نظام الشركات الجديد ... الثروة العظيمة

تنفيذًا للتوجيهات السامية الكريمة بضرورة توفير بيئة مثالية للاستثمار في “المملكة العربية السعودية” وجعلها محفزة لانخراط المواطنين في منظومة العمل وخدمة الاقتصاد الوطني، وتوليد المزيد من فرص العمل الشريف لِبَنات وأبناء الوطن، وجاذبة للاستثمارات الأجنبية الملائمة لظروفنا الاجتماعية في “المملكة” والصديقة للبيئة، واستلهامًا للمبادئ التوجيهية العظيمة التي جاء بها “النظام الأساسي للحكم” في مادته (22) التي نصت على (يتم تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفق خطة علمية عادلة). وفي مادته (28) التي نصت على (تيسر الدولة مجالات العمل لكل قادر عليه. وتسن الأنظمة التي تحمي العامل وصاحب العمل). صدر يوم الثلاثاء قبل الماضي قرار مجلس الوزراء الموقر بالموافقة على “نظام الشركات الجديد” الذي ولد ولادة طبيعية متيسرة بعد حمل استمر قرابة سنتين ونصف من الدراسة المتعمقة على كافة الأصعدة والمستويات – “وزارة التجارة” و”هيئة السوق المالية” و”هيئة الخبراء في مجلس الوزراء” و”مجلس الشورى” مع استطلاع آراء رجال الأعمال من خلال الغرف التجارية – وهنا لن أعيد ذكر الجوانب التقنية في النظام الجديد، فقد غطتها بشكل واضح وجلي النشرات الإعلامية التي أطلقتها “وزارة التجارة” بعد صدور القرار، كما تناولها – الزملاء - الكتاب بشكل كافٍ ووافي، ولكنني سأتناول – هنا - الجوانب الاجتماعية والأخلاقية للنظام الذي استوحى – عند إعداده - التجارب الدولية الناجحة والعريقة، خاصة قوانين الشركات في دول لها باع طويل في مجال الاستثمار كـ “سنغافورة” و”فرنسا” و”المملكة المتحدة” و”الولايات المتحدة الأمريكية” و “دولة الإمارات العربية المتحدة” . وفي سياق دراسة “مشروع النظام” انتهجت “ وزارة التجارة” مع شركائها المحليين، خمس خطوات مفصلية، تمثلت بتقييم الوضع الراهن لقطاع الأعمال، ودراسة أفضل الممارسات الدولية، وعقد ورش العمل، وتحليل المعلومات، وصياغة التوصيات، ومن ثم إعداد مشروع النظام الجديد- حتى ظهر “النظام” كعصارة رائقة لتجارب دولية عريقة عمرها مئات السنين. وقد كان الحس الاجتماعي حاضرًا في جميع مواد النظام، فلم يأت النظام ليحقق مصالح كبار التجار فحسب، بل فتح الباب على مصراعيه أمام رواد الأعمال وصغار المستثمرين، مذللًا جميع الصعوبات، والتحفظات والتحوطات التي كانت فوق طاقتهم. كما تمت صياغة “النظام الجديد” بمهنيةٍ عالية، وبحسٍ قانوني رفيع، فلم ينتهك حقوق المواطن الأساسية بالمشاركة في خدمة مجتمعه، ولم يشترط مستويات تعليمية ولا سن أعلى لتولي عضوية مجالس إدارات الشركات – كما ينادي بذلك بعض التكنوقراط - ثم هناك بُعد آخر في هذا “النظام” استوقفني طويلًا، وصفقت له كثيرًا، ألا وهو اعتماد “الشركات غير الربحية” كأحد الأذرع الاقتصادية الطويلة للارتقاء بـ “القطاع الثالث” لتمكينه من تقديم خدمات جليلة للمجتمع في كافة المجالات (البيئة والصحة والتعليم ومجالات البر والإحسان) حيث أفرد “النظام” لهذا النمط الجديد من الشركات بابًا خاصًا لتمكينها من الانطلاق، وحوكمة أعمالها وضبط مصارفها. كما جاء “النظام” بمادة رائعة تنم عن حس حقوقي رفيع الا وهي “المادة” التي جعلت تصفية الشركة في حال تجاوز خسائرها نصف رأس المال بيد سلطة القضاء وليس بقوة النظام. حقًا لقد جاء هذا “النظام الجديد للشركات” في “ المملكة العربية السعودية” ليعاضد وبقوة جهود الدولة – أيدها الله - لتوزيع الثروة بين المواطنين بشكل عادل. بل هو بحد ذاته ثروة عظيمة تفوق في أهميتها - حسب تقديري - النفط والغاز والمعادن الأخرى، إنه ثروة لا تنضب. فشكرًا لمولاي “خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله ورعاه” ولسيدي “صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز – ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء” على هذا الإهداء التاريخي الفريد، الذي سيشكل نقطة تحول رئيسة في مسيرة التنمية في “المملكة” وبوركت الأيدي الواثقة غير المرتعشة القادرة على البناء. في الختام كم كنت أتمنى أن يكون الفيلسوف الفرنسي “شارل مونتسكيو 1689-1755” صاحب كتاب “روح القوانين” وصاحب المقولة الشهيرة (إن العيش في ظل حكومة مستقرة غير استبدادية تترك مواطنيها الملتزمين بالقانون أحرارًا إلى حد ما في عيش حياتهم هو خيار عظيم ولا ينبغي العبث بمثل هذه الحكومة) حاضرًا ليسعد بهذا النظام المتحضر، والكنز الواعد “نظام الشركات السعودي الجديد” الذي جاء متوافقًا مع ما كان يحلم وينادي به.