التشكيلية منيرة الموصلي..

فنانة الألم الإنساني.

عرفت الفنانة التشكيلية منيرة أحمد موصلي من خلال مشاركاتها في المعارض الفنية داخل المملكة وخارجها. حضرت لها معرضين شخصيين أقامتهما، الأول في الرياض عام 2007 م الذي افتتحه معالي وزير الثقافة والاعلام، الاستاد إياد مدني في مبنى المملكة، والمعرض الثاني أقيم بجدة أثناء اقامة ملتقى قراءة النص بالنادي الأدبي الرابع عشر بجدة عام 2016 م. وقد اتصلتْ بي ودعتني لحضور معرضها الشخصي المقام في أحد المعارض التجارية، وقد خصَّصَته لدعم أطفال الحجارة بفلسطين. زرت المعرض بصحبة الدكتور مرزوق بن صنيتان بن تنباك والمحرر الثقافي والفني بجريدة اليوم بالدمام آنذاك الأستاذ أحمد سماحة. وكانت قد أقامت معرضا آخر خصصته لأطفال العراق، وعرفتُ مدى اهتمامها ودعمها ومؤازرتها القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العربية. كانت تقيم خلال سنواتها الأخيرة بمملكة البحرين ولها نشاط ثقافي وفني ومشاركات في المنابر الثقافية، وتزور الرياض وجدة وتشارك في المعارض الفنية بين وقت وآخر. ترجم لها في (موسوعة الشخصيات السعودية) لمؤسسة عكاظ للصحافة والنشر ط2، ج2 (منيرة أحمد موصلي، ولدت عام 1371 هـ / 1952 م في مكة المكرمة. وقد تخرجت من كلية الفنون الجميلة في القاهرة في مصر 1392 هـ / 1973 م، كما حصلت على دبلوم في فن التصميم في كاليفورنيا 1397 هـ / 1977 م، وهي فنانة تشكيلية بارزة، عملت مدرسة ورئيسة لقسم الفنون في مدرسة دار الحنان في جدة. ثم عملت لدى شركة الزيت العربية السعودية (أرامكو السعودية) في الظهران في وظيفة مصممة فنية إعلامية، كما أنها عضو في مجموعة أصدقاء الفن الخليجي في دول مجلس التعاون. من أبرز معارضها: معرض في فندق ستراند في کالیفورنیا 1976 م، مهرجان بغداد (الفن للإنسانية) 1986 م، 14 معرضا لمجموعة صدقاء الفن الخليجي في دول عربية وأجنبية 1985 – 1988 م، ومن مؤسسي مرسم الدمام، وكانت رئيسته عامي 1986 – 1987 م). واعتبرها دكتور محمد الرصيص في (تاريخ الفن التشكيلي في المملكة العربية السعودية) من الجيل الثاني اذ أنه يصنفهم حسب تاريخ ميلادهم، بينما زميلتها صفية بن زقر في الجيل الأول، اذ إن ولادتها عام 1360 هـ / 1940 م، قالت عنها زميلتها الفنانة التشكيلية صفية بن زقر في كتابها (رحلة عقود ثلاثة مع التراث السعودي)، “وأثناء وجودي في القاهرة تعرفت على زميلة من بنات بلادي، تدرس في كلية الفنون الجميلة، هي الفنانة منيرة أحمد موصلي ونشأت بيننا صداقة عميقة، وفي جدة قررنا معاً إقامة معرض مشترك، وبدأنا في إنجاز بعض الأعمال التي تحمل الطابع المحلي لتضاف الى الأعمال التي انجزناها مسبقاً خلال فترة الدراسة. ولعدم توفر القاعات الفنية في تلك الآونة استعنا بمدرسة دار التربية الحديثة للبنات من أجل إقامة معرض فني متكامل في عام 1968 م”. وقالت انه تم تحويل بعض غرف المدرسة الى قاعة عرض مناسبة.. وافتتحه سمو أمير منطقة مكة الأمير مشعل به عبد العزيز في محرم 1388 هـ / ابريل 1968 م. وتوالت بعد ذلك إقامة المعارض التي قدمت الى ساحة الفن التشكيلي أسماء كانت في بداية الطريق في حينها وأصبحت فيما بعد رموزاً يشار إليها بالبنان. وقد لقي المعرض إعجابا من كبار الأدباء والكتاب. وكتب الاستاذ محمد حسن عواد بعكاظ مبديا إعجابه وأسفه لعدم الحضور، وقال ( ... أما الفنانتان منيرة موصلي وصفية بن زقر فقد دللتا - من جديد - وعطفا على ما سبق أن دلل عليه قبلها فتيات من الجنس العطوف، ودلتا على صدق الوثبة الفكرية الحضارية التي تضطلع بها المرأة في هذا العهد وعلى هذا فإن المرأة قد فرضت وجودها وأثبتت فعلا أنها تملك من القوة الروحية والتفوق الآدمي قدرا كبيرا ينفي عنها تهمة التراخي والضعف أمام التطور الصاعد). كما كتب الأساتذة عزيز ضياء وعبدالله عمر خياط، والشاعر عمر عبدربه، وغيرهم. كتب عنها الفنان التشكيلي عبدالرحمن السليمان بجريدة الرياض 12/5/1440 هـ، 18/1/2019م، بعنوان: (منيرة موصلي.. فنا وإنسانية)، “في العام 1979 قدمت الفنانة منيرة موصلي الى المنطقة الشرقية موظفة في شركة أرامكو السعودية، وكانت قد أنهت دراستها الفنية في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة ثم عملها في تعليم الفنون. بعد فترة قصيرة من قدومها للمنطقة بدأت انطلاقتها الفنية بالمنطقة فأسست وأشرفت على مرسم فنانات الدمام مدربة وموجهة، انظم لها حينها عدد من الشابات، وفي أوائل الثمانينيات كانت أولى مشاركاتها الجماعية بالمنطقة في احد معارض مكتب رعاية الشباب. وتعرفت عليها عن قرب إلى أن تزاملنا في معارض جماعة أصدقاء الفن التشكيلي الخليجي منذ 1985م، ولقرابة عشرة أعوام كانت منيرة الفنانة والصورة المثلى للفنانة التشكيلية السعودية بتفاعلها ومستوى فنها وصورتها المشرفة التي تفتن الأنظار بقيمتها الريادية التجريدية والفنية. تواصل دورها ونشاطها فأقامت أول معارضها في الخبر (ترك الأثر) في قاعة إنماء، ونشطت خارجيا وداخليا في مشاركات وتكريم وتنظيم معارض. فكرمت في بيروت ورشحت لتصميم ملصق (أرضي وناسي)، ومشاركتها بتنظيم معرض (من أجل أطفال غزة)” الذي رعته وزارة الثقافة والإعلام، تقاعدت من أرامكو وتفرغت للفن لتقيم نشاطاتها ومعارضها في البحرين التي اختارت الإقامة فيها واستمر تواصلها ،يمتد فنها وتتواصل إنسانيتها وهي تخصص معارضها للألم الإنساني في كل مكان، فلسطين والعراق وأفريقيا وغيرها. رحم الله منيرة موصلي فقد كانت فنانة رائدة ومجددة قدمت لساحتنا الفنية أعمالا ومشاركات ولعبت دورا رياديا مهما. وكتبت عبير مشخص في الشرق الأوسط عن (رواد الفن السعودي الحديث يتألقون في مزاد لندن) وبعد استعراضها لعدد من الفنانين قالت عن منيرة موصلي: (هي من رواد الفن السعودي مزجت في أعمالها بين الثيمات التقليدية والحرف التراثية ... في لوحة موصلي المعروضة في المزاد تبرز العناصر التراثية واضحة في الخامة المستخدمة والألوان المعبرة عن البيئة. [اللوحة أمامنا نفذتها موصلي في عام 2001 م، 20 ألف إلى 80 ألف جنيه إسترليني] واستخدمت فيها تقاليد نسج السجاد وهي حرفة نسائية). ويذكر الاستاذ عبد الله العبد المحسن أنه زار زميله بجريدة اليوم الأستاذ عبدالعزيز المشري عام 1385 هـ، 1965 م بالمستشفى مع بداية غسيل الكلى (الديلزة) ووجد منيرة موصلى تزوره هي الأخرى، وكان لقاؤه بها لأول مرة، واستمرت لقاءاته بها عند زيارة المشري في منزله بعد خروجه من المستشفى وعرف انها تعمل بشركة ارامكو السعودية، وانها مهتمة بالطفولة والقضية الفلسطينية. كتب عنها الأستاذ فاروق يوسف: (إن لقب “رائدة فن تشكيلية” لا يفيها حقها تماما. فهي منذ انطلاقتها الأولى وهي ناشطة في كل المجالات السياسية والفنية والثقافية والاجتماعية). وكتب الشاعر محمد العلي: (“اللاوعي” عند منيرة ليس هو الذي يتحكم في دفع الفنان إلى صقل الإبداع بصورة تلقائية.. بل هي التي حافظت على تغذيته الدائمة من خلال استحضاره وتحفيزه). وكتب الأستاذ صالح الصويان: (... لوحاتها تنظر إليها دامعة، أين يدها وأحجار عقودها تبحث عن جيدها وألوان محابس تليق دوما بأميرة، لك الدر بشخصك الرائد يا منيرة، لك الحزن طاغ يسجننا من الأعماق، لفراقك غصة ولروحك أيما انعتاق، ستبقين دوما ملتفة بعلم فلسطين تصوغين الحكاية وبالعودة تحلمين، من أين أوفي حق هذه القوافي والحزن يمر محيطا بها كالطواف). وكتب الأستاذ إبراهيم شريف (فعلا فقدنا اليوم صديقة عزيزة مخلصة، الفنانة العروبية منيرة الموصلي .. وفقدت قضية فلسطين امرأة كانت تتنفس فلسطين كل صباح ومساء، لا تبخل بوقتها ومالها وفنها من أجل دعم قضيتها الأولى، رحم الله الغائبين من أحبتنا، وعسى أن نبقى مخلصين لإرثهم الوطني والقومي، وأن يجري في عروقنا العشق الفلسطيني الذي كان نهرا جارفا في عروق عزيزتنا الغالية منيرة). وكتبت الدكتورة فوزية أبو خالد في جريدة الجزيرة 27 فبراير 2019 م (مقترح .. متحف وطني لأعمال الفنانة منيرة موصلي. إلى وزارة الثقافة ومركز الملك عبدالعزيز الثقافي (إذن، لا بد قولا وفعلا وبلغة السياسة الإدارية قرارا وتنفيذا، يا معالي الوزير من العمل وبمنتهى الاجتهاد والجدية والبحث المعمق على تأسيس متحف باسم الفنانة منيرة الموصلي وليس مجرد تسمية صالة عرض باسمها، ففكرة بناء المتحف وحدها التي تتيح المجال للحفاظ على تلك الثروة الثقافية والفنية التي بثتها الفنانة منيرة الموصلي قشة قشة وريشة ريشة بكل ما أوتيت من طاقة شاسعة وقدرة فائقة على حب الفن التشكيلي وعلى العمل المخلص لترسيخه في الثقافة العربية وفي المجتمع العربي السعودي). توفيت رحمها الله بالبحرين بتاريخ 23 فبراير 2019 فذهب عدد من أصدقائها لتأبينها مع جمعية مقاومة التطبيع بالبحرين، وكلف الأستاذ عبد اللطيف العبد اللطيف بإلقاء كلمة نيابة عنهم، جاء فيها: (... المرحومة منيرة بذاتها خامة للتأمل والمعرفة، بثقافتها الواسعة العميقة، وحسها الإنساني الرفيع، ومشاعرها الرقيقة، وإحساسها المرهف، وتواضعها الجم، وحبها العميق للناس والحياة، وبألمها على المعذبين المضطهدين المقهورين. في لوحاتها الفنية تستعين بسعف النخل لقربها من الفلاحين وبحبال البحر لالتصاقها بالبحارين وبالحجر والرمل لقربها مع البنائين وبالخشب لتفاعلها مع النجارين وبالشمع لنكهتها في التصوف والتأمل الروحي. وحتى تمردها هو تمرد إنساني يصب في محبة الإنسان. قلبها يصفق لكل فرحة في عالمنا العربي الكبير، وروحها تتسع لكل لقضايا الأمة من محيطها إلى خليجها. تحمل على عاتقها هم فلسطين، قضية الأمة الأولى وتفرح لفرحة طفل فلسطيني أو سعادة امرأة عجوز في مخيمات اللجوء).