دراسة وثائقية لنموذج دفتر عام 1171 هــ / 1758 م..
الصرة تضم مخصصات مالية ينفق منها على الحرمين الشريفين.

عاشت المدينتان المقدستان مكة المكرمة والمدينة المنورة قبل العهد السعودي غيابًا أمنيًا واقتصاديًا واضحًا، فقطاع الطرق منتشرون بالجبال والوديان، والأوضاع الاقتصادية صعبة جدًا، ورغم اعتماد المدينتين المقدستين اقتصاديًا على مواسم الحج، إلا أن ذلك لم يساعدهما على توفير حياة اقتصادية جيدة لسكانهما، فكانت (الصرة) التي تحمل الأموال والهدايا للحرمين الشريفين وسكانهما خير معين بعد الله لهم. وفي كتاب (الصرة دراسة وثائقية لنموذج دفتر عام 1171 هــ / 1758م) ، الصادر عن مركز تاريخ مكة المكرمة، توقفنا الأستاذة فاطمة بنت عبدالله المصعبي، أمام تعريف الصرة وأهميتها وأنواعها، ومصادر الصرة، وإرسال الصرة، والتنظيم الإداري والمالي والاجتماعي لها، ومناصب موظفيها، وإعدادها ومراسيم الاحتفال بها، ومخصصات أهالي الحرمين الشريفين في الصرة، وتحليل نموذج دفتر الصرة لعام (1171 هــ / 1758 م ) ، والتعريف بدفتر الصرة لعام 1171 هــ / 1758 م ، والمنهج المتبع في دفتر الصرة. و”الكتاب يتناول جزءًا من تاريخ الحجاز بصفة عامة، والحرمين الشريفين في عهد الدولة العثمانية، وذلك من خلال حديثه عن الصرة في العهد العثماني المرسلة للحرمين الشريفين، والتي تضم مخصصات مالية ينفق منها على الحرمين الشريفين وموظفيهما وأعيان مكة المكرمة والمدينة المنورة والعلماء والقضاة وبعض الفقراء والأرامل وغيرهم، كما يتطرق الكتاب إلى بيان أهمية هذه الصرة من النواحي السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية”. وعرفت الباحثة: “الصرة في اللغة: ما يجمع فيه الشيء ويشد، وجمعها صرر، وهي كلمة عربية تعني كيس النقود، واستخدمت للهدية أيضًا، وأطلقت في المعاملات المالية على مبلغ خمسين ألف آقجة، أي نصف حمل من المال، وكانت الصرة ترسل من إستانبول إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة سنويًا في شهر رجب من كل عام، ثم بعد ذلك أصبحت ترسل من مصر في شهر شعبان بدءًا من أواخر القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي واستمر إرسال الصرة من مصر حتى عام ( 1126 هــ / 1714 م ) ، وبعد هذا التاريخ صدر أمر بإرسالها من خزينة الحرمين الكائنة في بلاط السلطان ( الأندرون Endreun ) وكانت هذه الأموال المرسلة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة توزع على أشخاص معينين وفقًا لدفاتر خاصة وحصص محددة، وتلك الدفاتر ذكرت في الرسائل السلطانية باسم (معلوم) أو (معلومية) أو (معلم)، وانقسمت أنواع الأموال التي ترسل من استانبول باسم الصرة إلى أربعة أقسام: الأول: صرة أهالي مكة المكرمة. الثاني: صرة أهالي المدينة المنورة. الثالث: صرة أهالي القدس الشريف. الرابع: صرة القبائل المعروفة باسم العربان. وأوردت المصعبي أهمية الصرة دينيًا، مشيرة إلى “أنها تخرج في ركب الحجاج فقط، لأن جزءً من أموالها يخصص لتمهيد طرق قوافل الحجاج المتجهة إلى المشاعر المقدسة. أما من الناحية السياسية فهي “تعني تبعية إقليم الحجاز للسلاطين”، ومن الناحية الاقتصادية فــ “تعد الصرة رافدًا قويًا من روافد إنعاش الحياة الاقتصادية في ولاية الحجاز”. أما أهميتها الاجتماعية فتكمن في أن المجتمع الحجازي منقسم إلى “طبقتين: حاكمة ومحكومة، تمثلت الطبقة الحاكمة في الاشراف وموظفي الإدارة العثمانية والمصرية، أما الطبقة المحكومة فتمثلت في العلماء والتجار، وأصحاب الحرف والمجاورين، ....... ، وأدت الصرة عملًا اجتماعًيا مهمًا في تحقيق الاستقرار الاجتماعي لشريحة كبيرة من تلك الطبقتين”. وأشارت الباحثة إلى أهمية الصرة من الناحية التاريخية والجغرافية والإدارية. أما أنواع الصرة، فهناك صرة دار السعادة: التي بدأ إرسال السلاطين العثمانيين لها عام 1079 هــ / 1668 م، من استانبول إلى أهالي الحرمين الشريفين وأهالي القدس”. وصرر الأوقاف: وقد بدأ ذلك منذ القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي، وازداد مع مرور الوقت وانتعش في عهد الدولة العثمانية. ما أرسل من مصر: وكان يرسل من استانبول إلى مصر فرمانات سنوية نصت على أوامر لتخصيص أموال للحرمين الشريفين، ومن تلك الصرر: الصرة الرومية: هي مجموعة المخصصات التي قررها الأتراك العثمانيون الذين عاشوا في مصر وكانت لهم ممتلكات وأوقاف بها. صرة الجوالي: والتي أمر السلطان سليمان القانوني بتخصيص القسم الأكبر من الضريبة على الذميين في أقطار الدولة العثمانية لكي توزع على فقراء الحرمين. صرة الخزينة الإرسالية: وكان أول إرسال لتلك الصرة في عام (931 هــ / 1524 م) وتمثلت أموالها في نوعين: أ ـ أموال ثابتة: وهي رواتب نقدية وعينية لم تتغير في العهد العثماني. ب ـ أموال غير ثابتة: وهي المدفوعات التي تقدمها مصر إلى أهالي الحجاز. الصرة الميري: هي المبالغ التي خصصتها الدولة العثمانية من الضرائب النقدية المحصلة في مصر. مصادر الصرة: أولًا: خزانة الدولة في استانبول. ثانيًا: الأوقاف. أ ـ الوقف الخيري 1- أوقاف السلاطين وقف الدشيشة الكبرى، وقف السلطان سليمان القانوني، وقف الدشيشة المرادية، وقف المحمدية، وقف الأحمدية، وقف السلطان محمود، وقف السلطان مصطفى. 2- أوقاف زوجات السلاطين ـ الأميرة خاتون بنت النساء مراد الثاني، خاصكي خرم سلطان زوجة السلطان سليمان القانوني (وقف والدة السلاطين) ،السيدة مهرماه بنت السلطان سليمان القانوني، الأميرة صفية، السيدة شمس رخسار، ماءبيكر كوسم، خديجة طرخان، السيدة كولنوش. 3- أوقاف الباشاوات: وقف إسكندر باشا، وقف علي باشا الكبير، وقف سنان باشا، وقف محمد طابان باشا، وقف سليمان باشا. 4- أوقاف الأمراء والآغوات: وقف بشير آغا، وقف الأمير رضوان الفقاري، وقف الأمير عبدالرحمن كتخدا، وقف علي آغا، وقف محمد آغا دار السعادة. 5- صرة وقف الخيرية. 6- صرة وقف الحرمين الشريفين. 7- وقف الخاصكية المستجدة. 8- أوقاف الولايات: ولاية مصر، الجزائر (الصرة الجزائرية) ، المغرب (الصرة المغربية) تونس (الصرة التونسية) ، اليمن (الصرة اليمنية). ب- الوقف الأهلي (الذري). ج - الوقف المشترك وبينت الباحثة أن الصرة كانت توزع “الصدقات وجرايات القمح التي كانت ترد إلى الحجاز، وكانت تشكل المصدر الأول للحياة في مكة المكرمة والمدينة المنورة خاصة عند تعرضهم للكوارث والنكبات سواء أكانت سيولًا أم قحطًا، أو غيرها”. “وكانت أول صرة أرسلت إلى مكة المكرمة في عهد السلطان بايزيد الأول، وكان يرسلها من بلاد الروم، وكان إرسالها من العاصمة أدرنة، ويقدر ما أرسل في العام بنحو (80.000) ذهب مخصصة لأشراف الحرمين الشريفين وعلمائهما وخدمهما”.