علي محمد العلي يحاور والده الرائد الكبير ويفتح معه «شرفات» جديدة:

محمد العلي: اللغة إما أن تكون مطرقة مزعجة أو جناح طائر .

للدخول الى عالم الوالد (محمد العلي) لابد من فتح كوة في ذالك الذي يسمى جدار الزمن الذي تراه شاهقاً من بعيد، منذ عقود، ولكن عندما تقترب منه تتأمل (البلوكات) المنتظمة بعضها فوق بعض وتزيح واحدة لترى ذلك العالم السحري الملىء بالشعر واللهاث نحو الجمال و«معايشة النمرة» كما سمّى مخاض الكتابة الروائي اليوناني «نيكوس كازنتزاكيس» صاحب «زوربا»، وتبحّر في عالمها كما بحر مفتوح.. وقد عبّر عنه جبرا ابراهيم جبرا واستخدم التسمية كعنوان لكتابه المعروف (معايشة النمرة)! قبل أكثر من أربعة عقود لاحظت الوالد يتغنى باغنية أبو بكر سالم بالفقيه: عادك الا صغير! وبالتحديد مقطع واحد يكاد لا يفارقه وهو “يا غبا من يسير ! على دروب الهوى .. ولا إنجرح وإنكوى .. ولا تحدى المصير ..!!” ومع سماعي المتكرر له، دفعني الفضول الى اقتحام عالمه وسألته مدعياً عدم الفهم وبشيء من الاستفزاز: ترى صاحبنا أبو بكر سالم لا يقصد الحب في هذا المقطع!؟ ضحك الوالد ضحكة صاخبة كعادته وبعفوية قال: طبعاً ما يقصد!! وأردف : وهنا روعة الأغنية .. فسألته على الفور: ما هو سر حساسيتك البالغة للغة؟ فلم يجبني وتابعت .. أحس أحياناً أن اللغة تؤرقك وتسبب لك الكثير من الإزعاج وأحيانا أراك تطير محلقاً مثل الأطفال الرضّع ذوي الأجنحة البيضاء الذين يرسمونهم جماعة “مايكل انجلو” على سقوف الكنائس.. وكأنهم إبتهالات طائرة!؟ -نعم أنا هكذا.. اللغة بالنسبة لي إما أن تكون مطرقة مزعجة أو جناح طائر يحلّق بي فوق الغمام ويتركني أسبح في لغتي الخاصة إلى درجة أني أنسى ما قرأته وتسبب لي هذا الإشراق الصوفي ثم تتركني في عالمي مثلما يقول عبدالوهاب: سابحاً في زورق من صنع أحلام الشباب!!؟؟ قلتُ معلقاً : إني والله احسدك على هذا، خاصة وأن عملي في البنك قد قص كل هذه الأجنحة عندي وتركني قرب القفص!؟ “شرفات”.. الاسم الآسر لنعد الى موضوع هذا الإسم الآسر: “شرفات” لندخل عالم الوالد، ومن خلال قراءتي هذه الأيام لكتاب الاستاذة عزيزة فتح الله وإشراف الاستاذ محمد القشعمي (أبو يعرب) الذي صدر عن الوالد بعنوان (محمد العلي شاعراً ومفكراً) وجدت فيه معلومات لا تقدر بثمن! إنها حصيلة سنوات طوال، وتمنيت لو أن عندي شيئاً بسيطاً من موهبة الروائيين العظماء مثل كازنتزاكي او عبدالرحمن منيف لكي أحوّل هذه الحوارات والمحاضرات والقصائد والذكريات الى رواية تكتب بماء الزعفران ولكن كلمة يا ريت ما تعمّر بيت حسب فريد الأطرش ...! أعتقد أن تكرار الأسئلة التقليدية عن التراث والحداثة وقصيدة النثر ومصارعة الديكة بين شعر التفعيلة وشعر العمود قد أخذت حقها وزيادة كما يقال، وعمل حوار مع الوالد في هذا الإطار سيكون عبثياً وإنشائيا، خاصة هذه الأيام التي كثرت فيها المجلات الالكترونية والمنتديات البراقة دون أن تفتح في الحقيقة “شرفات جديدة”! بطبيعة الحال لا أقصد الموجة الجديدة من بعض الإصدارات والمنتديات التي تحاول ارتداء حلة متطورة في سياق التفتّح والإنفتاح الجديد بلمسات نسائية ورجالية “شبابية” جميلة متألقة، وهي تحتاج الدعم والتشجيع لنرى المواهب الشابة تأخذ مكانها الحقيقي بعد أن قدّم الكبار الكثير. سوف يستغرب القارىء عندما يتأمل هذه الأسئلة/المداخلات التي اخترتها من كتاب “أبي يعرب” وقد مضى عليها أكثر من اربعة عقود وكأنها كتبت اليوم وأجاب الوالد عليها برؤية شامخة الى المدى البعيد ذلك الوقت ونضع عليها تعليق الوالد بتاريخ اليوم للمفارقة والتأمّل وبحضور صديق عمره الأستاذ محمد القشعمي الذي أضاف نكهة خاصة للإجابات!!؟؟ تأثير قصيدة “يامرية” يا مرّية: ليتني في قمة “الأولمب” جالس.. وحوالي العرائس.. وأنا في ذروة الإلهام بين الملهمات (...)!! يا مرية: يا عيوناً كالينابيع صفاءً.. ونداوة.. وشفاهاً كالعناقيد امتلاء.. وحلاوة.. وخدوداً مثل أحلامي ضياءً.. وجمالاً.. ماذا فعلت بك هذه القصيدة؟ -هي قصيدة تفعل في أي أحد يقرأها وليس أنا فقط! أي واحد يسمعها لأول مرة ومن سوداني أسود مع بيضاء .. هذه التركيبة نفسها تهز أي قارىء! تأثرت فيها ما في شك، ولكن اجابة على تساؤلك حول الشعر الحر، أن تحولي من شاعر عمودي الى شاعر تفعيلة هي قصيدة السياب “شناشيل بنت الجلبي”! -هل هذه القصيدة تعتبر قفزة في الشعر العربي كما بعض قصائد درويش او أمل دنقل او سواهم؟ ج- ليس هناك مجال للمقارنة.. السياب غيّر مجرى النهر .. هذه حسنة للسياب.. ما في أحد يقارن به في لحظته .. في وقته .. في ذلك الزمن بالذات هو الوحيد. السياب صنع التحول - يسأل ابو يعرب (القشعمي) الوالد: لكنه لم ينل الشهرة يا أبا عادل؟ كما نالها غيره من مجايليه . ج- قد تكون نازك الملائكة أسبق منه.. قد يكون أي واحد أسبق منه ولكن هو الذي صنع التحوّل .. تحوّل جميع الشعراء الآخرين .. هذه حسنة السياب. كنت أقصد من الشعراء من يصنع القفزة.. في هذا السياق كيف ترى الشاعر (علي الحازمي)؟ ج- علي الحازمي شاعر رائع.. هذا رأيي فيه. شاعر ممتاز .. كأنه خارج عن السرب في المملكة .. ضمن جيله .. خارج عن السرب في لغته، في الصور الإبداعية، في وجدانه في التعبير عن الأشياء . الجريدة لا تقوم بواجبها -تقول: وجهي موجود في الحياة وفي المرآة وأشياء كثيرة.. ولكني كنت أبحث عنه في الجريدة فقط.. لماذا؟ ج- لأن الجريدة هي المفروض أن تحمل هموم الناس.. تطلعاتهم وهذا لا نشاهده في الجرايد .. “في سفرتي باسم الوردي يقول: في سفرتي سأكتب القصيدة.. وأنحت الملامح النقية الجديدة.. لوجهي الذي بحثت عنه بلا أثر.. في صخب الجريدة!” يعني الجريدة لا تقوم بواجبها! أو ربما تفعل العكس!؟ -قبل خمسين سنة قلت: أتذكر حين يهاتفك المحرر قائلاً زاويتك لهذا اليوم لا تصلح للنشر.. ألا تذهب طائعاً لكتابة غيرها؟ إذاً أين أنت؟ الرقابة في كل مكان حتى في الغرب! هل تغير شيء؟ ج- جاي يتغير الى الأدنى! (يعلق القشعمي: المراقبة بنت كلب الذاتية وغير الذاتية)! الرقابة ظاهرة عابرة للجغرافيا -”الرقباء” مقال كتبته في جريدة اليوم نهاية 2003 تقول فيه: في العصر الحاضر بقي الرقيب سيفاً مسلطاً على قلوب الشعراء، وأفكار الكتّاب، وتحليق الفلاسفة، ولم يبق في دائرة ضيقة.. فالشاعر الحديث ابتدع الرمز فراراً من أنياب الرقيب، والكاتب راح يخاطب قراءه بإبن عم الكلام، والفيلسوف راح يحلّق في الأرض بدلا من الفضاء! واتضح أن نشاط الإنسان يحتاج الى رقابة ورقيب في كل زمان ومكان: لماذا؟ لماذا لا يكون الإنسان مؤتمناً موثوقاً في تصرفاته؟ مقال دسم وفيه الكثير.. الى أي حد يمكن تطوير الرقابة وهل فقد كل الكتاب والشعراء حواسهم وتركوها لاشعورياً للرقابة الذاتية داخلهم!؟ أبو يعرب عنده كتاب كامل حول الرقيب والرقابة ودراستها كظاهرة عابرة للجغرافيا!! المثقف العربي لا يلتزم بالثقافة - كتبت: يقول ادوارد سعيد: (أهم رسالة للمفكر العربي هي استمراره وبقوة في المدافعة عن حرية التعبير، وفرض لغته الخاصة، وأن يرى الأشياء لا كما هي، بل كيف صارت الى ما هي عليه!؟) ما الذي تغير؟ أين المفكر والمثقف العربي؟ ج- المثقف العربي لا يلتزم بالثقافة. يحمل الفكرة فقط ولكن هذه الفكرة لم تتحول الى سلوك.. الى وجدان. يحملها كما يحمل الحمّال ذهب أو بطيخ!! لا فرق! قصيدة الدميني - قلت: من أين لي يا دميني.. ذلك المعين الذي يتسلسل من قلبك المطمئن.. ألا إن أغصان هذه الحياة ستثمر يوماً؟ ألم تفكر في كتابة “شرفة تطل على الزمن” مع الدميني مثلما كتبت قصيدتك الرائعة عن السيد مصطفى جمال الدين وحينها قلت هذا ليس رثاءً.. إنها نافذة تطل على الزمن؟ واضح أن هذين الشخصين لهما مكانة خاصة عندك؟ ج- لم افكر أن أكتب عن الدميني قصيدة حتى الآن. الماء هو الحياة س- كتبت عن سعد الدوسري: يقول في قصيدته (هي المغارة.. أنا القاتل).. “آمنت أن سيأتي يوم تمشي فيه كل الجرار خلف جنازة الماء، وأن المسيرة ستهوي في يابس النهر، وستفقد الأزهار شهوتها.. “ ما سر عشقك للماء!؟ وهذا ما قاله ايضا عنك شاكر النابلسي؟ ج- الماء هو الحياة.. عندما استخدم الماء فأقصد الحياة.. الناس، يعني أنا عندما أذكر الخليج، هل أقصد الخليج هذا المالح!؟ لا .. أقصد الناس! حوار الطرشان -هل الحوار فن أم معرفة!؟ قلت قبل أربعة عقود أيضاً قلت “الحوار استجواب المفاهيم حتى اليقينيات منها من جميع الأطراف المتحاورة” أم أننا ما زلنا، اليوم، في مرحلة “حوار الطرشان”!؟ ج- ما زلنا في مرحلة حوار الطرشان! ما في جدل حقيقي! ديالكتيك ما في عندنا! الهشاشة النفسية - هذا يقودنا الى سؤال آخر: المثقفون الذين تعرفونهم جيداً، هل كتب أي منهم مقالاً يطلب حوار أحد أو يسأل سؤالا!؟ أغلبهم كأنه يحاضر عليك.. كما يقول أدونيس: يتكلم أحدهم وكأنه وضع الحقيقة في جيبه! لماذا؟ لماذا يخافون من الحوار؟ ج- يخافون لأن عندهم هشاشة نفسية! الهشاشة النفسية تخاف على نفسها! الشعر الشعبي فرض نفسه - “ارتواء” عبر عنه الشاعر الشعبي صلاح جاهين: (أنا اللي بالأمر المحال اغتوى.. شفت القمر نطيت لفوق الهوى.. طلته، وما طلتوش؟ إيه.. أنا يهمني.. وليه؟ ما دام بالنشوة قلبي ارتوى ...!!) وبعد هذا هل نجادل في الشعر الشعبي؟ ج- الشعر الشعبي فرض نفسه.. ولولا القرآن الكريم لكان هو الشعر الآن بدلاً من الفصيح .. لنأخذ مظفر النواب: شعره الشعبي افضل من شعره الفصيح. نعم القرآن ثبت اللغة العربية. -”الاستاذ الجليل العريض الطويل – التاريخ .. هل رأيت غابة شرسة مثل الإنسان؟ هل صحيح أنك لا تصاحب إلا الأقوياء، أو المنافقين والكذابين والمشعوذين ومروجي الخرافة!؟” هذا ما كتبته قبل ثلاثين سنة.. هل تغير شيء؟ هل الحاضر تاريخ مشوّه؟ ج- لا هذا أعيده الآن.. أعيد كتابته الآن .. لم يتغير شيء بل حتى تدهور! هذه مداعبة للشعر - “الاستاذ الجميل الكثير القليل – الشعر.. متى ولدت؟ وكيف؟ ومن أين؟ أمن الحزن أم من الفرح؟” ثم قلت له “لماذا اعتزلت الناس هذه الأيام؟ وكيف أصبت بمرض الاكتئاب؟ أيها الجميل: وداعاً”.. هل هذا رثاء للشعر!؟ ج- هذه دعابة.. مداعبة للشعر! الشعر هو كل هذا.. الحزن والفرح واللاشعور والشعور والحب والبغض .. - كأنك ترى الشعراء نياماً وتقول لهم قوموا وتحركوا الشعر مات؟ ج- الشعر لن يموت.. لم يتغير شيء -”السيدة ذات النقاب الغامض – الفلسفة.. يقولون أنك كنتِ في السماء فجاء من أنزلك الى الأرض.. فهل هذا صحيح؟ إذاً لماذا جاء من أعادكِ الى السماء مرة أخرى!؟” هذا مذهل.. لماذا يتشبث الإنسان بالتخلف والخرافة .. كتبت هذا قبل 40 سنة فهل تغير عليك شيء!؟ بعضهم يحمل شهادات علمية عليا ومع ذلك تعشش في رأسه الخرافة؟ ج/ لا لم يتغير شيء! نعم بعضهم “تيوس” في بعض النواحي! العدالة عنقاء -”السيدة المحجبة – العدالة الإجتماعية: أين أنت!؟ لقد فتشت كل القواميس، وكل المجتمعات، لأفوز بنظرة الى وجهك حتى من وراء حجاب، فلم أظفر بك!؟ ما رأيك في النظام العالمي الجديد؟ هل تعرفينه؟” قلت هذا قبل 40 سنة .. هل هناك أمل أن تتحقق العدالة الإجتماعية يوما ما وفي أي مكان على ظهر الكوكب!؟ ج- العدالة لن تتحقق! في أي مكان على الأرض .. العدالة “عنقاء” أمل أو حلم! الذين خلقوا الديمقراطية سحقوها -”السيدة الديموقراطية: كيف دخلت الى اللغة العربية؟ من أي طريق؟ وعلى ضوء أي مصباح؟ وحين دخلت: كم هي المفردات التي انقضّت عليك إنقضاض الصقور الجائعة؟ بودي أن أراك تتصببين خجلاً والعرب يفرغونك من محتواك النبيل، ويحيلونك الى خدعة مضحكة.. ولكنني محروم حتى من هذا!” هل ترى أن الغرب اليوم “داس بالأحذية” على الديموقراطية أكثر من العرب!؟ ما الذي يحدث؟ ج- ما الذي يحث في بلاد الذين خلقوا الديموقراطية كيف سحقوها الآن!؟ أترك البلاد العربية.. في موطن ولادتها كيف الآن وئدت! وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت. هذه هي الديموقراطية!! رسائل تحولت الى مقالات -في مقال بكلمات مائية قبل أربعة عقود كتبت: “لقد أرادت الديموقراطية، كمفهوم حضاري وإنساني وأخلاقي أن تعبر الحدود فأوقفها الضابط المسؤول عن المخفر اللغوي والفكري، وراح يمطرها بالأسئلة: -ما اسمك؟ -الديموقراطية.. -من أين أنت؟ -من البلد الذي يعترف بالإنسان.. -ما الغرض من مجيئك؟ -التنوير.. -تنوير من؟ -الحياة الاجتماعية.. -إن حياتنا الاجتماعية (تتشمس بنفسها) ولا تحتاج الى تنوير، ولكن سأسمح لك بالدخول بشرط واحد: أن أضع على لسانك قفلاً، يبقى مفتاحه بيدي، فهل تقبليين؟ -لا.. لن أقبل.. -إذاً عودي الى بلدك!!” - حوار ساخر ولكنه مؤلم.. هل تغير شيء بعد 40 سنة!؟ ج- لم يتغير شيء.. قلت لك بالعكس انهارت الأشياء.. هي في الحقيقة أسئلة فلسفية هذه.. خطرت في ذهني مرة واحدة كرسائل وتحولت الى مقالات تتضمن تلك الحوارات! لا أستطيع تعليل لماذا خطرت! هي رؤية للأشياء. الغرب دفن الحرية -”السيدة الحرية:.. من مضحكات (فوكوياما) اعتقاده بأن الصراع التاريخي قد انتهى.. بينك وبين الاستبداد بانتصارك الحاسم عليه تماما مثل انتهاء الصراع بين الديموقراطية والدكتاتورية بإنتصار الديموقراطية!؟ أين هو إنتصارك؟ هل أستطيع رؤيته لو بالخيال؟ هل ماتت الحرية عند الغرب كما عندنا وتمت الصلاة عليها ودفنها!؟ ج- دفنوها في “الغرب” من زمان! هناك قيم ثابتة لا يمكن ازالتها -”السيد النظام العالمي الجديد: الناس في كل مكان، يزحفون عليك بالسيوف والرماح وبكل الأسلحة البدائية.. أنت لا تخاف منهم لأنك محصن بكل ما بلغه العالم من مبتكرات تشبه الخرافة! وهم أشبه بمن ينبح على القمر! كيف استطعت أن تقضي على طموحات الناس وتطلعاتهم الى العدالة الإجتماعية؟” كيف شعرت عندما رفع ذلك الذي من أصول افريقية يده عاليا في الأمم المتحدة معترضا على إدانة المجازر والقتل اليومي!؟ ج- نعم رفع يده ملوحاً بالفيتو.. هذه أصبحت لا بشرية! أن تقر قتل الأطفال هل هذا نظام عالمي!؟ إنه يسوغ لجميع البشر قتل الأطفال! كيف؟ هناك قيم ثابتة لا يمكن إزالتها. سيناريوهات عفوية -كتبت قبل اربعين (سنة 1985) مقالاً عن (الرأي) في مجلة الشرق تتساءل فيه: “ترى ما هو الرأي؟ وكيف يتولد؟ ومتى يمكن الأخذ به؟ وما هي المقاييس التي يمكن على ضوئها الحكم بأن هذا الرأي مصيب، وهذا الرأي مخطيء؟” الغريب حقاً أن كل منا لا يتردد في قول رأيه! أو يرميه وكأنه ثقل على كاهله! الرأي يعكس عقلية ونفسية كل إنسان ظاهرياً وباطنياً.. لماذا ترى هذه اللامبالاة في أن يصنع الإنسان رأيه ويراقبه ويحذر منه أحيانا أو يبدع في صياغته ليصل بشكل جميل الى الآخر!؟ وفي نفس المقال خلقت حوارا: بين “سنان بن وكيع و صهيب بن شماس” وكلاهما كما يبدو اسماء ملفقة وحوارات انت خلقتها حول نفس الموضوع ومقولة (الرأي قبل شجاعة الشجعان) / المتنبي “وإنه ليعلم أن سيف الدولة من الذين لا يعنيهم هذا، ولكنه كذاب أشر!!” هل تخلق هذه السيناريوهات العجيبة من الذاكرة وهل تأخذ منك بعض الوقت!؟ ج- لا.. لا تأخذ وقت .. تأتي عفوية بدون أي تفكير طويل مسبق! يقول أحدهم رأيه لإثبات رأيه سواء كان على خطأ أو صواب!! -في مقالة اخرى ايضاً بنفس المجلة وقبل أربعة عقود نقلت هذا النص من كاتب أرجنتيني يقول: “(ممنوع التجول) وهذه المرة كما في كل المرات “التجوّل” ليس ممنوعا في الشوارع.. بل داخل أنفسنا.. ولكن هل بإمكان الجنرالات أن يلغوا البحار، وأن يلقوا القبض على البرق؟ هل بإمكانهم أن يقتلوا القتلى مرة ثانية؟! لقد كتبت رسالة الى الرئيس ريغان، أقول له فيها: هل هناك وسيلة لإقناعكم أيها السيد الرئيس، بأننا لسنا قطعاناً من الثيران؟!” الروائي الأرجنتيني (آرنستو ساباتو) هل هذا الموقف الإنساني الكبير هو المنتظر من كل مثقف؟ وختمت المقالة بشكل لافت: راعي غنم يكون صبوراً حكيما – راعي إبل يكون راسخ الثقة كريم النفس – راعي بقر يكون متغطرساً لئيماً!؟ ج-في رسالة اخرى مشابهة تقول: لكم أن تمنعوا الشمس.. لكم أن تمنعوا القمر ..لكم لكم الخ .. ولكن ليس لكم أن تكونوا مثلنا!! الجامعة العربية -وبنفس المجلة مقال عن (الأمثال)، وبعد شرح يفتح العيون والآذان جاء فيه: ما حك جلدك مثل ظفرك.. لم يستفد العرب من هذا المثل! فهم حين تكوى جلودهم بأي ميسم يركضون الى الامم المتحدة او مجلس الأمن، وإذا خجلوا قليلا من أنفسهم ذهبوا الى مقهى الجامعة العربية! هل تغير شيء!؟ ثم أيضا وضعت خاتمة لافتة للمقال: حدثنا الأشهب بن الوزان عن الأبلق الهراوي عن أجمل الأمثال على كل حال: “الصيف ضيعت اللبن”! (أطلق الوالد والقشعمي عاصفة من الضحك) ج- هل هناك أحد يذكر الجامعة العربية الآن.. لا أحد .. فيه واحد كتب .. قرأت مقاله يقول: موقف سيارات الجامعة العربية من أجمل المواقف!! يتغزّل بموقف سيارات الجامعة العربية!! (ويقول القشعمي سمعت عن هذا)! هناك نهضة في الشعر -في حوار أدبي معك في الراية القطرية 1980 سئلت عن اسماء البارزين في الحركة الادبية السعودية وامتنعت في البداية عن ذكر أسماء محددة خوفا من الإساءة لأحد ولكن طلب منك ذكر بعضهم فقلت: محمد حسن عواد، غازي القصيبي، علي الدميني، عبدالله الصيخان. اليوم كيف؟ ج/ هناك نهضة في الشعر.. في الأحساء شاعرات وشعراء جيدون..باقي المناطق غير ملم بها أنا.. ما أعرف ماذا حدث في المناطق الأخرى -في نفس المجلة.. عن بداية الشعر الحر بالنسبة لك قلت: “شرّف .. هنالك في إنتظار القطف أغصان تثنى ** نقل فؤادك .. هذه ليلى وتلك تراك لبنى / وهنا سعاد .. لقد تفجّر جسمها ألقاً ولحنا ** ودخلت في نعش من التفاح .. يسرع بي الى النار! هنالك حيث آلاف الخطى تركت لها ظلاً على المصباح ** وهو ينزّ في دموعه الثكلى” هل تتمنى أن كتبت شعرا من هذا النوع اكثر في تلك المرحلة المتوهجة؟ ج- لا.. لا أتمنى .. موقف سيء ليس في ظرف طبيعي عادي .. هو تعبير عن تجربة وتعبير صادق عندما قلت “ودخلت في نعش من التفاح” يعني هذا التعبير المناقض للسابق يعطيك معنى مختلف! - يعني ما أعطاك الشاعر (...) قليلاً من قريحته لتكتب ثلاثة أو أربعة دواوين غزل؟ (عاصفة أخرى من الضحك من الوالد وأبي يعرب)! أبو نواس وأبو تمام س-بمناسبة تكريمك في اثنينية الراحل عبدالمقصود خوجة 1986كتبت: “قال أحد النقاد لأبي تمّام: أيها الفتى ما أشد اتكاءك على نفسك وذلك لأن أبا تمام لم يتكىء في كتابة الشعر على شاعر قبله، وإنما يتكئ على نفسه.. خرج على عامود الشعر خروجاً رائعاً”.. من من شعرائنا تميز بهذا؟ كم من الشعراء اتكأ على نفسه، ولكن بمعنى الغرور!؟ ما رأيك؟ ج- هناك كثيرون .. أبو تمام.. أبو نواس اتكأ على نفسه.. إبن الرومي إتكأ على نفسه الحداثة والحرب مع الدين س-في مقابلة شاملة جمعتك بالدمينيين والملا والحربي 1993 “تصحيح القشعمي: محمد عبيد الحربي” نشرت في مجلة (النص الجديد) قلت عن الحداثة: “كما افهمها مصطلح عربي تليد قبل أن يكون مصطلحاً غربياً.. الغرب ابتكر أسلوب حداثته وفق مقاييسه.. ولكننا نحن ورثنا مقاييسها وأدخلنا عليها مفهوماً عربياً أحالها الى شبح مخيف! مفهوم خاطئ مضلل أن نرى كل حداثة تبدأ من “القطيعة” مع التراث! الحداثة تطور وارتقاء على الذات وانتقاء الإيجابيات في التراث..” لماذا إصرار العرب على تشويه مصطلح الحداثة ومحاربتها رغم عدم وجود تحديد لمفهومها ورغم انفتاحها الكبير على كل الأفكار والفلسفات!؟ لماذا الإصرار على ربطها بالغرب؟ ج-ربطها من منظور ديني! على أن الحداثة هي حرب مع الدين كما يتوهمون!! هم من منظور ديني يرفضونها لأنهم يعتقدون انهم في حرب معها! ماذا تقول لهؤلاء -في جريدة البلاد 1993 وتحت عنوان “ماذا تقول لهؤلاء” وجهت رسائل اخترت منها التالي: -الغذامي: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ** متى اضع العمامة تعرفوني هل عندك بيت ثاني؟ ج- لا هو هذا -السريحي: أنت الربيع وهذه مصر ** فتدفقا فكلاكما بحر ج- صحيح.. لا تغيير -عبدالرحمن العبيّد: الله يعلم أنا لا نحبكم ** ولا نلومكم إن لم تحبونا ج- هذا كان رئيس النادي الأدبي بالدمام.. (يصحح القشعمي: توفي رحمه الله) -علي الدميني: طفحت فوقه الدراري بحليها ** ضباب حلو مضل هادي.. ج-لا تعليق -الملاحق والصفحات الأدبية المحلية: تراقصي يا سعفات هجر ** لمعشر لا حشف ولا رطب!! ج- لا تعليق -الشعراء الشباب: قومي رؤوس كلهم ** أرأيت مزرعة البصل!! ما زعلوا عليك عندما قلت ذلك!؟ ألم يتصل بك أحد ويقول لك لماذا هذا التجني؟ ج- فيه موقف يغطي موقف.. (يقصد أنه مدحهم في مواضع أخرى وهي كلها نوع من نكهة الوسط الأدبي) -من صاحب فكرة إطلاق بيت شعر هكذا لكل فرد أو كيان وهل احتفظت بشيء مشابه!؟ ج- الفكرة جاءت من عندي أن أرد ببيت شعر لتصل الصورة! (ويضيف القشعمي: إنه عنوان صفحة أسبوعية غطت عدد من الشخصيات علما بأنه قد شبت معارك بينهم.. مثلا بين إدريس الدريس وعبدالرحمن السماري..الخ) الأذهان المستطرقة -(الأذهان المستطرقة) تعبير كبير يغني عن تفاصيل بحث! كيف خطر على بالك وهل المسألة مستمرة على مستوى العامة!؟ ج-نعم مستمرة.. العامة الآن اذهان مستطرقة!! نهاية الزيارة الخاطفة هذه بعض الاسئلة وهناك الكثير لا يتسع لها المكان ويجب التنويه أنني لم أتعمّق في المواضيع الفلسفية والمحاضرات والحوارات التي تتعلق بالرؤية العالمية للمثقف وقضايا فلسفية عديدة أخرى لأنها تحتاج إلى قارىء متأمل متخصص، وهذا الملف عبارة عن زيارة خاطفة إلى سنوات خلت الهدف منه تذكير القراء بجهود الوالد المضنية في الكتابة والبحث على مدى عقود من الزمن وكلي أمل أن تخرج في مجلد واحد بمشيئة الله..