين مُلهمة. ويقول عن نفسه إنه “مرآة للكاتب”، وأحيانًا “شرارة تحرّك مخيّلته”. لكن، وبالرغم من ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي ــ القائم على تحليل البيانات الضخمة ــ ما زال يفتقد لعناصر يصعب برمجتها: كالشعور الفطري الذي يُضفي على الكتابة نكهتها الشعرية والنثرية. كما أنه لا يملك حدس الإنسان، ذاك الحدس الذي يلتقط فكرة من نظرة عابرة، أو لحظة وجع أو فرح، أو من موقف يُلهب قريحة الشاعر؛ فكل تلك اللحظات الحيّة تظل خارج خارطة الذكاء الاصطناعي، وإن حاول الاقتراب منها، إذ إنه يتعلم باستمرار، وهذه من أبرز مزاياه. الإنسان يمتلك عاطفة جياشة، ومزاجًا متقلّبًا، وتراكمًا وجدانيًا ناتجًا عن تجاربه الحياتية: من الحب والفقد، إلى البهجة والانكسار، في حين أن الذكاء يستند في عمله إلى آليات التوقّع والاستنتاج، انطلاقًا من ملايين البيانات. يُضاف إلى ذلك امتلاك الإنسان للغة حيّة، ولجرأة إبداعية تمكّنه من اقتحام ميادين متعددة في الكتابة، بخلاف الذكاء الذي يتحرك ضمن محددات معرفية وخزين لفظي مضبوط، ويعمل وفق ما يُعرف بـ”هندسة الأوامر”. ولا شك أن الذكاء الاصطناعي، حين يُستخدم بوعي من قبل المبدع، يفتح أمامه مساحات من الاكتشاف والحفر والدهشة، بفضل ما يمتلكه من بيانات هائلة، وقدرته على الاستجابة السريعة انطلاقًا من تلك التركة المعلوماتية الضخمة. لكنّ الأهم من كل ذلك، هو أن يعرف الإنسان كيف يستخدم أدواته. الذكاء الاصطناعي ابتكار إنساني يعكس طموح البشرية، وتظل قيمته مرهونة بحكمة من يوجهه. فالإنسان هو البوصلة، والذكاء مجرد وسيلة.