هل آن الأوان لإطلاق جائزة وطنية للرواية السعودية؟

في ظل النهضة الثقافية التي تشهدها المملكة، والطفرة غير المسبوقة في الإنتاج الروائي، عاد إلى الساحة الثقافية سؤال ظلّ مؤجلاً لسنوات: أليس من حق الرواية السعودية أن تحظى بجائزة وطنية تليق بتاريخها وامتدادها؟ فبعد أكثر من ثمانية عقود من العطاء، ورغم ما حققته الرواية السعودية من حضور عربي ودولي لافت، ما تزال تفتقر إلى منصة وطنية تحتفي بها، وتمنحها التقدير الذي تستحق، وتفتح أمام مواهبها آفاقًا جديدة. وقد أعادت هذه الدعوة إلى الواجهة مبادرة أطلقها مؤخرًا الكاتب والروائي أحمد السماري عبر قناة السعودية التلفزيونية الرسمية، دعا فيها إلى إنشاء جائزة متخصصة في الرواية السعودية، وهي المبادرة التي وجدت صدى واسعًا في الأوساط الثقافية، وأيقظت الحاجة الملحّة لمشروع تأخّر كثيرًا. في هذا التحقيق، نستعرض آراء روائيين ونقّاد حول شروط نجاح هذه الجائزة المنتظرة، ورؤاهم لتصميمها بما يضمن العدالة، ويعزز التأثير، ويكفل لها الاستدامة. جائزة خلّاقة وداعم حيوي. د. معجب العدواني من أبرز سمات الجوائز أنها تبني تلك البيئة التنافسية في الوسط الثقافي، وتخلق دوافع لا تنتهي من أجل مزيد من الإبداعات، وقد حرصت المملكة على إيجاد تلك البيئات لتنافسية في الكتابة الإبداعية منذ عقود خلت، ويبدو لي أن الرواية لا تزال بحاجة إلى مزيد من الدعم والمساندة، وذلك بوجود جائزة مستقلة للرواية السعودية تحقق حضورها وأهليتها للتنافس والتجاوز. وأحسب أن استحداث جائزة للرواية السعودية لها خصوصيتها أحد المشاريع التي ينبغي أن تتبناها الجهات المسؤولة ليس لأهمية الرواية بوصفها جنسًا أدبيًًا مهمًا له قيمته، بل لتثمين المنجز الروائي المحلي الدي أضحى له تأثيره الكبير، ودعم الإبداع الروائي السعودي ورعايته، فضلًا عن الارتقاء بالتلقي العام والعلمي للرواية السعودية، وتكريم الروائيين المتميزين ودعم نشاطهم الكتابي. ومن المتوقع أن يقود ذلك إلى الارتقاء بمستويات البحث العلمي المتصل بالرواية السعودية، فتشكيل جائزة وطنية مستقلة للرواية السعودية مفتاح خلاق وداعم حيوي ليس لتنمية الأجناس الأدبية الأخرى، بل للبحوث العلمية الجامعية التي تستند إلى الرواية السعودية بوصفها متنا لها. تساؤلات يجب طرحها قبل التفكير بالجائزة . د. زينب الخضيري* تعدد الجوائز ثقافة صحية، كونه يخلق مساحة تنافسية كفيلة برفع جودة النصوص، ويمنح بعدًا أوسع لانتشار الرواية السعودية، ويجعلها أكثر حضورًا وتداولُا، ففي حال تأسست الجائزة برؤية واضحة ونزيهة، فستكون خطوة مهمة في ترسيخ الرواية السعودية كأحد أركان الأدب العربي المعاصر، وكوني روائية ومهتمة بالشأن الأدبي والثقافي يهمني وجود جوائز متعددة للرواية حتى ترتفع المعايير وتجوّد. ولكن كل ما ذُكر يعتمد على وجود معايير صارمة لنجاح أي جائزة، وأن ترسخ مفاهيم وقيم كالمصداقية والشفافية وتبني معايير دقيقة وعادلة، إضافة إلى الابتعاد عن الشللية والانحيازات الشخصية والأيديولوجية، وإرساء معايير وفقًا لأصالة السرد والجودة الادبية والابتكار من لغة وعمق في الشخصيات وثيمة انسانية معبرة. ولا يجب أن تغرق الجائزة في المحلية، بل يجب أن يمتد فضاؤها إلى أبعد من بيئة واحدة، وتمنح الفرصة للأعمال الابداعية المبتكرة بعيدًا عن التكرار، بل يجب أن تكون الجائزة نافذة على العالم. ولكي نضمن ديمومة أي جائزة أدبية، لا بد من تأسيسها على أسس صلبة تتجاوز العشوائية والارتجال، بحيث تصبح مؤسسة ثقافية مستقلة لا ترتبط بأشخاص معينين أو بظروف زمنية مؤقتة، ويكون لها شروط من أهمها الاستقلالية المالية والإدارية، شفافية التحكيم، التطوير والتكيف مع التحولات الأدبية، الترويج الإعلامي وبناء الهوية الثقافية، إدماج الأجيال الجديدة. وهناك تساؤلات يجب طرحها قبل التفكير بجائزة للرواية السعودية الا وهي: في ظل وجود جائزة القلم الذهبي، والجوائز الوطنية، هل نحن فعلاً بحاجة إلى جائزة للرواية، وكيف ستكون هذه الجائزة؟ بمعنى كيف يمكننا الخروج من بوتقة الجوائز الحالية، وهل نحن بحاجة إلى تعدد الجوائز، أم أن التركيز على تعزيز جائزة واحدة أكثر فاعلية، وما هدف الجائزة، هل يتعلق بتوسيع دائرة المنافسة فقط وتحفيز التنوع، أم أنها تكرار لما قبلها، وماهي القيمة المضافة لها، وهل ستتبنى نفس معايير القلم الذهبي والجوائز الوطنية، أم ستنشأ بشكل مختلف. إن كان لابد من وجود جائزة للرواية السعودية فيجب أن تنطلق قوية بفلسفة مختلفة على جميع الجهات من ناحية فلسفة التحكيم، واضحة الاستهداف والموضوعات المطروحة، بمعنى وجود رؤية واضحة، وتأثير طويل المدى على الساحة الثقافية والادبية السعودية. *روائية ومستشار ثقافي. يجب أن تكون جزءًا من مشروع ثقافي شامل نورة المغربي* المشهد الروائي السعودي يشهد تطورًا لافتًا، ويحظى بأسماء وأعمال وتجارب متميزة تستحق الاحتفاء، ووجود جائزة رسمية أو مستقلة للرواية السعودية يعزز من الحراك الأدبي، ويمنح الكتّاب السعوديين مساحة أوسع للتميز والإبداع، كما تسلط الضوء على الأعمال ذات القيمة الفنية والفكرية، وإبراز الهوية الأدبية السعودية. وتساعد الجائزة على توثيق ملامح السرد السعودي، وإبراز التنوع الثقافي والاجتماعي الذي تزخر به المملكة، وتكون بمثابة منصة تعريفية للأعمال الفائزة خارج حدود المملكة، مع فتح الأبواب أمام الترجمة والنشر العالمي، مما يجعلنا أمام صناعة ثقافية محفزة للاستثمار. وأرى أن نجاح الجائزة واستمراريتها مرهون بأمور عدة، بداية من الشفافية والاستقلالية، مرورًا باختيار أسماء تحكيمية ذات خبرة أدبية ونقدية عالية، ووصولًا إلى التنوع والشمولية، فتشمل الأعمال الروائية المنشورة من قبل إقرار الجائزة وبعدها، ولا مانع من ادخال الروايات المترجمة من وإلى العربية، وضرورة إقرار معايير دقيقة للاختيار بعيدًا عن الاعتبارات التسويقية أو التجارية فقط. كذلك أن نجاح الجائزة يتطلب تعاون مؤسسات ثقافية وإعلامية وجامعات لضمان التغطية الإعلامية، وتنظيم فعاليات ونقاشات أدبية حول الأعمال الفائزة، وأن تخضع لآلية تحكيم عادلة، فضلًا عن اعداد تقرير مفصل يوضح أسباب منح الجائزة للأعمال الفائزة، ومن الضروري أن يكون هناك تمويل طويل الأمد، سواء من جهة حكومية أو خاصة، لضمان استمراريتها وعدم تحولها إلى حدث مؤقت. ولضمان تأثير الجائزة يجب إطلاق قائمة طويلة وقصيرة، وتنظيم فعاليات أدبية مصاحبة من ندوات وحوارات مع الفائزين لمناقشة أعمالهم، مع إدراج الجائزة ضمن مبادرات وزارة الثقافة وربطها بمعارض الكتب المحلية والدولية، والتعاون مع منصات إلكترونية ومتاجر كتب، لضمان انتشار الأعمال الفائزة. في الختام، الجائزة يجب ألا تكون مجرد تكريم للأعمال الروائية، بل جزءًا من مشروع ثقافي شامل، يعزز الرواية السعودية، ويضعها في مكانة تنافسية على الساحة العربية والدولية. * روائية